ثائرة شمعون الباز بين ثورة الروح والإبداع

تراتيل قدسية لبهاء الروح

الفن التشكيلي بحر بلا قرار وخيال بلا حدود وحلم بلا نهاية، عالم واسع لا يمكن أن يحتويه مقال أو دراسة أو كتاب واحد، شأنه شأن الشعر في أي بلد كان يمتلك تاريخا عميقا وتراثا تشكيليا ضخما مع الإحساس أن هذا قطرة من بحر، فإننا ندخل هذه العوالم الفنية الرفيعة لإطلاع القارئ العربي على نماذج تعتبر حسب رأينا من العوالم الفنية التشكيلية الراقية.

فترة الثمانينيات وما بعدها فترة زمنية لها خصوصيتها كالفترات التي تؤشر عليها كعامل نشاط فني وإبداع وتغيير في نمط الأفكار والتوجه والأسلوب فقد لعبت دورا مهما في تطور وبلورة الحياة الفنية في مختلف الاتجاهات التي شهده فضاء الفن التشكيلي والشعري والأدبي بصورة عامة.

هناك من لهم نصيب في رفد الفن التشكيلي وإنمائه في أي مكان، وهنا أردنا التوقف مع مختارات الفنانة التشكيلية الثائرة بين ثورة الروح والإحساس والإبداع وبين الجمال والحب وغربة الوطن الفنانة ثائرة شمعون الباز التي تنتمي إلى عوالم المكان والحضارة والتاريخ وعوالم الألوان والتجديد لوطن منفي في غربة الروح.

لوحاتها تحمل في أعماقها الضمنية واللونية والشكلية تراتيل قدسية لبهاء الروح والوطن ولعذابات الإنسان المغترب داخل الوطن وخارجه وملاذ لأفكار مقيدة في الذاكرة الأنثوية الناضجة تتقد حينا كجمرات في الليالي الباردة، وحينا تنصهر في الفصول الحارة الثائرة من حلم قد يتحقق أو لا يتحقق. تقسيماتها الزمنية الفنية كعيون مبصرة لا تتوقف لمرحلة ما في حضرة الماضي ووجود الحاضر والرؤية المستقبلية تتعاطف كامرأة واعية مع جماليات العصر والثورات الروحية والنفسية والشكلية والانتماءات الفنية بكل خطوبها ومداركها ضمن إطار فني إنساني بالإضافة إلى نزعتها الروحية وتفكيرها الواعي المتقد بالحياة وهي تشكل امتدادا تاريخيا من جذور والدها المغروسة في جمال وطبيعة ونقاء زاخو ثم إلى بغداد ومن ثم إلى الغربة الروحية الإبداعية في السويد وهو امتداد فاعل جمالا وإبداعا.

الفنانة التشكيلية ثائرة شمعون الباز تتوقد في غربتها بلوحات تنتمي لعوالم الروح والفكر والجمال والحب والتجديد بإحساس وطن تدرك عذاباته، آلامه، نكباته، هواجسه، ترسم، تكتب الشعر تشارك تدرس تحصل على شهادات علمية وفنية وأدبية مصممة تشكيلية حرفية إلى الأمية تربوية مشاركاتها في الأعمال الفنية والإدارية والقيادية منذ الثمانينيات كثيرة جدا في مختلف الاتجاهات والتوجهات حتى بعد هجرتها من العراق عام 1999 ووصولها إلى المملكة السويدية لا تهدأ أبدا كالنحلة لا تتوقف.

درست اللغة السويدية وحصلت على شهادة المعهد السويدي التربوي كمعلمة ثم التوجه للدراسة الأكاديمية جامعة لينشوبنك السويدية والتخرج بتخصص الفن التشكيلي والتصميم والأعمال الحرفية ثم دراسة علم الاجتماع وعلم النفس والسكرتارية وفن القيادة وكيفية القيادة وفن الزجاج وعمل الزجاج والحصول على رسالة الماجستير من جامعة نور شوبنك السويدية بتخصيص تشكيل الفن.

كل هذا العمل الروحي والفكري والفني الفاعل النشيط أسس بنية أنثوية مشعة للإبداع التشكيلي، لوحاتها الفنية ليست مترجمة لحالة زمن معين بل تمتد رؤاها إلى عمق غائر من المعاناة وعيون مفتوحة تبصر أفقا بلا نهاية وأجسادا تشكل هوية إنسان ربما ضاعت هويته في الوطن ووجدها في وطن الغربة بشكل ثان وألوان مختلفة وطن الآلام والأشواق والأحلام والأمنيات وهي عناصر انتماء بنيوية من الولادة فالمكان له أثر كبير في حياة الفنانة ثائرة شمعون الباز.

