رهان مغربي على الانخراط في التكتلات الاقتصادية الإقليمية

المغرب يتقدم بخطوات ثابتة نحو توسيع شراكاته الاقتصادية الخارجية من خلال الانضمام لتحالفات وازنة بينها التحالف الصناعي التكاملي لتنمية اقتصادية مستدامة.

الرباط - يراهن المغرب على توسيع شراكاته مع الفاعلين الدوليين عبر الانخراط في تكتلات اقتصادية إقليمية ودولية وازنة تتيح له تخطي تداعيات التقلبات الصعبة الناجمة عن الاضطرابات الجيوسياسية أو تلك الناجمة عن أزمات طارئة طبيعية أو صحية مثل زلزال الحوز وأزمة كوفيد 19 التي أرخت بظلال ثقيلة على الاقتصاد العالمي عموما.

وبدأ المغرب في التعافي من تداعيات أزمة كوفيد ونجح في التعامل مع تداعيات زلزال الحوز وأظهر الاقتصاد قدرة على التأقلم مع الأزمات والصمود بأقل الأضرار الممكنة في مواجهة الصدمات الاقتصادية.

وحصلت المملكة المغربية في سبتمبر/أيلول 2023، على وضع 'شريك الحوار القطاعي' لدى رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، لتصبح سابع دولة تحظى بهذا الوضع.

وعادة ما يسبق وضع "شريك الحوار القطاعي" الحصول على العضوية الكاملة في "آسيان" التي تأسست عام 1967، ويضم 10 دول هي: إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند وبروناي وفيتنام ولاوس وميانمار وكمبوديا.

وفي 12 يناير/كانون الثاني 2024، أعلن المغرب انضمامه إلى "التحالف الصناعي التكاملي لتنمية اقتصادية مستدامة"، الذي يضم الإمارات ومصر والأردن والبحرين ويهدف إلى دعم وتقوية التنمية الاقتصادية والاستثمار والصناعة.

وهذا التحالف الصناعي انطلق من أبوظبي في مايو/أيار 2022، بمشاركة الإمارات ومصر والأردن، ثم انضمت إليه البحرين بعد شهر خلال اجتماعات في القاهرة.

وقال خبراء اقتصاديون، إن المغرب يسعى عبر التحالف الصناعي العربي إلى تحقيق خمسة أهداف هي: الولوج إلى أسواق جديدة لتصدير منتجاته وزيادة التبادلات التجارية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية وترسيخ التوجه نحو التصنيع وتوفير فرص عمل.

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة محمد الخامس بالرباط (حكومية) محمد ياوحي لوكالة الأناضول للأنباء إن "اقتصادات دول هذا التحالف متكاملة في قطاعات ومتنافسة في أخرى".

واعتبر أن هذا الوضع "سيدفع الجميع إلى تحسين شروط استقبال المشاريع (استثمارات) وإعداد مناخ أعمال ملائم لتطويرها ودعمها والحفاظ على تنافسية الشركات"، موضحا أن "بعض دول التحالف لديها تجربة في التصنيع، خصوصا الصناعة التحويلية وأخرى لديها تجربة في الصناعات الثقيلة كالصناعات النفطية وتكرير الفوسفات والتعدين والصلب، بالإضافة إلى تواجد سوق مهمة لتصدير المنتوجات سواء في دول الخليج أو إفريقيا أو اختراق سوق آسيا، خاصة دول جنوب شرق القارة".

وقال ياوحي  "سيوفر التحالف لدوله مصادر مهمة للتمويل والانخراط في مشاريع البنية التحتية المكلفة وضعيفة المردودية على المستوى القصير"، مرجحا أن "هذه الخطوة ستشكل فرصة للمغرب كدولة صناعية ناشئة لترسيخ توجهها نحو التصنيع ودعم مشاريع كبرى تعدينية وطنية وأخرى تتعلق بتكرير وتحويل الفوسفات وتطوير الصناعات الغذائية، ما سيعطي قيمة مضافة كبيرة جدا مقارنة بتصدير المواد الخام".

وبحسب ياوحي، فإن لهذا التحالف فوائد أخرى إذ "سيساهم في توفير فرص عمل مهمة للشباب في المملكة وفي عملية التسريع الصناعي والانخراط في الاستثمارات"، مضيفا "ستنمي الاتفاقيات (بين دول التحالف) المبادلات التجارية وتدفق رؤوس الأموال والأشخاص والتكنولوجيا وتساهم في نهضة صناعية اقتصادية تجارية وحتى ثقافية في هذه البلدان".

وبشأن الأولوية في التعاون، رأى ياوحي أنه "من المهم التركيز على التعاون في القطاع الصناعي، فهو الأكثر أهمية لكل اقتصاد عكس الفلاحة (الزراعة) والخدمات كالسياحة والنقل والتأمينات والخدمات البنكية التي تتأثر بعوامل داخلية أو خارجية أو مناخية".

وبحسب أستاذ الاقتصاد في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء (حكومية) زهير الخيار، فإن "انضمام المغرب إلى التحالف العربي خطوة مهمة للوصول إلى اقتصاد قوي وجلب الاستثمارات والرفع من وتيرة التجارة بالمنطقة".

ورجح الخيار أن "انضمام المغرب إلى التحالف، إن تم تفعيله جيدا، سيمكّن المملكة من مداخيل اقتصادية هامة ستساهم في دعم النمو"، معتبرا أن "هذا التحالف تفرضه الظرفية الاقتصادية الصعبة التي يجتازها العالم، ما دفع المغرب إلى التفكير في منهجية جديدة للتعاطي مع الوضع عبر الانخراط في تكتلات".

وتابع أن "ما يميز التحالف أنه يركز على أمرين أساسيين هما: الطاقة المتجددة والصناعة عموما، خاصة أن الأخيرة هي التي تفرز القيمة المضافة في الاقتصاد".

وقال إنه "سيسمح للمغرب بالولوج إلى أسواق جديدة لتصدير منتجاته وسيلزمه برفع وتيرة الاستثمار والتجارة بفضل الاتفاقيات مع هذه الدول"، مشددا على أن "ارتفاع الاستثمار يعني المزيد من فرص العمل، ما سيؤدي إلى تقوية النمو الناتج عن ازدياد الطلب وبالتالي تعافي الاقتصاد من بعض التحديات التي تواجهه".

وقال الخبير الاقتصادي المهدي فقير إن "المملكة انخرطت في شراكات على الصعيد القاري منذ مدة"، واصفا شراكات بلاده بأنها "خيار استراتيجي"، معتبرا أن "العودة إلى المنطقة العربية يفرضها منطق التاريخ والجغرافيا والمنطق الموضوعي والعقلاني".

وأوضح أن "جميع الدول العربية تبحث عن ذاتها الاقتصادية وتوجد قوى عربية صاعدة ولديها الإمكانات لتحقق لها التكامل إذا انخرطت في تحالفات"، مشددا على أن "تقلبات المنطقة تستدعي البحث عن شراكات بمنطق استراتيجي وجيوسياسي وبالتالي فالانضمام إلى التحالف العربي يدخل في إطار البحث عن شراكات جديدة".

ورأى أن "التحالفات الإستراتيجية التي تحقق الأهداف هي العابرة للقارات وهو ما يمكن أن ينجح أكثر إذا استندنا إلى منطق التاريخ والجغرافيا"، مضيفا "بمعنى أن الشراكات العربية لها طابع مميز، فهي أكثر من الاقتصاد، حيث تتسم بالتقارب الثقافي والسياسي، فضلا عن المصالح العليا المشتركة".