د.اسلام جعفر يرصد ويحلل متابعة الصحف العبرية لثورتي يناير ويونيو

'الصحافة في إسرائيل' يركز على أسباب تقود الاعلام الاسرائيلي للتأكيد على عناصر أو جوانب معينة في المعالجة مقابل إغفال جوانب أخرى وذلك مع تحديد طبيعة ومدى إسهام هذا البناء في تشويه صورة بعض الأطراف أو دعمها،وكذلك مدى طغيان البعد الدعائي على حساب البعد االموضوعي في معالجة الأحداث.

يقوم هذا الكتاب "الصحافة في إسرائيل بين ثورتي يناير ويونيو" للباحث د.اسلام علي جعفر برصد وتوصيف وتحليل ومقارنة أطر المعالجة الخبرية للصحافة الإسرائيلية لتلك الفترة الحرجة في تاريخ مصر وهما ثورتا يناير/كانون الثاني 2011 ويونيو/حزيران 2013 وذلك من خلال دراسة ثلاث صحف بثلاث لغات تخاطب ثلاثة انواع مختلفة من الجمهور (صحيفة يسرائيل هيوم العبرية وصحيفة هآرتس النسخة الإنجليزية وصحيفة القدس باللغة العربية) فتعرض الأحداث في سياقات مختلفة.

ويركز جعفر في كتابه الصادر عن دار العربي على الأسباب التي تقود للتأكيد على عناصر أو جوانب معينة في المعالجة مقابل إغفال جوانب أخرى؛ وذلك مع تحديد طبيعة ومدى إسهام هذا البناء في تشويه صورة بعض الأطراف أو دعمها، وكذلك مدى طغيان البعد الدعائي على حساب البعد الإعلامي الموضوعي في معالجة الأحداث، ومدى معالجة التغطية الإخبارية للأحداث وأسبابها العميقة، وكذلك مدى ارتباطها بالسياق الاجتماعي والسياسي والثقافي كذلك تحديد الأطر الثقافية للتغطية والقواعد المهنية الحاكمة لها وأثر اختلاف لغة الوسيلة ونمط الملكية وأيديولوجية الصحيفة على معدلات الاهتمام، ونوعية الأطر.

ويؤكد أن هناك ضرورة لدراسة الرأي العام الإسرائيلي من خلال دراسة صحفه للتعرف على اتجاهاته ومحدداته وضوابطه واستراتيجيته الإعلامية تجاه مصر نظرًا لتاريخ الصراع بين البلدين. وكذلك نجاح الإعلام الإسرائيلي في التأثير على الرأي العام العالمي ليتبنى مواقف إسرائيل في مختلف الأحداث خلال القرن الماضي مقابل ضعف الإعلام المصري والعربي في إحداث أي تأثير يذكر مما يوجه الدراسات الإعلامية لمزيد من البحث في الإعلام الإسرائيلي. كما إن الانقسامات العرقية والدينية والإثنية والثقافية التي تسود المجتمع الإسرائيلي تؤثر بشكل مباشر على الرأي العام، وبالتالي اهتمت الدراسة بمقارنة بين ثلاث صحف تمثل الرؤى المختلفة للربيع العربي من مرجعيات مختلفة على الرغم من أن اللغة والخطاب المهيمنان يحويان في طياتهما البنية الاجتماعية والسياسية التي تحددها الفئة المهيمنة على صناعتها.

اعتمد جعفر في تحليله للصحف على نظرية الأطر الخبرية، وقد توافقت النتائج مع فرضيات النظرية الرئيسية وأهمها الانتقائية في المعلومات، وإبراز بعض الجوانب وإخفاء الآخر وفق السياسة التحريرية للصحيفة وأيديولوجياتها. ويمكن الخروج بنتيجة رئيسية وهي: تباين الصحف في إسرائيل في أطر تناولها للثورتين المصريتين، ويتسق موقف كل صحيفة مع اتجاهها الفكري والأيديولوجي وانتمائها السياسي.

