'بحر الثقافة' تسهم في إثراء المشهد الثقافي الإماراتي

محمد الحمامصي
نعمل على تعزيز العمل والإنتاج المحلي والعربي وإبرازه عالميا

تقدم مؤسسة بحر الثقافة على مدار العام برنامجا ثقافيا حافلا بالجلسات النقاشية والحوارية والأمسيات الشعرية والفقرات الفنية التراثية، فاستضافت كبار المبدعين والمفكرين العرب في حوارات ونقاشات جادة ومتميزة بفضل أعضائها الذين يتابعون عن كثب تجليات الابداع والفكر عربيا وعالميا. الأمر الذي يضع المؤسسات ضمن حلقة المؤسسات الإماراتية الفاعلة والهادفة إلى ترسيخ الإمارات قبلة ومنصة للثقافة والعربية، هذا فضلا عن برنامجها الخاص ضمن فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وبرامجها مع المؤسسات الثقافية المختلفة في الامارات.

وبحر الثقافة أطلقتها الشيخة روضة بنت محمد بن خالد آل نهيان بدعم ومساهمة من أخواتها الشيخة شيخة بنت محمد بن خالد آل نهيان والشيخة ميثاء بنت محمد بن خالد آل نهيان، وذلك من خلال رؤية تهدف إلى تطوير المهارات الثقافية والمعرفية للمجتمع الإماراتي وفق برنامج أدبي وفني متكامل، وبناء الجسور الثقافية والفكرية والمعرفية بين الإمارات والعالم.

كان صالون بحر الثقافة النواة الأولى لهذه المبادرة، إذ انطلق في عام 2004 كملتقى أدبي يناقش أعمال روائية، بعد مرور عدة أعوام، وتحديداً في عام 2013، انتقل ليصبح مؤسسة أسهمت ولا تزال بشكل واسع في إثراء المشهد الثقافي الإماراتي، ففتحت أبواب الحوار مع المبدعين في شتى المجالات، وقدمت الدعم بمختلف أشكاله لهم، وجاءت النتائج تطويراً للمهارات الثقافية والمعرفية في المجتمع الإماراتي.

وتحقيقاً للأهداف والرؤية الاستراتيجية للمؤسسة يحرص فريق الإدارة على المشاركة في برامج ومشاريع ثقافية متنوعة في الدولة. الرؤية "تطوير المهارات الثقافية والمعرفية وفقاً لبرنامج ادبي وفني متكامل ومد جسور الثقافة والفكر والمعرفة بين الإمارات العربية المتحدة والعالم".

وفي هذا الحوار مع الشيخة روضة بنت محمد بن خالد آل نهيان نلقي المزيد من الضوء على على دور وتأثير المؤسسة إماراتيا وعربيا.

بداية وحول الفكرة ونشأتها وتطورها قالت الشيخة روضة: "منذ كنت صغيرة وانا أعرف معنى الثقافة وقيمة العلم، تربينا في بيوتنا على حب المعرفة وتقدير الكتاب، كنت أتمنى أن أشارك في نشاط ثقافي يعود بالنفع على أبناء وطني خاصة وأبناء البشرية عامة، فالثقافة فردوس يزداد إتساعا كلما شاركك الآخرون، أصبحت فكرة صالون ثقافي تروادني أنا وأخواتي، ومع النقلة الثقافية والعلمية التي كانت تزداد في البلاد يوما بعد يوم، والتي وضع أساسها الشيخ المؤسس زايد بن سلطان آل نهيان، ومع الجهود المتواصلة التي تم بذلها من قادتنا لتصبح الثقافة ملمحا مهما لكل إنسان يريد أن يحيا حياة ثرية مليئة بالمعرفة مرصعة بالثقافة، بدأت فكرة الصالون الثقافي عام 2004، وكان قاصرا على السيدات والآنسات عضوات الصالون، فبداية أي حلم تأتي بخطوة، والحمد لله بارك الله في خطواتنا ليصبح الصالون مؤسسة ثقافية تعمل بإخلاص ومثابرة ودقة على تنمية العمل الثقافي وحمل رهانات الإبداعية بثقة وفخر".

