آية يحيي تؤكد أن الإعلام عامل رئيسي في زيادة الاهتمام بالجسد

المرأة أصبحت تختزل في كونها جسدا، في مجتمع يعاني من العديد من المورثات السلبية التي أدت لمزيد من التصورات الخاطئة تجاه تلك الأنثى.
هدف الباحثة آية يحيي تسليط الضوء ومحاولة تفسير وتحليل علاقة الإعلام بصورة الجسد وهل كان الأمر متعلقا بعصر ما بعد الحداثة؟
الجسد الممتلئ كان يتصدر معايير الجمال الأنثوي خلال فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، حتى أوائل السبعينيات
معايير الجمال المثالي تغيرت لتصبح النحافة الجسد المثالي الذي ترغب في الوصول إليه العديد من الفتيات

شهدتْ السنوات العشر الأخيرة في مجال الإعلام العديد من الموضوعات الشائكة التي تمس أفراد المجتمع الشرقي وخاصةً الفتيات في فترة المراهقة والبلوغ على وجه الخصوص، ألا وهي صورة الجسد والإدراك السلبي والخاطئ لصورة الجسد. فأصبحت المرأة تختزل في كونها جسدا، في مجتمع يعاني من العديد من المورثات السلبية التي أدت لمزيد من التصورات الخاطئة تجاه تلك الأنثى، فبعد أن كان الجسد الممتلئ يتصدر معايير الجمال الأنثوي خلال فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، حتى أوائل السبعينيات؛ فتغيرت معايير الجمال المثالي؛ لتصبح النحافة هي الجسد المثالي الذي ترغبه في الوصول إليه العديد من الفتيات.
إشكالية صورة الجسد في إعلام الواقع يعالجها كتاب د.آية يحيي محمد "الصورة المثالية للجسد بين المشاهير والواقع" الصادر عن دار العربي للنشر، هذا الإعلام الذي عرف مؤخرًا وخاصة بعد تركيز وسائل الإعلام الجديدة عليه خلال العشر سنوات الأخيرة، ومع التطور التكنولوجي والرقمي ودخولنا عصر الذكاء الاصطناعي ومجتمع عصر ما بعد المعلومات؛ هذا العصر الذي من المرجح أن يشهد تطورا ملحوظًا في سلوك المجتمعات سواء كانت الشرقية أم الغربية خاصة مع غياب الوعي وعدم تفعيل دور التربية الإعلامية داخل جميع مؤسسات الدولة نتيجة لما تشهد المجتمعات من تطور تكنولوجي هائل في عالم الإعلام. فكان لا بد من مناقشة هذا الموضوع ومحاولة وضع حلول ومقترحات فعالة من أجل مستقبل أفراد المجتمع.
كان هدف الباحثة آية يحيي تسليط الضوء ومحاولة تفسير وتحليل علاقة الإعلام بصورة الجسد وهل كان الأمر متعلقا بعصر ما بعد الحداثة، أم كان له علاقة منذ القدم بوسائل الإعلام التقليدية كصحافة التابلويد والمجلات المتخصصة كمجلات Play Boy& Vogue والإعلانات التليفزيونية وتليفزيون الواقع، فموضوع صورة الجسد أحد اهم الموضوعات على الساحة الإعلامية فقد أظهرت العديد من الدراسات الإعلامية والنفسية والاجتماعية وجود ارتباط قوي بين الإعلام والإدراك السلبي لصورة الجسد وتأثيرات ذلك على الصحة النفسية والجسمانية للأفراد وبالتالي وجود تأثيرات على النواحي الاجتماعية للأفراد.
يحفل الكتاب بأسئلة وإشكاليات مهمة؛ أهمها: هل هناك مخاطر من الإدراك السلبي لصورة الجسد؟ إلى أي مدى هناك علاقة بين استخدام السوشيال ميديا وعدم الرضا عن صورة الجسد؟ كيف نتصدى لتأثيرات الإعلام الجديد في ظل غياب الوعي بأهمية صورة الجسد وانتشار تلك الثقافة؟ لماذا هناك ضرورة بتفعيل برامج التربية الإعلامية في ظل غياب الرقابة الأسرية؟ كما تضمن دليلا ارشاديا للتوعية بصورة الجسد، ومقترحا تنفيذيا بإنشاء صندوق لدعم المراهقين لمواجهة المشاكل والأمراض المتعلقة بالإدراك السلبي والخاطئ لصورة الجسد كمرض البوليميا والأنوركسيا الناجمين عن هوس الرجيم ومقارنة أجسادهم بأجساد مشاهير إعلام الواقع.
