نادية هناوي تقتحم مجاهيل 'السرد غير الطبيعي'

ميزة أول كتاب عربيا في دراسة علم السرد ما بعد الكلاسيكي ليست فقط في اطروحته الجديدة وهو يتناول علما ما زال موضع دراسة في حاضنته الغربية بل ايضا في مراجعه واغلبها منشورة باللغة الانكليزية وقد عززت بها الكاتبة اطروحتها من جهة وعرّفت القارئ العربي بها من جهة اخرى.

يعد هذا الكتاب "علم السرد ما بعد الكلاسيكي: السرد غير الطبيعي" للناقدة العراقية د.نادية هناوي هو الأول عربيا في دراسة علم السرد ما بعد الكلاسيكي والسرد غير الطبيعي والتعريف بأعلامهما مثل ديفيد هيرمان وجان البر وبراين ريتشاردسون. وقد أشارت المؤلفة في المقدمة إلى أن ما يجعل من علم السرد ما بعد الكلاسيكي باباً واسعاً تمر من خلاله مختلف المفاهيم والمصطلحات الجديدة هو احياؤه المؤلف أولا واعطاؤه القارئ أهمية مركزية ثانيا مع جعل النص محورا في العملية النقدية ثالثا.

وعن أسباب دراسة هذا العلم تقول د.هناوي في كتابها الصادر جزءه الأول عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر "إذا كان علم السرد البنيوي أو علم السرد الكلاسيكي، قد قال ما هو مهم وأفاض في سمات وموجبات ومسائل تصب في باب فنية السرد وموضوعيته، فإن علم السرد ما بعد الكلاسيكي يحاول أن يبتدع الجديد والمبتكر وكأن ما اجترحه علم السرد الكلاسيكي وسنَّه ووضعه من فروض ومفاهيم ومنظورات كان قد استقر وصار لزاماً تغييره والتجديد فيه بمعنى أن علم السرد ما بعد الكلاسيكي لا يريد مضاهاة علم السرد البنيوي، بل هو يسعى الى التميز عليه في الكشف عن مزيد من مستغلقات الخطاب السردي، وذلك لأمرين: الأول كي يصح وصف نفسه بأنه ما بعد كلاسيكي والآخر أن تكون له مشاريعه ومدارسه أسوة بما لسابقه من مشاريع ومدارس".

وتقوم أطروحة الكتاب وفقا لـهناوي على دعامتين اثنتين: الاولى التنظير لعلم السرد ما بعد الكلاسيكي وبيان ما له من سعة نقدية تجعله أوسع من تحديده اصطلاحاً من اصطلاحات السرد، وأعمق من مجرد النظر إليه تصوراً جديداً ما بعدياً يتضاد مع علم آخر هو علمالسرد الكلاسيكي، والدعامة الثانية هي دراسة السرد غير الطبيعي بوصفه علما من علوم السرد ما بعد الكلاسيكي ويُعنى بالسرديات المضادة للتقليد في فهم العالم وتصويره والتي تضع القارئ أمام استراتيجيات سردية مستحيلة narrativeimpossibleفي رؤية العالم الفعلي.

وتضيف "إذا كان السرد الطبيعي يقوم على فرضية مطابقة ما هو حقيقي ضمن سياق اتصالي يماثل أوضاع الواقع الحياتية، فإن فرضية السرد غير الطبيعي تقوم على أساس عدم استنساخ العالم بشكله المباشر، وإنما التعبير عنه على نحو وهمي تحكمه مبادئ لا علاقة لها بالعالم الحقيقي من حولنا لكن بالفهم الإدراكي الذي يعزز الصلة التوليفية بين السرد والعقل، فيكون في إعادة بناء الفهم العقلي شكل من أشكال التواصل مع هذا السرد. وهو ما يجعل السرد غير الطبيعي أكثر تحدياً في التحبيك، لأن التواصل السردي مع الأمور غير القابلة للتصديق في العالم الحقيقي يظل مرتهناً بالفهم الإدراكي لما هو غير معقول".

ومن منظري السرد غير الطبيعي الذين تناولتهم د.هناويبالدراسة والتعريف هنريك نيلسون وجان البر وبيو شانغ وستيفان امبرسون. وأهمهم هو الناقد براين ريتشاردسون صاحب مفهوم السرد المضاد (antimimetic narrative ) الذي به حاول مناقضة الفرضية الأرسطية حول المحاكاة، وانه ما عاد مهما القول إن الأدب مرآة للطبيعة؛ بل الأهم هو عدم اهمال الأعمال الأدبية المضادة للطبيعة وغير المعقولة.

وتؤكد د. هناوي في دراستها لنقاد السرد غير الطبيعي أن ما يطرحونه من رؤى وتصورات وفرضيات لم يختمر بعد، وما زالوا يواصلون الكتابة فيه، لكنه يظل علما يفتح الباب نحو إعادة النظر لشريحة واسعة من تاريخ الأدب وفئات من النماذج الادبية المغمورة والمطمورة وغير المهمة؛ بل أيضا في ما تتيحه السرديات غير الطبيعية من مصادر إلهام للكتّاب فيها يجدون وسائل جديدة في التفنن بالابهار والإيهام.

