بيتر سيلارز وتكنولوجيا المسرح

المخرج الأميركي يعتبر أن صناعة المسرح هي صناعة مجتمع، ويقود العمل المسرحي دون انبهار بالزخرفيات المشهدية الرقمية.

"العمل المسرحي مثل الحكومة، هو نقاش حاد بين اطراف متساوية." هكذا يصرح المخرج الاميركي بيتر سيلارز، بعد انتاجه اكثر من مائة عمل مسرحي وتلفازي واوبرالي وسينمائي طيلة عمره الفني الذي استند على ايمانه ومبادئه التي تؤكد باننا "عندما نتحدث عن صناعة المسرح، فأننا في الحقيقة نتحدث عن صناعة مجتمع." وهو يركز ايضا على الدور الروحي في الحياة المعاصرة، وعلى ان الفن الافتراضي هو جسر بين ما هو بشري وما هو الهي.

ومع ظهور التقنيات التكنولوجية المسرحية وتحديدا التقنيات الرقمية منها، وكيفية استثمارها مسرحيا، راح سيلارز يحذر من هذه الاستثمارات التي تكون في الاغلب منها عشوائية وفائضة عن الحاجة. ويقول شوميت ميتر وماريا شيفتسوفا في كتابهما "أشهر خمسين مخرجا مسرحيا أساسيا" عن سيلارز: "وقد اجتمع النضج المبكر والحماس عندما عمل سيلارز (1958 - ) كمخرج فني لفرقة شكسبير ببوسطن للمدة من 1983-1984 والمسرح القومي الاميركي في مركز كنيدي بواشنطن 1984-1986 وقد هجر سيلارز هذا الاخير بعد ان قاده الى جدال يتعلق بالخلاعة المشهدية والتجديد المتوهج (تجارب تكنولوجية) استخدام الات مسرحية مرئية، حركات عالية، تهريج واعمال ناقدة بشكل عال تتعلق باميركا المعاصرة". من هنا جاء تحذيره في التعامل مع الرقميات الجديدة شريطة ان تكون في خدمة الفعل الدرامي والتحليق بفضاء الخشبة جماليا وفكريا، وليس البحث عن زخرفيات مشهدية تسيء للمسرح ولعوالمه الدرامية الاساسية.

لقد اهتم سيلارز كثيرا بالوسائط المتعددة من اجل المسرح "وتركيب شاشات التلفاز والكومبيوترات والصور، وكليبات الافلام والصوت المضخم والميكروفونات والمعدات الاخرى في اعمال سيلارز لكي تتضمن العالم الحديث العامل في داخلها، وهدفها ايضا ان تذكر الجماهير بالتأثير السلبي للميديا على حياتهم، وان تحثهم على البحث عن انظمة معلومات بديلة وموثوق بها اكثر مثل المسرح نفسه". وفقا لمثل هذه الطروحات نجد ان سيلارز مع وضد هذه التكنولوجيا الرقمية شريطة انتماؤها للفكر الفلسفي المراد التأكيد عليه في هذا العمل او ذاك.

يعد سيلارز من القلائل الذي يهتمون بالاحداث والوقائع الكبرى المعاصرة في اي مكان او زمان، فلهذا يلاحق هذه الاحداث ويسقطها اخراجيا على نصوص عالمية معروفة، فمثلا ما قام به في اخراجه لمسرحية "الفرس" 1993 مرة اخرى - وبحسب ميتر نفسه في كتابه اعلاه - فقد هاجم فيها دور اميركا في حرب الخليج، والحال نفسه في اخراجه لمسرحيات اخرى مسقطا فيها وقائع اخرى مثل اعماله: "اوبرات موزارت الثلاثة له بنسخ مشابهة متعددة.. واجاكس 1986 ولس برافانتس والشاشات 1998 واطفال هرقل 2002 وسرادق النباتات" وغيرها.