مشروع قانون التجنيس يثير مخاوف العراقيين

الحكومة والبرلمان والرئاسة، يلتزمون الصمت إزاء وجود تحركات لتمرير التعديلات المقترحة، والتي لم يتمكن البرلمان من تمريرها في 2019 جراء خلافات.

بغداد -  أثار تجدد الحديث عن احتمال تعديل القانون الخاص بمنح الجنسية في العراق ردود أفعال واسعة، لما اعتبره البعض “تهديدا لتركيبة البلاد الديمغرافية” ومحاولةً لـ”طمس هويتها العربية”.

ومن أبرز ما يتم تداوله من مخاوف هو أن القانون سيعطي المقيم لمدة عام واحد إمكانية الحصول على الجنسية، مما يعني تساهلا في منحها، مقارنة بقانون رقم 26 لسنة 2006.

وينص قانون 2006 في الفقرة الأولى ج من المادة 6 على أن لوزير الداخلية أن يقبل تجنيس غير العراقي الذي “أقام في العراق بصورة مشروعة مدة لا تقل عن عشر سنوات متتالية سابقة على تقديم الطلب”.

القوانين العراقية تبقى مثار جدل وشكوك ومخاوف ما دام الغموض يلفها وما دامت الفجوة على أقصى اتساع بين المواطن والنظام.

ويخشى عراقيون أن تؤثر تعديلات القانون المرتقبة سلبا على تركيبة بلادهم الديمغرافية، ويطمس هويتها العربية وخاصة في العاصمة بغداد؛ حيث يوجد مقيمون من جنسيات عديدة مهيئة لنيل الجنسية، بينهم أفغان وباكستانيون وإيرانيون.

وتنص الفقرة الثالثة من المادة 6 في القانون الحالي على أنه “لا تُمنح الجنسية العراقية لأغراض سياسة التوطين السكاني المخل بالتركيبة السكانية في العراق”.

وفي مقابلة متلفزة مطلع مارس/ آذار الجاري زادت مخاوف عراقيين، وقال خضير المرشدي عضو حزب البعث المنحل (الحاكم في عهد الرئيس الراحل صدام حسين) “الآن يناقشون قانون الجنسية (لم يوضح الجهة التي يقصدها)، وهو جريمة كبيرة بحق العراق”.

وحذر المرشدي من تداعيات تطبيق التعديلات المرتقبة للقانون على “ملايين المقيمين في بلاده من الإيرانيين والأفغان والباكستانيين وجنسيات أخرى”، قائلا إنه “إذا لم ينتبه العرب فسيضيع العراق، لن يعد عربيا. وبعد 5 أو 10 سنوات قد تتحول بغداد إلى مدينة غير عربية”.

ومقابل تحذير المرشدي ومخاوف متصاعدة بين العراقيين، تلتزم الرئاسات الثلاث في العراق، الحكومة والبرلمان والجمهورية، الصمت إزاء احتمال وجود تحركات في الوقت الراهن لتمرير التعديلات المقترحة، والتي لم يتمكن البرلمان من تمريرها في 2019 جراء خلافات، وقد أثار المقترح وقتها رفضا واسعا من قبل العراقيين على مواقع التواصل:

وشارك الكثير من العراقيين مخاوفهم:

وبينما يقول مؤيدو تعديل القانون إنه سيساعد الذين عانوا من التهجير القسري في عهد نظام صدام (1979-2003)، حذر سياسيان، من أنه يستهدف تغيير تركيبة العراق الديمغرافية ويهدد عروبته، ويخدم مصالح كل من إيران والولايات المتحدة.

وقال الكاتب والسياسي العراقي شاكر كتاب في تصريح لوكالة الأناضول إنه “بالنسبة للمنظومة الحاكمة، لا أعتقد أن هناك صعوبات أمام تعديل قانون منح الجنسية”.

واعتبر أن المنظومة الحاكمة “لم تعر القضية الوطنية وسلامة سيادة البلاد واستقلالها أي قدر من الاهتمام، وأهملت كثيرا من جوانب أساسية ومصيرية، واعتمدت مبدأ المحاصصة والسلاح وإفراغ العراق من أغلب القيم الجوهرية والمتعلقة بمفهوم الوطنية”.

واستدرك “لكنني أضع بعضا من الأمل في موقف النواب المستقلين والكتل الأخرى، التي أتمنى أن يدفعها التزامها الوطني إلى رفض أي شطط في تعديل القانون”. مضيفا “ولا ننسى أن جماهير شعبنا المتضررة جدا من سياسات المنظومة الحاكمة لن تقف متفرجة على التفريط بحقوق الوطن وسيادته”.

وتابع “نتابع عملية استجلاب بشر من بلدان عديدة وتسكينهم في محافظات الفرات الأوسط (النجف وكربلاء والديوانية وبابل، والمثنى)، وربما من هناك إلى محافظات أخرى، بعد منحهم الجنسية العراقية”. وأضاف “لا أظن أن هدفا يختبئ وراء ذلك كله إلا التغيير الديمغرافي لسكان العراق ولأغراض خاصة ذات بعد استراتيجي” دون تفصيل.

