نسمة إمام سليمان تستكشف فنون الإقناع بالذكاء الاصطناعي

الكاتبة تقدم رحلة في أعماق كل من علم النفس البشرية والابتكار التكنولوجي، للكشف عن إمكانات تقنيات محاكاة العقل البشري في تعزيز فن الإقناع وتطويره، وفي بعض الحالات إعادة تعريفه.

من الإعلانات الجذابة إلى الحملات السياسية الإقناعية، لطالما كان فن الإقناع حجر الزاوية في التفاعل البشري. ولكن الآن، مع صعود الذكاء الاصطناعي (AI)، نجد أنفسنا على أعتاب نقلة نوعية - تقارب بين الفنون القديمة والتكنولوجيا المتطورة، التي تعد بإعادة تعريف حدود الإقناع.

الباحثة د.نسمة إمام سليمان في كتابها "فنون الإقناع وتطبيقات الذكاء الاصطناعي"، تحاول استكشاف آسر للعلاقة الديناميكية بين الإقناع البشري والذكاء الاصطناعي. انطلاقا من رحلة تتعمق في أعماق كل من علم النفس البشرية والابتكار التكنولوجي، للكشف عن إمكانات الذكاء الاصطناعي في تعزيز فن الإقناع وتطويره، وفي بعض الحالات إعادة تعريفه.

تقول الباحثة في كتابها الصادر عن دار العربي أنه لقرون مضت، كان الإقناع جزءًا لا يتجزأ من نسيجنا الاجتماعي. والذي يتطلب فهماً ذكياً للسلوك البشري، والقدرة على الاتصال عاطفيًا، بل والقدرة على التأثير في القرارات. ولكن مع استمرار تقدم الذكاء الاصطناعي بوتيرة مذهلة، قدم أبعادًا جديدة للإمكانيات - حيث زودنا بأدوات ذكية لتحليل كميات هائلة من البيانات، وفهم الأنماط المعقدة للتواصل بدقة غير مسبوقة.

وتوضح أن الذكاء الاصطناعي "AI"، يتمتع بقدرته على معالجة المعلومات بسرعات فريدة، القدرة على إحداث ثورة في الإقناع. بداية من الحملات التسويقية المخصصة، التي تستفيد من أعمق رغباتنا، إلى التوصيات الشخصية التي تتوقع كل احتياجاتنا، حيث يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي الآن، التنقل في شبكة معقدة من التفضيلات والدوافع البشرية، وكل ذلك في الواقع للتأثير على خياراتنا وسلوكياتنا. ومع ذلك، فإن هذا المزيج بين الإقناع والذكاء الاصطناعي لا يخلو من التحديات. ففي الوقت الذي تتبنى فيه الخوارزميات القوة للتأثير في الآراء وتشكيل القرارات، يجب أن نتعامل بحذر، مع مراعاة الآثار الأخلاقية والمخاطر المحتملة. فتأتي الخطوط الفاصلة بين ضبابية الإقناع والتلاعب، ومسائل الموافقة والشفافية والتحيز في المقدمة. لذلك من الضروري التعامل مع هذا المزج، بفضول وحذر أثناء التنقل في منطقة غير معروفة ومحفوفة بالماطر حتى الآن.

في الكتاب تبدأ الباحثة استكشافًا جديدًا لتطبيقات الذكاء الاصطناعي التحويلية في مجال الإقناع. من المؤثرين الافتراضيين الذين يصيغون روايات إقناعية، إلى روبوتات الدردشة التي تشركنا في محادثات هادفة، نكتشف طرقًا لا حصر لها يمكن للذكاء الاصطناعي من خلالها، تعزيز قدرتنا على الاتصال والإقناع والإلهام. وتشير "سوف نستكشف كيف يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في الإعلانات، والسياسة، والتأثير الاجتماعي وما وراء ذلك. ونغوص في العالم الرائع لتحليل المشاعر، ومعالجة اللغة الطبيعية، والنمذجة التنبؤية، ونشهد كيف تفكك أنظمة الذكاء الاصطناعي رغباتنا، وتشكل عمليات صنع القرار لدينا".

وتدعو الباحثة القارئ للانضام إليها في الكشف عن تلك الرقصة المعقدة بين الحدس البشري والإقناع المدعوم بالذكاء الاصطناعي. وأيضا الإبحار في تلك المياه المجهولة، حيث يتجمع فن الإقناع الخالد مع الإمكانات اللامحدودة للذكاء الاصطناعي.

