"آدم بلا حواء" الإستنساخ السردي وإنسانية العلم

الرواية تجربة من التأليف الروائي المشترك، بين كل من قدرية سعيد، ومحمد نجيب مطر.
الرواية تتكون من مقدمة وخاتمة و30 كتلة سردية
للمقدمة في الرواية مهمة تأطير حالة التلقي الروائي وتحديد مساره
العلم لا يعرف المستحيل ولا يعرف العواطف، والإنسانية حينها تذهب إلى الجحيم

رواية "آدم بلا حواء" تجربة من التأليف الروائي المشترك، بقلم كلا من د. قدرية سعيد، ومحمد نجيب مطر، وتتكون الرواية من مقدمة وخاتمة و30 كتلة سردية، وتدور حول مؤسسة مشبوهة تقوم بتجارب استنساخ البشر على بعض المرضى الميئوس من شفائهم، وقماشة الرواية مشبعة بالإثارة والتشويق الروائي، وأجواء المغامرة، والتركيم المعرفى حول موضوعات علمية كثر، وكذلك بعض التقنيات السردية الجيدة، والأمر علي تفصيل:
"الميتا – قص" بين المقدمة والخاتمة:
للمقدمة في الرواية مهمة تأطير حالة التلقي الروائي وتحديد مساره، وتضافرت مع التصنيف على غلاف الرواية بكونها "رواية خيال علمي"، والمقدمة أخبرت عن منهج العمل الروائي باعتماد "المصداقية العلمية" و"البحث عن الجديد في العلم"، كما ذكرت مصادر صحافية لبعض الغرائب العلمية التي وردت بالرواية، مثال: إن "طاقية الإخفاء" أصبحت من الواقع العلمي المعاصر. والمقدمة بذلك مست من بعيد ما يعرف بالميتاقص حيث وضحت بواعث التأليف ومنهجه، ومخاطبة القارئ قبل عملية شروعه في القراءة لتحديد مسار تلقيه، لكن الأقرب بكثير للميتاقص في القصة المعاصرة كانت خاتمة الرواية. 
أما النقد الأدبي فقد تحدث عن الميتاقص، بأنه يتشكل من بادئة لغوية "ميتا" وهى كلمة يونانية تعني "وراء"، أي "ما وراء القص"، وهو تعبير يصف أو يشرح كواليس العملية الإبداعية ويقدمها للقارئ كعنصر في البناء القصصي، وله صور متعددة منها أنسنة أحد مكونات الرواية، مثال رواية يلتقي فيها المؤلف مع شخصيات روايته الحالية، وشرح نشأة لحظة التكون والتفكير فيي العمل ومراحل الكتابة، ويسمى أيضًا "السرد المفتون بذاته".
والخاتمة في الرواية هنا قدمت المطبخ الروائي حول تجربة التأليف المشترك، بحوار دار بين المؤلفين في جلسة عمل حول الرواية، تقول: "الجماعية في أي عمل مهما كان نوعه يؤدي إلى تعاظم الإبداع بصورة أكبر"، وحديث حول تحرير بعض المفردات ومناسبتها في الرواية، ثم الخاتمة بان نادل المقهى أصبح هو النسخة الرابعة الأكثر تطورًا لبطل الرواية المستنسخ بعد وفاته "سمير فليفل"، تقول آخر سطور الرواية: "نظر المؤلف والمؤلفة إلى بعضهما البعض في رعب، ثم انطلقا يركضان وخلفهما سمير فليفل يطالبهم بالحساب".

القيمة الموضوعية الأهم في الرواية تبدو من خلال طرح الأسئلة: "الحجر أم البشر؟"، وسؤال حول مدى حرية البحث العلمى؟ وسؤال مضمر آخر آراه حول هل يؤدي الإيمان بالعلم إلى فقد الإنسانية؟ أم أن العلم هو مجرد قفاز ناعم لمصالح مغرضة خاصة؟

