الحرب والتغيّر المناخي يهددان الزراعة في سوريا

مزارعون يتخلون عن حقولهم في شمال شرق سوريا للالتحاق بوظيفة تؤمن لهم دخلاً ثابتاً من أجل تأمين قوت عائلاتهم.

جعبر الصغير (سوريا) – تهدد تداعيات التغير المناخي وسنوات شح الأمطار وموجات الجفاف وارتفاع التكاليف مصير الزراعة في شمال شرق سوريا، والتي كانت تعد ركيزة رئيسية للاقتصاد ومصدرا رئيسياً لمداخيل الأسر خصوصا الفقيرة، وبدأ المزارعون يبحثون عن قوت يومهم بعيدا عنها.

وبعد سنوات الحرب الطويلة وعلى وقع التغيّر المناخي وموجات الجفاف، تخلى عمر عبد الفتاح عن زراعة أراضيه في شمال شرق سوريا، مفضلاً على غرار كثر الالتحاق بوظيفة تؤمن له دخلاً ثابتاً من أجل تأمين قوت عائلته.

وفي قرية جعبر الصغيرة في ريف الطبقة، يقول عبد الفتاح (50 عاماً) الذي يتحسّر على حقول اعتاد زراعتها على مدى ثلاثين عاماً، لوكالة فرانس برس “تركت الزراعة.. وقررت أن أعمل كموظف لأنني مجبر على توفير مصروف عائلتي وتعليم أولادي”.

ويضيف الرجل وهو أب لثمانية أولاد “لم يعد لديّ القدرة على تحمل تكاليف الزراعة وجرّ المياه من الفرات لريّ الأراضي”.

سوريا من البلدان المتأثرة بشدّة بالتغير المناخي، ومن أكثر الدول إهمالاً لناحية الحصول على تمويل لمواجهته

والتحق عبد الفتاح بالعمل في محطة ضخ مياه تابعة للإدارة الذاتية الكردية التي تتولى إدارة مناطق واسعة في شمال شرق سوريا. وبات على غرار موظفي الإدارات المحلية، ينال راتباً شهريا يبلغ قرابة سبعين دولاراً وبالكاد يكفيه لتوفير احتياجات أسرته. ويشرح كيف أن العديد من أقاربه هجروا الزراعة، “بعضهم هاجر وآخرون أجّروا أراضيهم لمزارعين آخرين لأن الوضع المعيشي صعب جداً”.

ويقول “يجرح قلبي أن أرى شخصاً آخر يزرع أرضي وتعبر محاصيله خلال الموسم أمامي”، مناشداً الإدارة الذاتية والمنظمات الدولية المعنية بالزراعة تقديم “الدعم والقروض حتى نعود إلى زراعة أراضينا”.

ويؤكّد “باتت التكاليف كبيرة وهذا هو الحلّ الوحيد لإنقاذ الزراعة ومساعدة المزارعين وتشجيعهم على العودة إلى حقولهم من جديد”.

على امتداد مساحات شاسعة بين ريفي الطبقة والرقة، يمكن معاينة حقول خالية من المحاصيل، بينما ينهمك مزارعون وعمال في قطاف محاصيل البطاطا والذرة الصفراء في حقول أخرى.
وتنعكس مظاهر التغيّر المناخي من تصحّر وتراجع الأمطار وجفاف الأنهر وتطرّف درجات الحرارة بعكس الفصول على الغطاء النباتي والمحاصيل الزراعية. وجراء ذلك انخفض الإنتاج الزراعي في سوريا بنحو خمسين في المئة خلال السنوات العشر الأخيرة، وفق ما قالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر سهير زقّوت في وقت سابق.

وفي قرية القحطانية في ريف الرقة، يقول جاسم الراشد (55 عاماً) “كانت الزراعة مصدر دخلي الوحيد خلال ثلاثين سنة” لكنها باتت اليوم “خاسرة”.

وبعدما عاونه أبناؤه على الاهتمام بالأرض وحراثتها وريّها، يجد نفسه اليوم وحيداً، بعدما فضلوا إيجاد مصادر دخل أخرى. ويشرح الراشد “يعمل اثنان من أبنائي في تجارة المواشي، وهاجر اثنان آخران إلى أوروبا، بينما انتسب الثلاثة الآخرون الى شرطة المرور والجيش، إذ لم تعد الزراعة تناسبهم بعد السنوات الأخيرة من الجفاف والقحط”.

وأشارت دراسة لشبكة “وورلد ويذر أتريبيوشن”، التي تعنى بتحليل الرابط بين العوامل الجوية والتغير المناخي، صدرت في تشرين الثاني/نوفمبر إلى أن درجات الحرارة المرتفعة الناجمة عن التغير المناخي قد “زادت من احتمالية حدوث الجفاف، أكثر بـ25 مرّةً في سوريا”.

الدعم والقروض الحلّ الوحيد لإنقاذ الزراعة ومساعدة المزارعين وتشجيعهم على العودة إلى حقولهم من جديد.

وتعدّ سوريا من البلدان المتأثرة بشدّة بالتغير المناخي، ومن أكثر الدول إهمالاً لناحية الحصول على تمويل لمواجهته. وعلى أطراف بلدة تل حميس في ريف القامشلي، يقف فاروق محمّد (40 عاماً) قرب أرضه غير المزروعة، بعدما التحق بسلك التعليم.

ويشرح “تركت الزراعة لأنها غير مدعومة وباتت أرباحها قليلة، أنا حالياً موظف في الإدارة الذاتية لتدبير المعيشة لا أكثر ولا أقل”.

وليست العوامل الطبيعية والمناخية وحدها ما يعيق استمرار العمل في الزراعة. بعد نحو 13 عاماً من نزاع مدمر، تغرق سوريا في أزمة اقتصادية خانقة على وقع شح في الوقود وساعات تقنين طويلة في التيار الكهربائي. ويواجه المزارعون صعوبة في ري محاصيلهم وتوفير البذار والأسمدة المرتفعة الكلفة، في ظل عدم قدرة السلطات على دعم المزارعين بالشكل المطلوب.

ويقول “تعتمد المنطقة على الأمطار، وأثّرت سنوات الجفاف على المزارعين بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المحروقات”، آملاً أن “تساعد الإدارة الذاتية المزارعين وتعمل على إنقاذ ما تبقى من الأراضي الزراعية”.

وفي مدينة القامشلي، توضح ليلى صاروخان الرئيسة المشتركة لهيئة الزراعة والري في الإدارة الذاتية لفرانس برس “تراجعت الزراعة بسبب ارتفاع التكاليف وأسعار الأسمدة وانخفاض الهطولات المطرية وسنوات الجفاف التي أثرت بشكل كبير على الزراعة والمزارعين”.

وتنبّه إلى أن “التغيرات المناخية تؤثر على الهطولات المطرية بينما تتوسع رقعة التصحر في شمال شرق سوريا” مضيفة “هذه مؤشرات خطيرة على الزراعة”.

وعلى غرار سكان كثر في شمال شرق سوريا، التحق أولاد عدنان صبري (56 عاماً) بقوات الأمن الداخلي الكردي (الأسايش)، تاركين خلفهم الحقول وعُدّة الزراعة والحراثة.

ويقول “ترك أولادي الزراعة ويعملون موظفين في الأسايش للحصول على راتب”. ويضيف “نخشى أن نزرع الأراضي، ونحن ولا نعلم في أي لحظة قد تنشب حرباً ويقصف الطيران الحربي أراضينا، لذا فإن الوظائف أفضل”.