اشتمل الكتاب على أربعة فصول مع تقديم وخاتمة، جاء الفصل الاول بعنوان "المدرسة الأنجلوامريكية في موازاة المدرسة الفرنسية"، وفيه استقراء لمفاهيم علم السرد ما بعد الكلاسيكيPostclassical Narratologyولاسيما تلك التي حقق فيها المنظرون بعض الكشوفات التي تصب في باب تجاوز الشائع السردي مع وقفات خاصة عند مفاهيم علم السرد غير الطبيعي Un-natural Narratology، وتفصيل لأهم تطبيقاته المنتشرة في كثير من سرديات العصور الوسطى وعصر النهضة، مما يترتب على ذلك من تجديد في دراسة العلاقات والفاعليات التي لها صلة بالانتاج السردي ووظائفية عمل بنيته الداخلية بأطرافها الثلاثة "السارد والمسرود والمسرود له".

وحمل الفصل الثاني عنوان "في علم السرد ما بعد الكلاسيكي" وفيه ثلاثة مباحث عُنون أولها بـ "ديفيد هيرمان مؤسساً لعلم السرد ما بعد الكلاسيكي"والثاني بـ "براين ريشاردسون وعلم السرد غير الطبيعي"،والثالث بـ "منظرون آخرون ما بعد كلاسيكيين" وفي هذا المبحث الأخير تفصيل لطروحات عدد من منظري السرد غير الطبيعي وأهمهم: مونيكا فلودرنك وروبين وارهول وكاثرين روماجنولو وجان ألبر وبيو شانغ وجون هيجلوند.

واذا كان الفصلان السابقان يهتمان بالجانب النظري فإن الفصل الثالث جاء تطبيقيا وفيه تمثيلاتعلى نماذج قصصية وروائية عربية وأجنبية وحمل عنوان "في تقانات السرد غير الطبيعي"أما الفصل الرابع "مقالات على سبيل الايضاح"فكان متخصصا في نقد النقد عبر الرد والاحتجاج في مجال نظرية السرد وتداول مفاهيمها.

وميزة كتاب "علم السرد ما بعد الكلاسيكي: السرد غير الطبيعي" ليست في اطروحته الجديدة وهو يتناول علما ما زال موضع دراسة في حاضنته الغربية حسب، بل ميزته ايضا في مراجعه واغلبها منشورة باللغة الانكليزية وقد عززت بها د. نادية هناوي اطروحة كتابها من جهة وعرّفت القارئ العربي بها من جهة اخرى.

ويمكن تقسيم مراجع الكتاب الى قسمين: قسم يختص بعلم السرد ما بعد الكلاسيكيمثل كتاب"سرديات : منظورات جديدة في التحليل السردي Narratologies: New Perspectives on Narrative Analysis)1999 لديفيد هيرمان وهذا الكتاب ــ كما تشير المؤلفة ــ شكّل منعطفا كبيرا في دراسة السرديات وفيه تأثر هيرمان بمدرسة شيكاغو للنقد الادبي والارسطية الجديدة وما تعتمده من طرائق التحليل النصي عند نورومان فريدمان وواين بوث وحديثه عن الراوي المشكوك في أمره والمؤلف الضمني. 2012.

ومما ذكرته د.هناوي أيضا من كتب ديفيد هيرمان "النظرية وتفسير السرد: النظرية السردية المفاهيم الأساسية والمناقشات النقدية" 2012وكتاب "سلسلة كامبرج للسرد The Cambridge Companion to Narrativeحرره ديفيد هيرمان، وصدر بطبعته الانجليزية عام 2007 بأربعة أجزاء، وطبع بعدها عدة طبعات وآخرها عام 2012. وكتاب "النظرية وتفسير السرد: النظرية السردية المفاهيم الأساسية والمناقشات النقدية" وساهم في تأليفه مع ديفيد هيرمان كل من جيمس فيلان وبيتر جيه رابينوفيتش وبراين ريتشاردسون وروبين وارهول وصدر الكتاب بطبعته الاولى الانجليزية عن جامعة اوهايو الامريكية عام 2012.

والقسم الثاني من المراجع يختص بالسرد غير الطبيعي ومن أهم المراجع التي اهتمت بها الدكتورة هناوي كتاب مشترك بعنوان"السرد غير الطبيعي: الامتدادات والمراجعات والتحديات"من تحرير جان ألبر وبراين ريتشاردسون وصدرعام2020وكتاب "السرد غير الطبيعي: عوالم مستحيلة في التخييل والدراما" لجان البروصدر عام 2016.

يذكر أن المؤلفة أكدت أنها ستتبع كتابها هذا بجزء ثان يصب في الباب نفسه أي دراسة علم السرد ما بعد الكلاسيكي ومشروعه في السرد غير الطبيعي.