منة الله حمودة فنانة غزاوية تصرخ في وجه عالم أصم

التشكيلية الغزاوية ترسم جداريات على جدران البيوت والمدارس ومراكز الإيواء معبرة عن رؤية فلسفية وجمالية تجاه الأشياء ودواخل الإنسان من حب وفرح وألم.

الفنانة الغزاوية منة الله حمودة ابنة الـ21 عاما من شمال غزة نزحت إلى جنوب غزة، وذلك بفعل القتل المبرمج من آلة العدو الصهيوني الذي تفنن بقتل الأطفال والشيوخ والنساء ومارس عنصرية بغضاء في التدمير والتجريف وحرب التجويع بحق الإنسانية في "غزة هاشم" وحرم الأهل في القطاع من معنى الحياة وسبل العيش، فأغلقت كل المعابر في وجه المساعدات الإنسانية والإغاثة من معونات طبيبة وعلاجية وطعام وشراب في ظل صمت دولي مقيت ومخز، ذهب جرّاء ذلك  أكثر من ثلاثين ألف 30 من الشهداء من مختلف الأجيال إلى جانب الجرحى والنازحين.

منة الله حمودة هذه الفنانة التي لا تمتلك غير موهبتها في الرسم نزحت مع أهلها من شمال غزة إلى جنوبها بحثا عن الأمان الذي ترجوه بدون جدوى.. منة الله منذ طفولتها تتمتع بحسّ فنيّ عال في الرسم وجمالياته التي تعبر عن رؤية فلسفية وجمالية تجاه الأشياء ودواخل الإنسان من حب وفرح وألم.

الفنانة منة الله قبل الحرب المجنونة كان لديها مركز لتدريب الفن، كان حلمها أن تواصل تعليمها لتشق طريقها نحو الحياة والأمل الذي تريد، وبسبب ضنك الحياة وقلة الحيلة لم يكن ذلك متاحا لها.. جاءت الحرب البشعة لتقتل كل ما هو جميل في نفوس الكثيرين من شباب وفتيات وأطفال غزة وفلسطين، ورغم ذلك لم يتركوا أرضهم وحافظوا على هويتهم وترابهم.. وحافظوا على مواهبهم ورؤاهم وثقافتهم التي هي مقاومة ونضال ضد الغطرسة الصهيونية.

منة الله حمودة مثال الفنانة التي استطاعت أن تنهض من ركام المأساة وتراب البيوت والشوارع الموحلة لتقول وتصرخ في وجه العالم المريض... تقول نحن هنا.. مهما عميت القلوب عنّا.. ننشد للحياة والأمل.. منة الله التي فقدت أقلامها وأدوات ألوانها ودفاترها وأوراقا ولوحات لها، لم تركن لليأس.. كان سبيلها إلى ذلك بأن اهتدت إلى الحطب المتفحم المستخدم لطهي الطعام في خيام اللجوء ومن سياقان الأشجار المحترقة بفعل القصف الهمجي من النازيين الجدد الصهاينة، فرسمت الوجوه بفحم الأشجار المحترقة وحطب الطهي.. رسمت وجوه الأطفال والنساء والشيوخ.. وجوه تصرخ من هول القتل والدمار وحالة الفقد.. ترسم العيون التي تقدح شررا في وجه طغاة العصر لتؤرخ للحياة ومعناها وللضمير العالمي الميت.. رسمت مأساة شعبها لتكون وثيقة للتاريخ.

منة الله رسمت بالفحم لعالم أكثر سوادا، كي يرى عظم المأساة والدم الذي بات وحيدا واللون الأكثر مشاهدة في مساحة غزة، ترسم لتقاوم بالرسم والجمال قبح العالم المصاب بالكساح.. ترسم بأصابع لا ترتجف أمام جنازير الدبابات وهدير الطائرات والمدافع.

فنانة ترى الحرب والأشياء على حقيقتها وتمعن كثيرا بمخيلتها المكتنزة بمحيطها الدامي من نزوح وشتات وعراء ومعنى للفقد اليومي.. ترسم بشفافية روحها وأرواح أناس بلا مأوى.. ترسم على جدران مراكز الإيواء والمدارس التي فقدت المقاعد والمدرسين والطلبة.. ترسم على جدران بيوت بلا سقوف.. بيوت آلية للسقوط.

منة الله حمودة فنانة أخذتنا بوعيها الفني ورؤيتها إلى معنى الصمود والتصدي من خلال جداريات لها.. حلقت بنا إلى حالات الفقد اليومي وحالة الإنسان الذي يتشبث بطوق النجاة بمقاومته وحقه المشروع... منة الله صرخة فنانة في عالم أصم وقبيح.