الإنسان محور هذا المكان إن كان بين بسمتها ودمعتها أو بين مكوثها وحركتها الفاعلة ، فإن تمزق أو انكسار هوية الإنسان لا يعني النهاية بل كانت البداية في عوالم الفنانة ثائرة تستنهض الألوان التي تنسجم مع روحها وإحساسها وتتناغم مع أحلامها وتطلعاتها الأنثوية والإنسانية، وعندما تعلق لوحاتها على جدران زمن مغترب تتنفس بعمق لأنها تعرف أن الوصول إليها ليس يسيرا، فالوصول إلى ملذات الحب والإبداع والحياة تحتاج إلى روح ثائرة، لوحاتها وأشكالها صرخة في عذابات المنفى والغربة الروحية حتى عندما تكتب نصوصا شعرية صافية عفوية هادئة أو ثائرة كأنها أماكن استراحة ونقاهة من وجع الحياة وثورة الروح وهاجس الذكريات الذي يخيم في أجواء الليل والوحدة، تمد ذاتها الأنثوية بطاقة إيجابية تتسرب نحو أقمشة بيضاء متلهفة للألوان والظل والضوء والتعجب والتساؤل والدهشة والاغتراب والاقتراب والاشتياق لتوقد في روحها مرة ثانية ثورة الروح والإبداع بين مسيرة الماضي وتجديد الحاضر وافق رؤية المستقبل.

بين طرية جذور الوالد شمعون الباز الشمالية وذكريات أزقة بغداد وعلو المآذن وصوت رنين ناقوس الكنيسة ليعلن ابتهالات الرب وطقوس مختلفة لعوالم ألوانية تتحد مع اللون الهرموني لتقول ها أنا ذا ثائرة في العراق من الشمال والوسط والجنوب والعالم رغم نزيفها الروحي وبريق عبرات سفرها المتواصل وبوحها الفني والنصي من أجل الأرض والإنسان لحد الذوبان والهذيان.

توصل رسائلها الفكرية الإنسانية من خلال عملها بتراتيل عذبة الشوق والحنين وتطلق روحها الحبيسة الثائرة على لوحاتها المغتربة، جمراتها توقد آخر الليل في عالم الصمت والحب والأمل والخيال المنفي حتى حينما تشرد تحس بلحظات الحكمة والتمعن والتأويل والجمال، وعندما تتغزل بإلصاق جسدين على لوحتها العصرية يختلف عن غزل النساء فهي تنادي الحبيب المرئي واللا مرئي الوجودي واللا وجودي بثورة إحساس ومشاعر فن جميل وتأثير الألوان والأشكال بأبعاد الحلم والترقب الروحي.

وهي في حالة الغربة والوجع والحب والجمال والإحساس الناضج والإبداع وان شكت فهي تشكو بعيون واسعة وألوان قاتمة تجسد واقعية التناقضات والهزيمة والانكسار فهي تشكو من أجل الأرض والإنسان وعلامات الشكوى في حد ذاتها عملية سمو عبر ألوان الحب والتعايش والتسامح والسلام وان تناقضت وامتزجت الحقيقة مع الخيال، الواقع والحلم.

وهو عمق لا يبتعد عن الرؤية الفنية والبصرية والذهنية. لوحاتها التشكيلية العصرية تسير إلى تميز روحي رباني فني في زمن الركود حيث عبرت حدود الوطن لتجسد ثورتها المميزة داخل عوالم الفن والروح والحب والجمال في فضاءات أوروبية واسعة الأفق والخيال الخلاق والجمال الراقي بهذا تدهش المتلقي بتراتيلها القدسية داخل لوحات روحية ثائرة حيث تمد الحضارات والثورات الفنية بالحلم والتحمل والإبداع تجسد موقف المرأة من الحب والحياة عبر حريتها في التطور والتغيير والجرأة في تحقيق ذاتها وما ترغب أن تصل إليه بأسلوب راق وتمكن قوي ودقة في العمل والتصرف بفكر واع ناضج يتحمل الأزمات والإرهاصات وتحيك بخيوط ملونة راية الحب والسلام وتطرز بأنامل ناعمة معنى الحياة وبفرشاة أنثوية مبدعة تمد اللوحة البيضاء لترسم خطوطا حمراء صفراء سوداء، خطوطا أولية تعكس محراب الروح واهتمام الرب وتتحد مع السماء والأرض في لوحات ثائرة راقية إبداعية لتكون معاني ومضامين التألق الإنساني على ارض الوطن وعلى وطن الغربة التي تحلم من خلاله بالحب والأمان والسلام الدائم.

• ثائرة شمعون الباز

الولادة: بغداد ـ العراق

التحصيل الدراسي في العراق: خريجة دورة تشغيل الحاسبات الالكترونية/المركز القومي للحاسبات الالكترونية/ بغداد لعام 1982.

التخصصات الحالية: تشكيلية، مصممة، حرفية، إعلامية، أديبة تربوية.