ويرى أن كل صحيفة من صحف العينة كانت تقع تحت ضغوط تجذبها في اتجاهين مختلفين في معالجتها للثورتين؛ فصحيفة هآرتس كانت لا تستطيع التملص من هويتها الإسرائيلية بحماية مصالح الدولة العبرية، وفي الوقت نفسه تحاول الالتزام بقيمها الليبرالية، والتي هي نفسها قيم مجتمع جمهورها الخارجي من حيث دعم فكرة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وصحيفة يسرائيل هيوم والتي تعبر عن الحكومة اليمينية الإسرائيلية وتوجهاتها، ولكنها لا تستطيع ان تتجاهل القيم والمعايير الصحفية حتى لا تفقد مصداقيتها، أما القدس فتقع في مفترق طرق؛ ففي ثورة يناير كان أمامها طريق دعم مطالب الثورة والتغيير وهو ما يثير الخوف من أن يصل هذا التغيير للحكومة الفلسطينية المحسوبة عليها، وأن تستولي حماس على السلطة كما استولى الإخوان على الحكم، والطريق الآخر عدم دعم الثورة فتخسر بذلك الرأي العام الفلسطيني في ظل شعارات الثوار بالحرب على إسرائيل، وستخسر أيضا جمهورها في غزة، والذي تسعى بكل الطرق لاستقطابه، وفي ثورة يونيو كان كلا الطريقين خطير فإن دعمت الثورة فسيتشابه موقفها مع موقف الحكومة الإسرائيلية، وإن لم تدعمها فسيتشابه موقفها مع حركة حماس.

ويشير جعفر إلى أن مستوى اهتمام الصحف جاء بالثورتين متباينا فاحتلت القدس المرتبة الأولى بفارق كبير في النسبة نتيجة صدورها اليومي في حين اختفاء يسرائيل هيوم وهآرتس أيام السبت وخلال الأعياد اليهودية، وأيضا لأن الانتماء العربي في وجدان الشعوب العربية يدفعها للاهتمام بكل ما يدور في البلاد العربية؛ ولذلك فردت القدس لأخبار الثورتين مساحات أكبر، بينما كان اهتمام يسرائيل هيوم منصبا على أهمية التغيير السياسي في أكبر بلد عربي على حدودها وما يتبعه من تغيرات تجاهها ناقلة وجهة النظر الحكومية، في حين كان اهتمام هآرتس بحدث سياسي له تأثيرات اقتصادية عميقة على المنطقة والعالم.

ويتابع أن سخونة الأحداث، وقوة الصراع في ثورة يونيو فرضت احتلال أخبار الثورة الصفحات الأولى بنسب أعلى من ثورة يناير، وخاصة في صحيفة هآرتس متأثرة بالقيم الصحفية، ويأتي ذلك مخالفا لظروف كل ثورة؛ فعند قيام ثورة يناير لم تكن هناك أحداث مشتعلة في المنطقة، ولكن عند قيام ثورة يونيو كان الصراع في سوريا واليمن على أشده، واشتركت الصحف في كلتا الثورتين في احتلال الصفحات الداخلية للمواد الخبرية للثورتين، وبرزت الصفحة الاقتصادية في هآرتس كصفحة أخيرة في تغطية أخبار ثورة يناير بصورة متخصصة ولكنها مرتبطة بتأثيراتها على الاقتصاد الإسرائيلي.

ويضيف جعفر "عادة في الثورات يكون المواطن البسيط هو البطل الذي يحتل صدارة المشهد، ويسرق الأضواء من السياسيين، وقد تأكد هذا بحصول الصور الموضوعية على أعلى نسب في كلتا الثورتين مع تباين في الصحف، فصحيفتا هآرتس والقدس دعمتا موضوعاتهما خاصة في الصفحات الداخلية بالصور الموضوعية كوسيلة إبراز، ولكن صحيفة القدس اختلفت في ذلك في استخدامها كوسيلة خبرية بفرد صفحة كاملة لعرض أحداث الثورة في الشارع دون تعليق، وكان لتوجه يسرائيل هيوم الرسمي دوره في تميزها في عرض الصور الشخصية لسياسيين وعسكريين وخبراء، كما كانت لها المرتبة الأولى في نسبة عرض الصور على صفحتها الأولى واستخدامها للصور بصورة مكثفة خلال الثورتين.