المكون المعرفي في الرواية والإستعلام الثقافي:
وتأويلي لخاتمة الرواية هو قصدية القول بأن الخيال أصبح واقعًا بشعًا يستحث الفرار  والركض هروبًا منه، ويدعم ذلك مقولة جول فيرن، الكلمة الواردة في الصفحة الأولى من الرواية: "من الحكمة أن نفترض الأسوأ من البداية ليأتي الأفضل كمفاجأة لنا"، فالرواية هنا تحذيرية من التقدم العلمي دون ضوابط أخلاقية تصون انحرافه وتوحشه واستغلاله لمصالح مشبوهة. وأرى أن الخاتمة هنا مفتوحة، وأن هدف ميتاقص الخاتمة هو ضم مسارات كثر في الرواية، وطريقة لختم الرواية بعد تعملق الجانب المعلوماتي فيها، وهذه التغذية العلمية تم تقديمها عبر الحوارات الكثيفة ثم المحاضرات العلمية والتي تطول أحيانًا لصفحات كاملة.
والمكون العلمي كثيف في الرواية، والخيوط كثيرة، منها ما دار حول الإستنساخ النباتي والإستنساخ البشري، والإستنساخ المزيج بين البشرية والآلية، وإستنساخ الذاكرة ونقلها من عقل إلى آخر، بل ونقل المخزون العاطفي، والسياق التاريخي للإستنساخ وخطورته، ومنها معلومات عن الخلية البشرية ومما تتكون، ومعلومات عن مشروع "الجينوم البشري" الذي ساهمت فيه 125 دولة لعمل خريطة جينية، ومنها معلومات حول الذاكرة، ومعلومات حول أسلحة الدمار الشامل، ومعلومات عن المخ البشري، ودور الهرومونات، ومعلومات عن الشيخوخة وعلاجها، وقدمت الرواية معلومة طريفة حول ما يعرف "التيلومير" في الخلية، ويسميها البعض "الساعة الحيوية للخلية"، وأن الإنسان لديه فرصة ليعيش 125 سنة علي الأقل، لكن تدمير "التيلومير" يرتبط بالتوتر والإكتئاب والإلتهابات أيًّا كان مصدرها والإجهاد المستمر، كما ضمت الرواية معلومات حول الذكاء الإصطناعى، والأرحام الصناعية، وقضية سرقة الأعضاء الخطيرة، والتنويم المغناطيسي، وأيضًا فكرة التجريب العلمي والتركيم المعرفي والأخلاقيات المهنية العلمية، وأممية العلم، والاستغلال للعلوم من خلال التمويل، ومنها التوجيه بضرورة الصحافة العلمية وتبسيط العلوم وبث الثقافة العلمية، ومنها ما هو معلومات تاريخية وأمور اجتماعية، مثال: معلومات عن عبقرية الفراعنة وأخناتون، وأسرار الهرم، وحجر رشيد، وفكرة الإعتزاز الثقافي باللغة، ومشروع العالمة المصرية المغدورة سميرة موسى ومشروعها العلمي.
والحقيقة أنه من علامات توفيق أدب الخيال العلمي ما يثير شهية القارئ للإستعلام الثقافي عن معلومات وردت في الرواية تثير اهتمام القارئ ومتابعته، وقد عاون ضخامة المكون العلمي في الرواية على تحقيق هذا الشأن عندي.
الخيال الطريف:
ثم كان الإنطلاق من المكون العلمي المعاصر في الرواية لبناء الخيال المستقبلي الطريف، أو كما عبر الرواية أنه لا حدود امام العلم بتعبيرها: "العلم هو الجنون بعينه"، ومن أمثلة هذا الخيال الطريف: التفسير الخيالي لنقل حجارة الهرم بشاحنات خاصة تعمل بالطاقة وتشبه الصواريخ، ومعرفة الأسرار من داخل ثنايا عقول قدماء المصريين، وقراءة الأدمغة المحفوظة لأحداث عاصرتها كأنها آلة زمن تخترق حاجز الزمن، ونقل الذاكرة كوسيط تخزين من مخ إنسان متوفٍّ، ثم منها لمخ بشري آخر، واختلاق توهم الذاكرة بينها المخ يقبع في بيئة مغذية بحوض زجاجي شفاف، ومنها تآكل النسخة التجريبية الأولى لبطل الرواية، ومنها الكاميرا التي تكون بسلاح متفجر تنقل مئات الصور عن ساحات الإشتباك. 
كما ورد بالرواية ما يعرف برافد الخيال العلمي "الترايخ البديل" بطريقة تفسير الأحداث الكبرى في التاريخ، بالتفسير الخيالي لحادث تشرنوبيل بروسيا الشهير وأسباب هذا الحادث.
"المتعة جزء من الفائدة"
أما التشويق الروائي فتحقق مع نقطة الإنطلاق الأولى للرواية بعودة بطل الراوية "سمير فليفل" إلى منزله بعد رحلة علاج غامضة تشكل فجوة زمنية تسبق بداية الرواية لثلاث سنوات في فقاعة طبية بمؤسسة علاجية، بعد إصابته بمرض خطير تنبأ الأطباء أنه سيقضي عليه سريعًا، وأقنعه طبيبه المعالج بانضمامه لرحلة علاجية معزولة، واستغرقت ضربة البداية الكتلة السردية الأولى، ثم آتى الاسترجاع السردي الخارجي – أي قبل نقطة البداية الأولى للرواية - ليس لفترة العلاج نفسها وإنما لفترة زمنية أسبق، واستغرقت الكتلة السردية الثانية، واستعملت الرواية طريقة "المناجاة الدرامية" وهو حديث يدور في النفس لكنه موجه في الوقت نفسه لآخر، حيث تمر الذكريات برأس زينب زوجة سمير في الليلة الأولى لعودته، وقد استشعرت تغيره، وكان هذا التذكر سريعًا كشأن الإنسان عندما يحاول تذكر حياته الماضية، فلا يستغرق وقتًا. ثم تابعت الرواية بالحوارات والسارد العليم سرد الأحداث التالية من الرواية، ويساهم بالتعقيب وإبداء الملاحظات، مثال تعقيبه عن التجريب (ص 132 من الرواية)، أو عن العلم القطار الذي لا يتوقف (ص 92)، وعن نفسية العاشق ونقاط حزنه العميقه عندما يكتشف خيانة معشوقه (ص 88)، وغيرها.  