وتشير آية يحيي إلى أن أخر إحصائية أجريت على 10 ألاف و500 امرأة في 13 دولة توصلت إلى أن القلق من الجمال والمظهر الجسماني مازال يمثل قضية عالمية حرجة، وإن الإعلام عامل رئيسي في زيادة اهتماماتهن التي تدور حول المظهر والجسد. كما أن ما يقرب من 7 من كل 10 فتيات تبلغن عن انخفاض الثقة في المظهر الجسماني وزيادة مستوى الشعور بالقلق من الجمال والمظهر، كما أنهن صرحن بأن كل ذلك مدفوع بالضغط من أجل الكمال والمثالية التي أعلنتها وسائل الإعلام ببثها معايير جمال مثالية وهمية.
وترى أن الاتجاه السائد في وسائل الإعلام التقليدية سواء "التليفزيون والمجلات والصحف، أفلام، مقاطع فيديو غنائية، إعلانات" يضم صورا غير واقعية ومنحطة، ومثالية، وجنسية لأنماط الجسد الأنثوي، وتؤكد الرسائل الإعلامية حول النساء والفتيات الصغيرات في السن على أهمية النحافة. يعكس محتوى الوسائل الاعلامية ويشكل قيمًا اجتماعية حول الجنس، والتمييز الجنسي، والجمال وأنواع وأنماط الجسد. نظرًا لطبيعة صورة الجسم المعقدة وطويلة المدى، كان من الصعب ربط تصورات صورة الجسم وتصرفاته بشكل مباشر وحصري بالتعرض للوسائل الإعلامية فقط. في أفضل الأحوال، يمكننا أن نستنتج أن استهلاك وسائل الإعلام التقليدية السائدة (مع صورها النمطية) يعرض الأطفال والمراهقين لخطر تطوير صورة جسم غير صحية، لاسيما عندما يكون مصحوبًا بعوامل خطر أخرى.

بدون مثل هذا البحث، ومع الاعتماد المفرط على الدراسات المستعرضة، سيظل من الصعب عزل تأثيرات الوسائل الاعلامية على إدراك صورة الجسم

وتلفت آية يحيي إلى أن تحليل Meta- Analysis أظهر ارتباطات متسقة عبر 77 دراسة تجريبية وعلاقات مترابطة حول العلاقات بين التعرض لوسائل الإعلام واستياء وعدم الرضا عن صورة الجسم بالنسبة للمرأة، ومعتقدات "النموذج النحيف المثالي للجسد"، وسلوكيات اضطرابات الأكل. 
في استطلاع رأي تم إجراؤه على مستوى قومي للفتيات تتراوح أعمارهن بين 13 و17 عامًا من قبل معهد Scouts للأبحاث النسائية عام (2010)، كان ما يقرب من نصف (48٪) يتمنون أن يكونن نحيفات مثل عارضات الأزياء في مجلات الأزياء، وقالت إن مجلات الأزياء أعطتهم بنسبة (47 ٪) صورة جسدية للسعي لتحقيقها، كما وجد استطلاع آخر أجرته  The Today Show & Aol.Com عام  2014أن 80 من الفتيات المراهقات يقارنن أنفسهن بالصور التي يرونها للمشاهير، وداخل هذه المجموعة، يقول نصفهم تقريبًا إن الصور تجعلهم يشعرون بعدم الرضا عن طريقة ظهورهم. لم يتم إجراء أيٍّ من هذه الدراسات الاستقصائية مع عينات قائمة على الاحتمالات لمجموعات من الفتيات تمثيلًا على مستوى قومي. على الرغم من أن الأبحاث المتعلقة بالأولاد نادرة نسبيًا، يشير بعضها إلى روابط مماثلة بين التعرض لوسائل الإعلام ورضا الجسم.
وتضيف أن وسائل الإعلام تسمح أيضا بإطلاق وإصدار الأحكام من قبل المراهقين على ذويهم وأقرانهم من ذوي سنهم ومرحلتهم العمرية وغيرها: ثلاثة أرباع المراهقين لديهم حساب شخصي على مواقع التواصل الاجتماعي. توفر هذه الشبكات الاجتماعية الرقمية للشباب فرصًا للتعبير عن أنفسهم والعلاقات على نطاق غير مسبوق، لكنها أيضًا منصة عامة واسعة للعرض الذاتي والتواصل والمقارنة الاجتماعية. من بين المراهقين الناشطين على الشبكات الاجتماعية، أفاد 35٪ أنهم قلقون من وضع علامات على الأشخاص في صور غير جذابة؛ أفاد 27٪ بأنهم يشعرون بالتوتر حول كيفية ظهورهم عند نشر الصور؛ أفاد 22٪ بأنهم يشعرون بالسوء عن أنفسهم عندما لا يعلق أي شخص على "الصور" التي ينشرونها أو "يعجبهم". 
