الجزائر وفرنسا عالقتان في ازدواجية الخطاب

ما تأباه الجزائر لنفسها في قضية انفصال منطقة القبائل ترضاه للمغرب بل وتدفع لتغذيته وتأجيجه لعرقلة أي حل سياسي للنزاع المفتعل من قبل الكيان غير الشرعي المسمى الجمهورية العربية الصحراوية.

الجزائر/باريس - لا تبدو في الأفق نهاية قريبة للتوتر بين الجزائر وفرنسا وسط حالة اضطراب سياسي لكليهما في التعاطي مع عدة قضايا تخصهما، بينما تحتفظ كل منهما بأوراق ضغط في خضم مسار ملغوم لعلاقة لم تغادر مربع الشد والجذب، فيما يبقى موقفهما من مغربية الصحراء أوضح علامة على ازدواجية الخطاب وأحيانا كثيرة على أحقاد دفينة تحت غطاء 'تقرير المصير'.

وعادت صحيفة محلية إلى الحديث عن أسباب الفصل الجديد من التوتر بين فرنسا والجزائر على اثر تقرير لوكالة الأنباء الجزائرية التي تمثل الموقف الرسمي كانت قد هاجمت فيه بشدة تغطية قناة فرانس 24 للحرائق في منطقة القبائل.

وأشارت إلى هوية الشخص القريب من الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون والذي قالت الوكالة إنه وراء كل "الإساءات" وذكرت أنه قريب من المنظمة الانفصالية التي تطالب بتقرير مصير منطقة القبائل والمعروفة اختصارا باسم 'الماك' وهو من يقف وراء حملة تدعم هذه المنظمة التي صنفتها الجزائر منظمة إرهابية، ويحرك دوائر القرار في قصر الاليزيه ضد الجزائر.

وبعيدا عن التفاصيل الكثيرة التي أسهبت الصحيفة المحلية في ذكرها حول مسيرة أملال، فإن سبب الغضب الجزائري يذهب إلى أبعد من شخصه وإلى مسألة شديدة الحساسية بالنسبة للنظام الجزائري وهي قضية تقرير مصير منطقة القبائل وموقف فرنسا من منظمة 'الماك' الانفصالية التي تتخذ من باريس مقرا لها وتحظى بدعم سياسي ومالي.

ويكفي أن باريس سمحت في العام 2020 لحركة تقرير المصير في منطقة القبائل (حركة أمازيغية قومية ومنظمة سياسية تسعى للحكم الذاتي والانفصال لإقليم القبائل) بتشكيل حكومة قبائلية في المنفى ناطقة باسم أمازيغ الجزائر، لفهم هذا المسار الملغوم في العلاقات الفرنسية الجزائرية ولفهم أيضا ازدواجية الخطاب لكليهما.

وقد يبدو موقف الجزائر مفهوما لجهة الدفاع عن وحدة أراضيها ضد أي نزعة انفصالية ويفترض أن يشكل بالمنطق السياسي قاعدة لا تنطبق على الداخل الجزائري بل على كل دولة تسعى لحماية وحدتها الترابية وسيادتها على كل أراضيها.

لكن في مقابل حالة التوتر والتشنج السياسي الجزائري تجاه دعم حراك خارجي يتفهم أو يرى أو يقدر وفق منظوره، أن من "حق إقليم القبائل تقرير مصيره" (في إحالة لموقف السياسي الفرنسي كريم أملال أو حتى للموقف الفرنسي الرسمي الملتبس)، تدعم الجزائر في الوقت ذاته جبهة البوليساريو الانفصالية التي تطالب بتقرير المصير في الصحراء.

ويستكثر النظام الجزائري على المغرب حقه في الدفاع عن وحدته الترابية وسيادته على كل أراضيه ورفضه لمنطق النزعة الانفصالية ودعمه في الوقت ذاته لحكم ذاتي للصحراويين تحت السيادة المغربية وهو الحل المنطقي والواقعي الذي يؤسس لنهاية عقود من نزاع مفتعل حولته الجزائر إلى "صراع وجودي" تحت عنوان "تقرير المصير".

ما تأباه الجزائر لنفسها في قضية الانفصال ترضاه للمغرب بل وتدفع لتغذيته وتأجيجه لعرقلة أي حل سياسي للنزاع المفتعل من قبل الكيان غير الشرعي المسمى الجمهورية العربية الصحراوية، وهذا يعكس بقوة ازدواجية الخطاب السياسي الرسمي.

لم تعلن فرنسا رسميا دعمها لحركة انفصال منطقة القبائل في الجزائر لكنها وفرت لها الملاذ تحت مسمى الحريات وتحتفظ بهذه الورقة كوسيلة ضغط على الشريك الجزائري تماما كما لم تعترف باريس رسميا بمغربية الصحراء ولم تنه ترددها في الاعتراف بسيادة المغرب على كامل أراضيه، على غرار ما فعلت اسبانيا وعدة دول غربية وافريقية، وهو مصدر الفتور أيضا في العلاقات الفرنسية المغربية.

والكيل بمكيالين في مثل هذه القضايا سواء بالنسبة لفرنسا أو الجزائر، أصبح سمة تطبع الخطاب الرسمي لكليهما ونهجا يجسد حالة الاضطراب السياسي والإرباك في المعالجة.

وبحسب تقرير صحيفة 'الشروق' المحلية فإن هذا الشخص يدعى كريم أملال وهو سياسي فرنسي من أب جزائري وأم فرنسية وأن ماكرون يكلفه بمهام تحت الطلب، مضيفة "مسيرة الرجل تلفها الكثير من الأمور المثيرة للتساؤلات، ودائما ما يكون خلف أو مشاركا في أية مبادرة تسعى إلى حشد الدعم السياسي للسلطات الفرنسية، قبل أن يتحول إلى ما يشبه المكلف بمهمة لدى الرئيس الفرنسي منذ وصوله إلى قصر الإليزيه في ربيع العام 2017".

وذكرت أيضا أنه أسس في العام 2013 موقعا الكترونيا متخصصا في نشر الفيديوهات المتعلقة بالجزائر وأنه حوله كمنبر للدفاع عن زعيم 'الماك' فرحات مهني المحكوم بالمؤبد في الجزائر على خلفية أحداث حرائق تزي وزو التي قتل فيها جمال إسماعيل الذي جاء تطوعا للمساعدة في إخماد الحرائق من قبل عناصر قالت السلطات إنهم من منظمة 'الماك' وتم التنكيل بجثته.