ويرى جعفر أنه رغم تشابه الصحف في احتلال المضمون السياسي الأهمية بين أنواع المضامين المقدمة في كلتا الثورتين إلا أن القضايا داخل كل مضمون اختلفت من صحيفة لأخرى ومن ثورة لأخرى، فالمضمون السياسي وبعيدا عن قضية الاعتصامات والاحتجاجات التي فرضتها القيم الصحفية على صحف العينة كقضية أولى نجد في يسرائيل هيوم في ثورة يناير كانت الغلبة لقضيتي الأمن القومي الإسرائيلي والعلاقات المصرية الإسرائيلية اللتين أصبحتا مهددتين، بينما في ثورة يونيو كان لقضية الموقف في سيناء النسبة الأكبر حيث مثلت الهاجس الأكبر للحكومة الإسرائيلية في تلك الثورة، وتلتها العلاقات المصرية الإسرائيلية، ولكن تقديم تلك العلاقات أختلف في ثورة يونيو عن ثورة يناير؛ ففي ثورة يناير كان الخوف من تأثر تلك العلاقات بالثورة والإخلال بمعاهدة السلام، بينما في ثورة يونيو كان الحديث عن التعاون ضد الإرهاب في سيناء، واختلف هذا عن هآرتس حيث كان أهم قضايا ضمن مضمونها السياسي في ثورة يناير هي العلاقات المصرية الإسرائيلية والديمقراطية التي تسعى الثورة لتحقيقها وتأثيرها على تلك العلاقات، وفي ثورة يونيو قفز الموقف في سيناء للصدارة كتهديد أمني، ولكنه ناتج سياسي وليس ببعيد عنه القضيتان أنفسهما الديمقراطية وتأثيرها على العلاقات المصرية الإسرائيلية، والتساؤل عن أي وضع سياسي كان أفضل لإسرائيل حكم الإسلاميين أم حكم العسكريين، وفي صحيفة القدس في ثورة يناير كانت قضية الديمقراطية في المرتبة الأولى يليها الموقف الأمريكي في ترتيب يعبر عن سياسة الصحيفة في ربطها بين السماح بالديمقراطية من خلال الموقف الأمريكي من الثورة، وفي ثورة يونيو ظلت قضية الديمقراطية ولكن قفزت للواجهة قضية الموقف في سيناء لتكون القضية المشتركة بين صحف العينة في ثورة يونيو.

ويلفت إلى أن سيطرة الأطر المرجعية السياسية على الصحف في كلتا الثورتين أمر طبيعي"لأن أي ثورة تهدف لتغيير سياسي واقتصادي ولكن الملاحظ ظهور ذلك في صحيفة يسرائيل هيوم بنسب تكاد تكون أضعاف نسب باقي الصحف، وهو ما يعبر عن الصحيفة في حقيقتها كتابعة تماما للحكومة الإسرائيلية ولسان حالها فهي أشبه بصحيفة رسمية تكون فيها الأطر المرجعية السياسية الأطر المرجعية الرئيسية لها، ولأن الثورات عادة ما تشوبها أحداث عنف، وأحيانا صدامات مسلحة؛ فقد كانت الأطر المرجعية العسكرية والأمنية في المرتبة الثانية في جميع الصحف ولكن نسبها في ثورة يونيو أكبر بكثير من نسبها في ثورة يناير، وذلك لما رافق ثورة يونيو من أحداث عنف وصدامات مسلحة في سيناء، وهنا نلاحظ تراجع صحيفة القدس في نسب تلك الأطر المرجعية؛ وذلك يرجع لقلة المصادر العسكرية الفلسطينية، ولحساسية الموقف في غزة، ولحرص السلطة الفلسطينية على العلاقات مع الحكومة المصرية الجديدة في ثورة يونيو. وتفردت صحيفة هآرتس بأعلى نسبة للأطر المرجعية الاقتصادية في ثورة يناير، وتلاشت تلك الأطر في الصحيفة في ثورة يونيو وتفردت بها يسرائيل هيوم التي جاءت معظم تلك الأطر بصورة ايجابية للاقتصاد المصري بعد ثورة يونيو. ومن الملاحظ أنه رغم تضاعف سوء الحالة الأمنية في سيناء في ثورة يونيو بالمقارنة بثورة يناير إلا أن الأطر المرجعية الخاصة بالغاز المصدر من مصر لإسرائيل لم تظهر في الصحف، وجاءت الأطر المرجعية الإنسانية في صحيفتي القدس وهآرتس في مراكز متقدمة في ثورة يناير مرتكزة على الثوار بينما تحولت في ثورة يونيو للمصابين والقتلى من جراء الصدامات، وندرة تلك الأطر في صحيفة يسرائيل هيوم، وتفردت القدس وهآرتس أيضا بالأطر المرجعية الدينية والتي اختفت من يسرائيل هيوم في كلتا الثورتين، وكانت معظم تلك الأطر داعمة للثورة في يناير ولكنها جاءت متضاربة في ثورة يونيو، وظهر هذا بصورة واضحة في صحيفة القدس، وجاءت الأطر المرجعية التاريخية بصورة أكبر في ثورة يناير، وتصدرت يسرائيل هيوم الصحف في استخدامها في إجراء المقارنات بين الثورة، وثورات المنطقة والثورات المصرية السابقة معتمدة على وجهة النظر الإسرائيلية في سرد الأحداث ولكن اختفت تلك الأطر في ثورة يونيو، ولم تظهر إلا بصورة بسيطة في القدس".

