المطبخ السوري في فرنسا .. عمر جديد

روزات سالم سعيدة بتقديم نفسها كطاهية ماهرة في بلاد الغربة.
عماد حسين أتقن مهارات المطبخ الفرنسي دون أية صعوبات تذكر
زملاء حثوا سالم بعباراتهم التشجعية على العمل بمجال الطهي

تحملك الأقدار إلى حياة لا تدري عنها شيئاً، إما أن تكون جديراً بها أو تطحنك بعجلاتها وعُجالتها. أثبت السوريون بأنهم صنّاع الحياة، وبقلوبهم الدافئة وحبَهم للعمل تخطو صعوباتهم برضى، رافعين شعار "الحياة تليق بنا".
روزات سالم سعيدة بتقديم نفسها كطاهية ماهرة في هذه البلاد، فلم تدرك يوماَ بأن مهاراتها في الطبخ ستكون مهنتها المستقبلية. الدفء الذي حملته معها من بلدها الأم سوريا، ونثرته بكل محبة، التقطته قلوب مستحقة شجعتها على العمل لتمسك بسفينة الحياة وتستمر.
النفس الطيب 
عرف عنها النفس الطيب في تحضيرها للطعام، طبعا بشهادة كل من تذوق أطباقها، وهي مهارة تغلغلت بداخلها دون استئذان، وبعمر صغير؛ فوالدتها تتقن فنون الطهي لكن بحكم عملها في الخارج لم تكن تملك الوقت الكافي لتدريبها. تزوجت بعد حصولها على الشهادة الثانوية، وفضلت الإهتمام بأسرتها الصغيرة على العمل خارجاً. تكرر مراراً سماعها لعبارات نفسها الطيب على الأكل وأنها ماهرة بالطهي أثناء اجتماعهم مع أسرتهم الكبيرة، في أيام العطل؛ كعادة كل الأسر السورية. 
السكبة
عادة السكبة؛ من العادات الاجتماعية المتوارثة وتقوم على تمتين الروابط الإجتماعية بين الأسر وبث المحبة والطمأنينة فيما بينهم، تحافظ عليها سالم بعد زواجها، وعن طيب خاطر، كما فعلت والدتها سابقاً، وهم بدورهم يقابلونها بالمثل وكل بحسب قدرته، ولطالما تردد لمسامعها بأن أكلاتها لا يشبع منها. 
الرحيل 
اضطرتها ظروف الحرب لمغادرة البلاد مع عائلتها للبحث عن فرصة أفضل للعيش؛ والمحطة الأولى كانت تركيا، ولأن الحياة في بلاد الإغتراب ليست سهلة، والبدايات منها خاصة؛ وبرفقة العائلة، كان زوجها الذي عمل بمجال التسويق سابقاً يخرج من الصباح ولا يعود إلا في المساء لتأمين حياة كريمة لأسرته، ورغبة منها بمساعدته أعدت أكلات من المطبخ السوري لبيعها، لعل وعسى تدر عليهم بعض المال وتعينهم في غربتهم.
الحلم والإستقرار
وصلت بلاد الأحلام لتستقر فيها مع عائلتها، فرنسا؛  وتعبيراً عن الشكر، وكتعريف عن نفسها في بلد لا تتقن لغته، أرسلت سالم لجيرانها بعضا من أكلاتها المحضرة بحب، لبث روح الطمأنينة في قلبها وقلوب المحيطين بها، وهو أقل ما يمكن عمله كرد جميل؛ لمن أعطوها حياة آمنة لها ولأسرتها، وقد سمعت عبارا ت الشكر والثناء لنكهة أكلها الطيب، وحدث معها تردد إحدى الجارات لمنزلها بشكل دوري لتتعرف على المطبخ السوري وتتعلم فنونه، مع العلم أنهما لا يتكلمان نفس اللغة إلا أنهما كانا يتفاهمان بشكل جيد.