وأضافت "في مؤسستنا نعمل على تعزيز العمل والإنتاج المحلي والعربي وإبرازه عالميا، هدفنا من البداية كان تعزيز مكانة الثقافة العربية، والإطلاع بتعمق على الثقافة العالمية، وبالطبع أخذت المرأة إهتماما خاصا لا سيما في البداية لتعزيز ثقافتها ودورها الريادي في العملية الثقافية والفكرية فهي بجوار قيمتها كفرد في المجتمع، لا ننسى أن إتجاهنا إليها بتعميق ثقافتها سيؤدي بنا إلى جيل يتربى على يديها سيصبح أعمق فكرا وأكثر تعاطيا مع العالم من حوله بشكل سوي، فقمنا بتشجيع المتميزات منهن، والعمل على إبراز حضورهن ومشاركتهن، إمارتيات كن أم مقيمات على أرض الوطن، ولم ننس الطفل، فهو المستقبل، فعملنا على رعاية البراعم الموهوبة، أيضا لم ندخر وسعا في ترجمة أعمال عالمية منتخبة".

ورأت الشيخة روضة أنه "تقديرا منا لقيمة القراءة عملنا على ترسيخ مفهوم القراءة الهادفة والتواصل مع منتجي الإبداع كقيمة فكرية وثقافية، وإثراء الفكر بالتحاور معهم حول مؤلفاتهم وإبداعهم. ولم يقتصر دورنا على الكتاب فقط، فللثقافة روافد عدة، لذلك إتجهنا لتنمية الذائقة الفنية والجمالية لدى المرأة من خلال عرض أفلام سينمائية يتم إختيارها بدقة وبعد دراسة، والإطلاع على الفنون التشكيلية والحرفية، فكل ذلك يكمل الصورة، فعندما تتعانق الثقافة الفكرية مع ذائقة فنية سليمة فقد حصلنا على عقلية متفتحة سوية متعطشة للمعرفة، محبة للسلام ومقدرة للتناغم في الحياة، ولم يقف دورنا على إعداد متلقٍ جيد، بل عملنا أيضا على تشجيع مهارة النقد البناء، من خلال ندوات تدريبية لتنمية القدرات النقدية وتطوير المهارات الإبداعية والكتابية لأعضاء المؤسسة. وحتى نعمق قيمة التميز ونثمن قيمة العطاء، عملنا على إطلاق "جائزة الإمارات للإنجازات الوطنية القياسية"، وجائزة مؤسسة بحر الثقافة للدراسات الأدبية والجمالية، ولازال الطريق مليئا بالأحلام التي نعمل دائما على تحقيقها بفضل الله".

وأوضحت الشيخة روضة أنه في البداية كانت المؤسسة تقتصر على أعضاء المؤسسة من السيدات والفتيات، لكن مع الوقت ومع الإقبال الذي حظيت به فعاليات المؤسسة صار الحضور مفتوحا أغلب الأحيان، حتى أنه لم يعد مقصورا على العضوات فقط، ولم يعد مقصورا على النساء فقط، بل صار يشمل كل محبي المعرفة والثقافة، لا سيما في معرض الكتاب حيث أصبحت أنشطة المؤسسة ومحاضراتها تستقبل الجميع وترحب بكل من وفد إليها.

أما عن طبيعة التعاون بين المؤسسة والمؤسسات الثقافية الاماراتية والعربية أيضا، فأشارت الشيخة روضة إلى أن المؤسسة تضع على قائمة أهدافها بناء شراكات مع مؤسسات وهيئات في القطاعين الخاص والعام فهناك شراكة مع الهيئة العامة للسياحة والثقافة، جامعة الشارقة، أبوظبي للإعلام، مجلة ناشيونال جيوجرافيك، جمعية الشرطة النسائية الإماراتية، الإتحاد النسائي العام، عندنا أيضاا ندوة الكتاب والتي تعتبر إحتفالية نصف شهرية بالكتاب وعالم الفكر، نقيم صالون بحر الثقافة دبي بالتعاون مع ندوة الثقافة والعلوم، وصالون بحر الثقافة الشارقة بالتعاون مع شؤون الضواحي والقرى، نادي القراءة للشباب جامعة زايد، صالون الأدب الفرنسي بالتعاون مع جامعة السوربون أبوظبي، وهكذا.