ويخلص جعفر إلى أن السياسة التحريرية للصحف وجهتها نحو تأطير المواد الخبرية في اتجاهات محددة، مع الأخذ في الاعتبار حساسية ما ينقل عن هذه الصحف بوصفها صحفا إسرائيلية، فعلى سبيل المثال نجد أن هآرتس تبنت الاتجاه الإيجابي في ثورة يناير نحو عدد من الأطر الفرعية وتغير هذا الاتجاه نحو المتوازن أو السلبي في ثورة يونيو، ومن هذه الأطر: الاحتجاجية والفاعليات الثورية - مسؤولية الرئيس- مسؤولية القوات ألمسلحة - توفير حياة كريمة للمواطن - نهضة مصر اقتصاديا - احترام حقوق الإنسان - حرية وكرامة وعدالة اجتماعية - القيم الليبرالية - الإخلال بقواعد الديمقراطية - فساد مؤسسات الدولة - المشاركة السياسية الحقيقية - رحيل الرئيس - إجراء انتخابات- تلبية المطالب الشعبية - توفير فرص عمل - إصلاح المؤسسات - نجاح الثورة - استكمال الثورة. وتلك النتائج توضح اتجاه هآرتس نحو دعم ثورة يناير متأثرة بتوجهاتها الليبرالية وتوجهات جمهورها الخارجي وفي الوقت نفسه يعكس توجه هآرتس غير المتحمس لثورة يونيو.

وجاءت يسرائيل هيوم باتجاهات أطر مختلفة تكاد تكون عكسية لهآرتس فقد تبنت الاتجاه السلبي أوالمتوازن في ثورة يناير نحو عدد من الأطر وتغير لإيجابي في ثورة يونيو، ومن هذه الأطر: شرعية الحكم للثورة - استخدام القوة ضد المتظاهرين- الفوضى وفقدان الأمن- إطار القتلى والمصابين- تلبية المطالب الشعبية - فشل الثورة. كما تبنت الاتجاه الإيجابي في ثورة يونيو نحو عدد من الأطر الفرعية والتي كانت ذات اتجاه متوازن أو سلبي في ثورة يناير ومن هذه الأطر: التحركات الاحتجاجية والفعاليات الثورية - مسؤولية الإخوان تلبية المطالب الشعبية. وتلك النتائج توضح اتجاه يسرائيل هيوم نحو عدم تأييدها المطلق لثورة يناير وفي الوقت نفسه دعمها لثورة يونيو.

ونجد أن صحيفة القدس قد تبنت الاتجاه الإيجابي في ثورة يناير نحو عدد من الأطر الفرعية وتغير هذا الاتجاه نحو المتوازن أو السلبي في ثورة يونيو، ومن هذه الأطر: التحركات الاحتجاجية والفاعليات الثورية - استخدام القوة ضد المتظاهرين- مسؤولية القوات المسلحة - مسؤولية الإخوان - القتلى والمصابين - احترام حقوق الإنسان – الدين - القيم الليبرالية - قانون الطوارئ- الإخلال بقواعد الديمقراطية - المشاركة السياسية الحقيقية. وهو ما يعكس أيضا موقف الصحيفة المؤيد لثورة يناير وغير الداعم لثورة يونيو بصورة كاملة.