و"يكتنف الغموض مسار إصدار بعض القوانين السيادية والمؤثرة جدا في أساسيات الوضع العراقي”، وفق مكي النزال عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني العراقي، التي أُسست في 2019 وتضم جهات سياسية وحزبية.

وأضاف النزال أن “من تلك القوانين قانون التجنيس، الذي عملت سلطات الاحتلال الأميركي (2003-2011) على إصداره وتحويره تدريجيا ومعها الحكومات التابعة لها والخاضعة لتعليمات إيران في ذات الوقت”.

ورأى أنه “كلما صدرت نسخة جديدة من القانون بدأت حملات إعلامية ظاهرها مناقشة القانون وباطنها التمويه على بعض فقراته لغرض تمريره، بما يخدم مشاريع الدولتين المؤثرتين في العراق، وهما الولايات المتحدة وإيران”.

وتابع “لم يكن العراق يوما دولة تجنيس، بل يتعب المواطن العراقي الأصيل وهو يحاول استصدار وثيقة تخص جنسيته مع أن كل وثائقه ووثائق أبيه وجده واضحة وموجودة في دوائر الأحوال المدنية والجنسية”، كما زاد النزال.

وبيَّن أنه “منذ 2003، بدأ حراك قانون الجنسية الذي يشكل مصدر رعب للعراقيين الخائفين من جلب مجموعات كبيرة من دول مثل إيران وأفغانستان لإحداث تغيير ديمغرافي تدريجي وقلب الموازين في بلد طالما حرص على نقاء أصول مواطنيه”.

ولفت إلى أن “أول تجنيس حصل في العراق كان عام 1924، وكان تثبيت جنسية وليس تجنيسا بالمعنى الدارج اليوم، فتم تسجيل كل مَن يسكن الرقعة الجغرافية التي حددها اتفاق سايكس بيكو (1916) مع مراعاة أصله العراقي”.

واستطرد “ومَن كان من أصول أعجمية، تمت الإشارة له على أنه متجنس من الدرجة الثانية، وبقي هذا التصنيف سائدا لقرابة ثمانين عاما”. مستدركا “لكن حين وقع احتلال أميركا للعراق، صار التابعون لإيران هم المفضلين في قيادة البلد والذين يشرعون القوانين التي تخدم توجهاتهم الاستيطانية”.

وفي عام 1963 كان هناك تطويرا جزئيا في قانون التجنيس يخدم التوجه القومي للعراق، إلا أن التشدد في منح الجنسية بقي سائدا، ولم تُمنح الجنسية إلا لعدد قليل، وكذلك في القوانين اللاحقة في عامي 1975 و1980.

ثم أُلغيت كل تلك القوانين وأُحل محلها قانون 2006 الذي يمكن تفسيره حسب مصلحة المشروع الاستيطاني وتغييراته الديمغرافية الخطيرة على اللحمة العراقية التي استمرت آلاف السنين، والتي يراها المختصون مهددة بالتهتك بسبب هذه التغييرات الكبيرة المفتعلة في التركيبة السكانية، بحسب النزال.

وزاد بأن “التجنيس الطائفي الحاصل يقابله مشروع هجرة ونزوح قسري لقرابة ثلث الشعب العراقي، وهناك آلاف العراقيين يسكنون الخيام؛ لأن السلطات تمنعهم من العودة لمدنهم”.

وتبقى القوانين العراقية مثار جدل وشكوك ومخاوف ما دام الغموض يلفها وما دامت الفجوة على أقصى اتساع بين المواطن والنظام.

ورأى نزال أن “هذا القانون خطير جدا لأن المسألة ليست في شخص جاء للتجنيس، وإنما كتل بشرية ستؤثر على عروبة بغداد بالتحديد”.

وبسؤاله عن إمكانية تمرير البرلمان لتعديلات القانون، أجاب “البرلمان كما نعرفه سيمرر ما يُمرر إليه، فهو ليس حرا ليتخذ قرارات حرة، وستجد كثيرا من الفوضى والصراخ، ولكن بالنهاية سيمر ما تريده الولايات المتحدة وإيران”.

وبشأن توقيت إعادة فتح ملف مشروع القانون، قال إن “هناك قوانين أخرى موازية لهذه المشاريع الخطيرة، فمن المهم معرفة أن هناك مشروع للتضييق على حرية التعبير، مما يجعلنا نصمت خائفين من القانون، لذا فسيمر دون تعسف”.

أما بخصوص الفترة التي سيحتاجها لتمرير تعديلات القانون، رجح أنه “سيُمرر مع بعض التعديلات البسيطة (..) لا يمكن أن نعطي سقفا زمنيا؛ لأنه فوضوي مفتعل”.