على الرغم من أن الفتيات والفتيان على حد سواء أفادوا بوجود هذه المشاعر، إلا أنهم كانوا أكثر شيوعًا بين الفتيات. وجدت إحدى الدراسات التي أجريت على فتيات مراهقات أن مستخدمي فيسبوك كانوا أكثر ميلًا بشكل كبير من غير مستخدمي فيسبوك إلى الاتجاه لخفض الوزن من أجل الوصول للنحافة والمشاركة في مراقبة الجسم، على الرغم من أن اتجاه السببية غير معروف "من المحتمل أن يختلف مستخدمو الشبكات الاجتماعية عن غير المستخدمين بطرق مهمة تجعلهم عرضة بشكل خاص؛ لاستخدام الوسائل الإعلام والتعرض لرسائلها والضغط الاجتماعي".
وتؤكد آية يحيي أن تقديم واستعراض المراهقين لصورهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يشكل بالسلب أو بالإيجاب على مستوى تقدير الذات الخاص بهم؛ ولذلك يتطلب الأمر مزيدا من البحث. حيث تشير بعض الدراسات إلى أن التعرض للصور على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بهم "والتي غالبًا ما تنطوي على المشاركة مع صورة شخصية أنيقة" يمكن أن يثير ارتفاع تقدير الذات. مثلا يقول 65٪ من الفتيات في سن المراهقة و 40٪ من البالغين أن صورهم الشخصية ـ الصور التي يلتقطها المستخدمون من أنفسهم ـ والصور الأخرى الجذابة لأنفسهم عبر الإنترنت تجعلهم يشعرون بمزيد من الثقة. 
وفي الوقت نفسه، وجدت دراسة بحثية لمبادرة معهد Scots لأبحاث الفتيات (2010) أن 74٪ من الفتيات يوافقن على "أن معظم الفتيات في عمري يستخدمن مواقع الشبكات الاجتماعية؛ لجعل أنفسهن يبدو أكثر برودة مما هو عليه فعلًا". وأقر 41٪ منهن بذلك. وجدت الدراسة نفسها أن الفتيات قللن من أهمية مكملتهن للخصائص الإيجابية ويبرزن فقط السمات السائدة المنتشرة الأخرى (مثل المتعة، والمرح، والاجتماعية) عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، فإن التركيز على المظهر قد يشير إلى شكل من أشكال تغريد وتسليع الذات ـ الدرجة التي يؤكد بها مفهوم الشخص لذاته على جاذبية الفرد البدنية، مما يشير إلى أنه تم اختلاطهم اجتماعيًا بالفعل "أو تخلق بنشاط" ثقافة المظهر. في الواقع، قد تأخذ مواقع التواصل الاجتماعية مكان وسائل الإعلام التقليدية "الأفلام والمجلات" في وضع وكسر المعايير حول المظهر.
وتلفت آية يحيي إلى أن هناك فجوات كبيرة في البحث عن علاقة بين صورة الجسم ووسائل الإعلام. بالنسبة إلى المجموعة الكبيرة من الأبحاث حول وسائل الإعلام التقليدية وصورة الجسم، لا يوجد سوى القليل من الأبحاث حول استخدام الوسائط الرقمية والاجتماعية التفاعلية للأطفال والمراهقين وصورة الجسم. في جميع أنواع البحوث، ومع ذلك، فإن العديد من سكان العالم ممثلة تمثيلًا ناقصًا: الأولاد، والأطفال الصغار، ومجتمعات اللون، والشباب Lgbtq. بالنظر إلى مدى تطور صورة الجسم في وقت مبكر - والتجارب السلبية ذات الصلة - هناك حاجة حقيقية؛ لإجراء أبحاث طولية مستقبلية حول استخدام الوسائل الإعلامية ودورها في هذا المجال، وتسجيل خطوط الأساس بشكل دقيق قبل أي تعرض لوسائل الاعلام بشكل كبير. 
بدون مثل هذا البحث، ومع الاعتماد المفرط على الدراسات المستعرضة، سيظل من الصعب عزل تأثيرات الوسائل الاعلامية على إدراك صورة الجسم أو حتى نموذج آثارها فيما يتعلق بالعوامل التوضيحية الأخرى. هناك أيضًا الأصوات الفعلية للأطفال والمراهقين، والعائلات، مع سرد لتجاربهم وفهمهم لمشكلات صورة الجسم إلى جانب استخدام الوسائل الإعلامية والتكنولوجية. سيكون البحث الاثنوجرافي المتعمق والأبحاث الكيفية النوعية الأخرى حاسمة الأهمية في بناء قاعدة المعرفة هذه.