Science fiction literature
اعتمدت الرواية المسار البوليسي

كما اعتمدت الرواية المسار البوليسي، وكما هو معروف أن أدب الخيال العلمي هو ابن بار للأدب البوليسي "أدب من فعلها؟" وهو أدب أمومي من الأم حيث لأدب الخيال العلمي من ذات الأم أشقاء كثر كأدب الجاسوسية وأدب الخيال السياسي والفانتازيا. وتجلى المسار البوليسي بداية من تقدير هذا الأدب، فإيهاب الصحافي الناشط في التنقيب والبحث الصحافي يقرأ روايات "اجاثا كريستي" لتخفيف التوتر الذي يضغط على عقله، ثم محاولات "إيهاب" للكشف عن "مخزن الأسرار الخطير" الكامن في فترة العلاج الغامضة، ورحلة البحث عن الأمور الغريبة التي تثير الريبة، ثم تابع رحلة التحقيق محمود سمير فليفل وخطيبته "سمر"، فحقق استنساخًا سرديًا.
الإستنساخ السردي:
بتكرار المواقف في الرواية، وهو يبدو قريبًا مما يعرف بالتواتر الروائي أو التكرار السردي بسرد الحدث الواحد من مناظير مختلفة، لكن في الإستنساخ السردي نجد المماثلة، فسمر ومحمود مثلهما مثل إيهاب، وحدث الإقتحام والأدوات المساعدة لهذا الإقتحام للمبني المشبوه لمؤسسة المساندة للحياة مماثل، وفكرة المغامرة تحضر بقوة في نطاق هذا الإستنساخ.
كما  جاءت تقنية الملخص الروائى (صفحة 99 من الرواية)، وله مهمة إنعاش ذاكرة القارئ، وربطه بالقادم الروائي، ولضم الأحداث: "إرسال نسخة سمير بعد موت الأصل وتنمية الجسم بالهرومونات في وقت قصير قياسي".
إنسانية العلم: 
وتبدو القيمة الموضوعية الأهم في الرواية من خلال طرح الأسئلة: "الحجر أم البشر؟"، وسؤال حول مدى حرية البحث العلمى؟ وسؤال مضمر آخر آراه حول هل يؤدي الإيمان بالعلم إلى فقد الإنسانية؟ أم أن العلم هو مجرد قفاز ناعم لمصالح مغرضة خاصة؟ والرواية تجيب بوصف وحشية التقدم العلمي بلا إنسانية، وأن البسطاء كانوا الوقود لاستغلال مقيت وأعمال خفية تستخف بالروح والمشاعر الإنسانية، وظل هذا الصدى في الغلاف الأخير المنتقى من المتن الروائي وهي تصف أن العلم لا يعرف المستحيل ولا يعرف العواطف، وأن الإنسانية حينها تذهب إلى الجحيم.