الدفء
التحقت بدورة لتعلم اللغة الفرنسية، وبعفويتها اصطحبت معها بعض أطباقها لزملائها، فحثوها بعباراتهم التشجعية على العمل بمجال الطهي.
الحياة عزيمة
بالرغم من الصعوبات التي واجهت سالم، وأولها تعرضها لوعكة صحية أقعدتها في البيت أكثر من سنة، وكانت ستقف عائقاً أمام مشروعها الصغير، لولا إصرارها على العمل وقوة عزيمتها. استغلت تلك الفترة بتطوير نفسها بصناعة الحلويات التي تحتاج لمهارة بالصنع والتشكيل. طلب منها الإنتقال من شقتها إلى شقة أخرى في الطابق الرابع، وبدون مصعد؛  ذلك كان كفيلا أيضاً  بعرقلة مشروعها وحتى الغاؤه، فهي تعاني من مشاكل صحية تمنعها عن حمل الأشياء الثقيلة، وعملها يتطلب الكثير من التحضيرات قبل وبعد، إلا أنها تجاوزتها بمساندة زوجها لها. 
 مطبخ بركة
كتف لكتف بجانب زوجها افتتحت مشروعها الصغير، وبإمكانياتها البسيطة الموجودة في مطبخ كل سيدة وكما تسميه سالم (مطبخ بركة) أعدت فيه  27 صنفاَ من الطعام الطازج المحضر يدوياَ.
اختلاف الثقافات والبيئات، واختلاف المطبخ الفرنسي عن السوري حملها حملاَ ثقيلاً رغم مهارتها، إنها تصبو للنجاح بظروف عمل صعبة وشروط أصعب، والجمهور تعرفت عليه حديثاً. الرائحة وحدها لا تكفي لشد الزائرين. الأعصاب مشدودة والقلب يخفق بشدة، وهنا زوجها قام بتقطع بعض الأطباق المحضرة والمعروضة للبيع لقطع صغيرة، وعرضها على المارة لتذوقها، فالتسويق لعبته وثقته بإنجازات زوجته شجعته لمثل تلك الخطوة، وحينها فقط انطلقت الصافرة، وباعوا كل ما أعدوه من أصناف الطعام المختلفة.
البداية 
حاليا تستعد سالم وبشكل دوري يومي السبت والأحد لعرض منتجاتها وبيعها التي تجاوزت27 صنفاَ بكثير بين حلو ومالح، وقد اعتاد الزبائن على مفاجآتها، فدائما هناك أصناف جديدة طازجة ومحضرة بإتقان.
العمل لا يحتاج مقدمات أو شهادات جامعية، العمل للقلوب المفتوحة على الحياة.
منذ وصوله إلى فرنسا خاض الشاب عماد حسين تجربة لم تكن تلبي طموحه، لكنه الآن فخور بنفسه وبالإضافة التي أغنت حياته على الصعيد الشخصي والعملي. 
إخراج فرنسي والنكهة سورية
تعديل شهادته الجامعية والعمل بمجاله، فهو خريج حقوق من بلده الأم سوريا، كان الهدف الوحيد الذي وضعه أمامه، لكن وقفت اللغة عائقاً أمام طموحه، فاضطر لتأجيل مشروعه الدارسي، واستبداله بمشروع آخر يعينه مادياً ولا يحتاج للغة قوية، وبمساعدة أحد معارفه تمكن من إيجاد فرصة عمل بإحدى المطاعم الكبيرة، فغسل الصحون لمدة ثلاثة أشهر، ثم استهواه العمل بالمطبخ، علماً أنه لم يكن لديه تجربة سابقة بهذا المجال. 
تحت إدارة كادر مختص تلقى تدريبا عمليا، وبفترة وجيزة أتقن مهارات المطبخ الفرنسي دون أية صعوبات تذكر، ومعرفته الجيدة بالمطبخ السوري العريق فهو ينتمي لأسرة ماهرة بإعداد الأطباق السورية وذواقة أيضاَ، أضافت لمسيرته المهنية، فكثير من أطباقه إخراجها فرنسي ونكهتها سورية، والناس أحبت طريقته بتحضير الطعام فالتجدد مطلوب. 
تجربة غنية
لا يعرف حسين إن كان سيتابع بهذا المجال فما زال يتطلع للعمل بشهادته، لكنه يشعر بالفخر لتخطيه حاجز اللغة بهذه الطريقة التي عانته على العيش حياة كريمة وتعلم مهنة جميلة.