معروف عن الشيخة روضة محبتها للقراءة ومتابعة الأعمال الثقافية والإبداعية المتميز منها على وجه الخصوص، وقد سألناها إذا ما كانت عادة القراءة مكتسبة أم موروثة من البيئة والمحيط الذي نشأت فيها، فقالت "إختلفت أقوال العلماء كثيرا فيما هو موروث وما هو مكتسب، لكن أغلبهم ساق الأدلة على أن القراءة بالدرجة الأولى عادة، ولأنها عادة فهي تحتاج أن نوجدها أولا، ثم نقوم بتنميتها، مثلا الطفل الذي يشب عن الطوق وقد وجد والديه أو أحدهما يقرأ فهو يفعل مثلهما، الطفل الذي يجد أن أهم قطعة في البيت هي المكتبة ينشأ على إحترام الكتاب، الطفل الذي يرى الكتاب أمامه متوفرا غالبا يصادقه، ليس كل البشر بالتأكيد يحبون القراءة لكن جهود الآباء والأمهات لغرس هذه العادة وتنميتها في الصغار تؤتي ثمارها إلى حد كبير، هذا ما نسعى إليه بالضبط في المؤسسة، إننا نسعى إلى تعميق قيمة القراءة والثقافة لدى الوالدين لتؤتي ثمارها لديهم ثم بالتبعية لدي صغارهم"

ولفتت إلى أن "كل كلمة يقرأها الإنسان بتفهم لاشك أنها تشكل علامة فيه، أما الكلمات التي لا وزن لها فهي كالنقش على الماء، لذلك كان لا بد من تنمية الذائقة مع الاهتمام بتعميق عادة القراءة، فالإنسان عندما تستقيم ذائقته يستطيع أن يقيم ما يقرأه فيستفيد، أما عما شكل وجداني فلا متسع هنا لسرده، فأنا تعودت أقرأ يوميا وقد أنهي يومي بطي آخر صفحة في كتاب بدأته في الصباح، لذلك من الصعب هنا أن أسرد ما أثر في وجداني، لكن إذا قلنا ما هي الأعمال بالطبع الكلاسيكيات في الأدب العالمي ، وكاتبي المفضل هو نجيب محفوظ".

وأعربت الشيخة روضة عن سعادتها بالكاتبات الإماراتيات وما حققنه من حضور إبداعي قوي على الساحة الاماراتية والعربية وأضافت "بدأت الكتابة الروائية في الإمارات تأخذ مكانها الطبيعي للكاتبة وللكاتب أيضا، ويعجبني في كتابة المرأة هنا - وإن كنت لا أفرق في الأدب والفكر بين رجل وامرأة - ملامستها للواقع الثقافي والإجتماعي والتراثي الإماراتي، يعجبني أيضا إنطلاق إبداعهن في الفضاء البشري عموما، فمهما إختلفت الأماكن والبلدان هناك مشاعر وأحاسيس وسلوكيات يشترك فيها بنو الإنسانية كلهم".

وحول أبرز التحديات التي تواجه الكاتبة والمبدعة الاماراتية في الحركة الثقافية الاماراتية، قالت الشيخة روضة "لا ننكر أبدا أن المرأة المبدعة واجهت الكثير من التحديات، وهي تحديات إجتماعية في معظمها، شأنها شأن الكثيرات في دول العالم، ومعظم المبدعات في شتى أنحاء الأرض واجهن تحديات كثيرة هكذا يحدثنا التاريخ، فمواجهة الصعاب تدل على أن المجتمع بدأ ينهض وبدأت المرأة تبحث فيه عن دورها ووجودها، إن وجدت مساندة صالت وجالت واضافت للفكر الانساني عصارة قلبها وعقلها، وإن لم تجد ماتت ملكات الإبداع في مهدها، لذلك أعتبر أجيالنا محظوظة بفضل الله، فقد كانت قيادتنا الرشيدة تحث المرأة على الإقدام وتفسح لها الطريق لتشارك وتنطلق متأطرة بقيمها الأصيلة متعطرة بحب المعرفة مزدانة بسلاح العلم، فحققت المرأة الإماراتية المبدعة إنطلاقة غير مسبوقة نراها الآن في كاتباتنا ومبدعاتنا".

وأكدت الشيخة روضة أن "الجهات الثقافية في الدولة لا تتدخر وسعا في دعم الإبداع والمبدعين في الإمارات، وعلى مستوى الوطن العربي والعالم، وذلك بوضعهم على خارطة الفعاليات المحلية والعربية والعالمية، وإنشاء الجوائز للمتميزين، وتحفيز أصحاب المواهب، وتوفير البيئة الملائمة لاحتضان الإبداع، وكل يوم نجد الجديد في هذا المجال وكلما تم إكتشاف موهبة تتم المسارعة لاحتضانها ورعايتها".