« ذكريات شباب» لعبد القادر القط
الثلاثاء 2002/07/09
بقلم : أحمد فضل شبلول

بعد أن فرغت من قراءة الطبعة الثانية لديوان الدكتور عبد القادر القط "ذكريات شباب" ـ الذي صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1987 ـ تساءلت بيني وبين نفسي: لماذا يتوقف الشاعر عن الإبداع؟ هل لظروف اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو علمية؟ أم لأسباب نفسية وإبداعية وفنية؟ ولم أعثر على سبب واحد من كل هذه العوامل السابقة تدعو شاعرا ـ مثل د. عبد القادر القط ـ لأن يتوقف عن حركة الإبداع الشعري بعد عودته من لندن عام 1950، حاملا لقب دكتور في الأدب عن أطروحته "تصور العرب لمفهوم الشعر في كتاب الموازنة بين أبي تمام والبحتري".
إذن لماذا توقف هذا الشاعر عن عطائه الشعري، وهو في أوج نضارته وشبابه وعطائه الفني الذي تشي به قصائد هذا الديوان التي بلغت اثنتين وعشرين قصيدة؟
على أننا عندما نقرأ قصائد "ذكريات شباب" ينبغي لنا أن نضعها في سياقها التاريخي وظرفها الإبداعي الرومانسي الذي كانت تمر به القصيدة العربية في بداية الأربعينيات من القرن السابق، وعلى وجه الدقة 1941 ـ 1943 وهي فترة كتابة هذه المجموعة من القصائد، كما تشير بذلك مقدمة الشاعر، وهذا لا يتعارض مطلقا مع موقف د. عبد القادر القط من الشعر الجديد وترحيبه به في بداية حركته، ومن هنا تأتي أهمية مقدمة الديوان التي كتبها الشاعر عبد القادر القط بحس الناقد الأكاديمي وذوق الفنان، وسعة العالم، وأفق واطلاع المثقف الأديب.
ولا أكون مبالغا إذا قلت إن مقدمة الديوان لا تقل أهمية عن قصائد الديوان نفسه
وأعتقد أنها من المقدمات النادرة لدواوين شعرنا العربي قديمه وحديثه، ففيها ينسلخ الناقد، عن الشاعر، فيكتب الناقد القط بقلمه الواعي الدقيق المؤرخ المحلِّل عن الشاعر القط المحلِّق المجنِّح المهوِّم في سماء الشعر.
ومن هنا جاءت صعوبة دور الشاعر الراحل سعد درويش الذي كتب تقديمًا للطبعة الثانية من هذا الديوان. وقد تساءل سعد درويش التساؤل نفسه الذي رددته بيني وبين نفسي: لماذا ترك عبد القادر القط الشعر، بعد أن أعلنت بداياته ميلاد شاعر كبير موهوب؟.
ويجيب درويش قائلا: لقد سئل د. القط في برنامج إذاعي عما كان يفعل لو فرض أن حياته الأدبية بدأت من جديد، فقال: كنت أعطي الشعر اهتماما أكبر، ثم يضيف درويش: نفهم من هذا أن عبد القادر القط الأكاديمي الباحث الناقد، يدرك أنه لم ينصف عبد القادر الشاعر الفنان.
تُرى أي قمة من قمم الشعر كان سيرتقيها الشاعر عبد القادر القط، لو استمر في مسيرة الإبداع الشعري؟ وأيُّ خسارة خسرتها الساحة الشعرية العربية بتوقف عبد القادر القط عن المسيرة الإبداعية؟.
إن هناك من حاول أن يجمع بين الاثنتين: المهمة النقدية الأكاديمية، والمهمة الإبداعية، مثل د. عز الدين إسماعيل، د. محمد زكي العشماوي، د. محمد أحمد العزب، د. فوزي عيسى، د. فوزي أمين، وغيرهم، فلماذا لم يحاول د. القط الجمع بينهما، واكتفى فقط بالمهمة النقدية الأكاديمية، ورئاسة تحرير بعض المجلات الثقافية والأدبية مثل: الشهر والشعر وإبداع.
هذه بعض الخواطر التي يثيرها رحيل الناقد والشاعر د. عبد القادر القط، عن عالمنا، الذي لجأ في السنوات الأخيرة إلى الكتابة عن الدراما التلفزيونية، أو المسلسلات التلفزيونية التي يعرضها التلفزيون المصري، والتي رأى أنها ديوان العرب الجديد.
أحمد فضل شبلول ـ الإسكندرية