أمير تاج السر: أعمل على مشروع عربي وليس سودانيا فقط

محمد الحمامصي
لم يعد ثمة غموض يحيط بأي إبداع

تشكل التجربة الروائية للكاتب السوداني أمير تاج السر واحدة من التجارب العربية الأكثر تميزا الآن في المشهد الروائي العربي، ليس فقط كون صاحبها لم يتوقف عن الكتابة وأيضا لم يتوقف عن تطوير تقنياته ومعالجاته، ولكن لكونه لم ينفصل عن القضايا الإنسانية التي تضطرب عربيا وإقليميا ودوليا، بل ظل مهموما بها في مختلف أعماله، من "مهر الصباح" و"توترات القبطي"، و"العطر الفرنسي" و"صائد اليرقات" و"366" حتى روايته "زهور تأكلها النار" التي جاءت ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية 2017 ـ 2018 ويكشف فيها إلى أي مدى إلتهم التطرف والتشدد والارهاب زهورنا وأفسد منابت الحياة الحضارية والثقافية والاجتماعية.

وفي هذا الحوار نحاول إضاءة تجليات هذا العمل.

تدور أحداث "زهور تأكلها النار" قبل قرن فيما أحداثها ومشاهدها عايشناها ونعيشها ربما اليوم مع الجرائم التي ترتكبها الجماعات الارهابية المتطرفة سواء في دول أفريقية أو آسيوية. حول الحكمة من ذلك قال تاج السر: أعتقد أنه أمر مشروع أن يختار الكاتب الزمن الذي تجري فيه أحداث نصوصه، إنها طريقة معروفة، أيضا وجود التطرف والإرهاب الطائفي ليس جديدا أبدا ونجده في كل العصور، وأظنني استوحيت نصي من أحداث قديمة، وكون أنها انطبقت على أحداث موجودة الآن، فهذا لا يضعف النص، وحقيقة كنت كتبت رواية سابقة هي "توترات القبطي"، عام 2009، تنبأت فيها بالإرهاب المعاصر، وظهور جماعات تحمله، وجاءت هذه الرواية لإلقاء مزيد من الضوء على الفكرة السابقة.

ونفى تاج السر أن تكون فكرة الرواية تركيز على النساء أو أن النساء في المجتمعات العربية والإسلامية يمكن أن يحرك ما يصيبهن من انتهاك واغتصاب وقتل الرأي العام، وأوضح: الواقع أن النساء ما زلن لم يتخلصن من شباك الانتهاك تماما، بالرغم من التعليم والسفر، والحياة المعاصرة التي تتيح للمرأة إبراز قضيتها بصورة كبيرة. أنا كتبت عن جانب لم يكن ظاهرا في رواية "توترات القبطي"، وهو الجانب الخاص بالمرأة الذي لا يعرفه بطل الرواية، وبالتالي لا يعرفه القراء، وذلك بناء على تساؤلات قارئة، أرادت أن تعرف ما حدث. حقيقة أستوحي الكتابة أحيانا من فكرة طارئة، تستقر في ذهني بشكل أو بآخر ثم تتطور، والفكرة التي زودتني بها القارئة، دفعتني لكتابة "زهور تأكلها النار".

وحول كون العنوان "زهور تأكلها الناس" كاشفا قياسا أو مقارنة بأحداث الرواية، أضاف "كما قلت، هو تساؤل من قارئة لرواية "توترات القبطي"، تقول فيه إنها لم تعثر على معاناة النساء هناك، وكان الرد هذه الرواية التي وضحت المعاناة، ويمكنك أنه تسقطها على أي زمن وأي أحداث مشابهة جرت كما قلت، أنا أكتب فقط وأترك التحليلات لغيري، وهناك من يأتي بأفكار لم تكن في ذهني أبدا وأنا أكتب، لكني أكون سعيدا بأي تفاعل حتى لو كان سلبيا.