لكن ما هو مفهوم الإقناع؟ تقول الباحثة مفهوم الإقناع يشير إلى فعل إقناع شخص ما، بتغيير معتقداته أو مواقفه أو سلوكه من خلال أشكال الاتصال المختلفة. وهي عملية التأثير على آراء الناس، أو مشاعرهم، أو أفعالهم، باستخدام الاستمالات المنطقية أو العاطفية أو الأخلاقية. يمكن استخدام الإقناع في العديد من السياقات المختلفة مثل؛ الإعلان والحملات السياسية والمبيعات والتواصل بين الأشخاص. ولكي يكون الإقناع فعالا، عادة ما يتضمن فهم الجمهور وتكييف الرسالة مع احتياجاتهم واهتماماتهم وقيمهم.وهناك العديد من الأساليب التي يمكن استخدامها لإقناع شخص ما، بما في ذلك تقديم أدلة أو حجج إقناعية، واستمالة المشاعر، وإثبات المصداقية أو السلطة، وخلق شعور بالإلحاح أو الندرة. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنه ليست كل محاولات الإقناع أخلاقية أو فعالة، فبعضها يمكن أن يكون متلاعبًا أو قسريًا. لذلك، من المهم التعامل مع الإقناع بعقلية نقدية وأخلاقية.

ووفقا للباحثة يمكن استخدام الإقناع للأغراض الإيجابية أو السلبية، توضح "يمكن استخدام الإقناع لتعزيز السلوكيات الإيجابية، مثل تبني العادات الصحية. كما يمكن استخدامه بهدف التلاعب بالناس لاتخاذ إجراءات ليست في مصلحتهم بوجه عام. وهناك اعتبارات أخلاقية للإقناع: يمكن استخدام الإقناع بطرق أخلاقية وغير أخلاقية. لذا من المهم مراعاة الآثار الأخلاقية للرسائل الإقناعية، والتأكد من أنها ليست متلاعبة أو خادعة أو قسرية. وبشكل عام، يعد الإقناع مفهومًا معقدًا ومتعدد الأوجه، يتضمن التواصل وفهم الجمهور وتكوين الرسائل لتحقيق النتيجة المرجوة. وعند استخدامه بشكل أخلاقي وفعال، يمكن أن يكون الإقناع أداة قوية لتعزيز التغيير الإيجابي.

وتضرب الباحثة على أمثلة على كيفية عمل الإقناع في سياقات مختلفة:أولا الإعلان: الإعلانات مصممة لإقناع المستهلكين بشراء المنتجات أو استخدام الخدمات. يمكن أن تتضمن الأساليب الإقناعية المستخدمة في الإعلان استمالات عاطفية، مثل الخوف أو الفكاهة، وتأييد المشاهير، والأدلة الإحصائية. على سبيل المثال؛ قد يستخدم إعلان عن سيارة جديدة أدلة إحصائية، لإقناع المستهلكين بأنها أكثر كفاءة في استهلاك الوقود من السيارات الأخرى في السوق.

ثانيا الحملات السياسية: غالبًا ما يستخدم السياسيون أساليب الإقناع، للتأثير على آراء الناخبين وسلوكياتهم. ويمكن أن تشمل هذه الرسائل الإقناعية؛ خطابات الحملة والمناقشات، وكذلك مواد الحملة مثل النشرات والملصقات. كما يمكن أن تتضمن الأساليب الإقناعية المستخدمة في الحملات السياسية استمالات عاطفية مثل الخوف أو الأمل، والقصص الشخصية، والدليل الاجتماعي (الدليل الاجتماعي هو المفهوم النفسي، الذي يشرح كيف يتأثر الناس في اتخاذ قراراتهم بآراء الآخرين، مما يجبرهم على التصرف ضمن المعايير، أو التوقعات المجتمعية المتعارف عليها). مثلا، قد يستخدم السياسي قصة شخصية لإقناع الناخبين، بأنهم يفهمون صراعات الأشخاص العاديين.

ثالثا وسائل التواصل الاجتماعي: يمكن استخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي، لإقناع الأفراد بتبني معتقدات أو سلوكيات معينة. ويمكن أن تتضمن الأساليب الإقناعية المستخدمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الاستمالات العاطفية، والقصص الشخصية، واستخدام المؤثرين لتأييد المنتجات أو الأفكار، لإقناع المزيد من الأفراد بشراء المنتج أو استخدام الخدمة، التي يروجون لها. مثلا؛ قد ينشر مؤثر على Instagram، صورة له وهو يرتدي ماركة ملابس معينة. ويستخدم لغة إقناعية لتشجيع متابعيه على شراء نفس العلامة التجارية.