مدينة "السور" التي تحمل أحداث الرواية مدينة للديانات الاسلامية والمسيحية واليهودية والبوذية. تكشف أن الإرهاب الطائفي لا يفرق بين مسلم ومسيحي ويهودي وبوذي. وهو الأمر الذي أشار إليه تاج السر قائلا: نعم الطائفية أمر مرعب، والانتماء لأي فكر متطرف داخل أي عقيدة، يعد مشكلة كبرى، ليس المسلمين وحدهم متطرفين ولكن يوجد متطرفون مسيحيون يقتلون المسلمين وغيرهم في الغرب، يوجد بوذيون يقتلون المسيحيين والمسلمين، وشهدنا أحداث حرق كنائس ومساجد في بلاد كثيرة، بل يوجد طائفيون داخل الدين الواحد، يؤذون طوائف ليست معهم. ولم تحدثنا عن الدين الإسلامي خاصة لوجدنا فيه من القيم ما يجعل الدنيا كلها تعيش في سلام، لا إكراه في الدين، كما نعرف، أيضا لو تأملنا الحياة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ومن بعده من الصحابة لوجدنا تلك القيم في كمالها وأيضا سنجد من يخرج عليها لا لسبب سوى انحراف الفكر. إذن علينا رصد التطرف ومعالجته بأي صيغة، وأنا هنا لا أطرح حلولا ولكن أطرح نصا.

جاءت أيضا "زهور لا تأكلها النار" مفتوحة، ومن يحاول الهروب بـ "خميلة" العمود الفقري للنص أحد الخصيان الأمر الذي يلقي بأبعاد مهمة حول الحمية الإسلامية أو العربية لحماية النساء أو إنقاذهن.

وأكد تاج السر أن هذا الأمر حقيقة لم يخطر ببالي أبدا وأنا أجعل الغازي - لولو، يحاول تحرير البطلة الزهرة من النار، لقد حدث ذلك لأن الخصي وحده كان يستطيع الاقتراب من النساء السجينات في تلك البيوت، بحكم انعدام الرجولة أو الشهوة، وكان معروف أن يقوم الخصيان بحراسة النساء، إنه تقليد تاريخي استوحيته من قبل في روايتي "مهر الصياح"، و"توترات القبطي"، وكتبته هنا، هناك من قام بتفسير الأمر كما فسرته أنت، ولا أستطيع أن أمنع أحدا من تحليله الخاص بالطبع.

أيضا نهاية الرواية بعيدة عن التفاؤل وإمكان إنهاء سيطرة التطرف والطائفية والإرهاب، في المستقبل، وهو الأمر الذي أكده تاج السر قائلا: نعم، الرواية ذات نهاية قاتمة، إنها نهاية واضحة وليست غائمة أو مفتوحة كما يقول بعض القراء. لقد تحدثنا كثيرا عن التنوير، وإعادة النظر في التربية للأجيال الجديدة، ومحاولة قهر التشدد بطرح الدين سمحا كما ورد، وكما يجب أن يظل حتى قيام الساعة، تحدثنا عن السماحة في كل شيء، وتقبل الآخر، ولكن كلها جهود لم تثمر كثيرا، فلا يزال هناك من يستجيب لنداء الفوضى والأذى ويهجر بيته وأسرته ليؤذي آخرين في أماكن بعيدة، لم يضروه في شيء، والأكثر إدهاشا أن هناك فتيات لم يأسرهن أحد، يتسربن من أسرهن ليلتحقن بجماعات لا يعرفن عنها شيئا. ونجد الآباء يتحسرون ويبحثون ويسافرون وراء أي خبر يقود إليهن، بلا فائدة.

وأكد تاج السر أنه كون مشروعه، وكان في الضوء، وقال "إنه مشروع عربي وليس سودانيا فقط، لذلك لن أقول بأنني ظلمت، وهناك كتاب سودانيون غيري كتبوا بوعي واجتهاد وحصلوا على أماكن في مواقع الكتابة.

وختم بأن الأدب السوداني متطور ويتطور باستمرار، أسوة بالآداب العربية الأخرى، وفي هذا الزمان بالذات لم يعد ثمة غموض يحيط بأي إبداع، فضاء الإنترنت واسع والكل يستطيع العثور على قرائه.