رابعا الاتصال الشخصي: يمكن أن يحدث الإقناع أيضًا، من خلال التفاعلات وجهًا لوجه بين الأفراد. ويمكن أن تتضمن الأساليب الإقناعية المستخدمة في الاتصال الشخصي؛ الاستماع الفعال، وبناء العلاقات، واستخدام الأدلة لدعم الحجج. المثلا؛ قد يستخدم مندوب المبيعات، طريقة الاستماع النشط لفهم احتياجات العميل. واستخدام الأدلة لإقناع العميل بأن منتجًا معينًا هو الحل الأفضل لتلك الاحتياجات.

وتؤكد الباحثة أن هذه مجرد أمثلة قليلة لكيفية عمل الإقناع في سياقات مختلفة. فالإقناع قوة مؤثرة يمكن استخدامها للأغراض الإيجابية والسلبية. ويمكن أن يساعد فهم مبادئ الإقناع الأفراد، على أن يصبحوا أكثر فاعلية في التواصل مع المستقبلين للرسائل الإقناعية.

وعن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي ترى الباحثة أنها تشير إلى الاعتبارات والمبادئ التوجيهية الأخلاقية، التي تحكم تطوير ونشر واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI). ويشمل هذا التعريف فهم ومعالجة الآثار الأخلاقية المحتملة، والتأثير المجتمعي لأنظمة الذكاء الاصطناعي. وتهدف أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، إلى ضمان تطوير الذكاء الاصطناعي، واستخدامه بطريقة مسؤولة، وشفافة وخاضعة للمساءلة، مع التركيز على إفادة الأفراد والمجتمع ككل.

وتلفت إلى أن أبعاد الأخلاق في استخدام الذكاء الاصطناعي للإقناع لا الحصر، منها: أولا الإنصاف والتحيز حيث إن معالجة قضايا التحيز والتمييز، في أنظمة الذكاء الاصطناعي لضمان المعاملة العادلة، عبر المجموعات الديموغرافية المختلفة، وتجنب تعزيز التحيزات المجتمعية القائمة. ثانيا الشفافية وشرح القدرة: حيث إن تحقيق الشفافية في خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وعمليات صنع القرار يمكين المستخدمين وأصحاب المصلحة، من فهم كيفية وصول أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى استنتاجاتهم أو توصياتهم. ثالثا: حماية حقوق خصوصية الأفراد، والتأكد من أن البيانات الشخصية المستخدمة بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي، يتم جمعها وتخزينها ومعالجتها بشكل آمن، ووفقًا للقوانين واللوائح المعمول بها. رابعا المساءلة والمسؤولية: إنشاء آليات لتحديد المسؤولية، عن الإجراءات والقرارات التي تتخذها أنظمة الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك معالجة الضرر المحتمل، الذي تسببه تقنيات الذكاء الاصطناعي. خامسا الجدارة بالثقة والموثوقية: بناء أنظمة ذكاء اصطناعي قوية وموثوقة وجديرة بالثقة، مما يضمن أنها تعمل على النحو المنشود، ويمكن الاعتماد عليها للحصول على نتائج دقيقة وغير متحيزة, سادسا التحكم البشري والاستقلالية: ضمان احتفاظ البشر بالسيطرة على أنظمة الذكاء الاصطناعي، وأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تعزز القدرات البشرية، بدلاً من استبدال أو تقويض عملية صنع القرار البشري. سابعا الأثر المفيد: السعي لتطوير ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي لها تأثير إيجابي على الأفراد والمجتمع والبيئة، مع تجنب العواقب السلبية المحتملة أو تخفيفها. ثامنا الاستخدام الأخلاقي وتطبيقه: النظر في الآثار الأخلاقية والتأثير المجتمعي المحتمل لتطبيقات معينة للذكاء الاصطناعي، لا سيما في مجالات مثل الرعاية الصحية والعدالة الجنائية والتوظيف والحرب.

وتضيف الباحثة أن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي تتضمن إشراك مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، بما في ذلك صناع السياسات، والتقنيون، وعلماء الأخلاق، والباحثون وعامة الناس. ويتطلب تعاونًا متعدد التخصصات لمعالجة التحديات الأخلاقية المعقدة، والمفاضلات المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي. وتتبنى المنظمات والمؤسسات بشكل متزايد، الأطر والمبادئ التوجيهية الأخلاقية، لضمان التطوير المسؤول ونشر واستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي. وفي النهاية، الهدف من أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، هو تعزيز تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تتوافق مع المبادئ الأخلاقية، وتحترم القيم الإنسانية، وتسهم في رفاهية الأفراد والمجتمع.