أحقا لا ترغب إيران بلقاء مع أميركا؟

أفضل ما يمكن أن تخرج به إيران من عقد لقاءات مع أميركا هو أن تخرج بريشها. زمن الابتزاز ولى.

من الذي يقف في موقع القوة ويمسك بزمام الامور هو الذي يمكن أن يملي على غريمه وخصمه الشروط وليس العكس، وإن الذي تعصف به أوضاعا بالغة الوخامة وتحاصره المشاكل والازمات ليس في وضع وظرف بحيث يبرز عضلاته ويزعم بأن كل شيء على ما يرام عنده في حين إن واقعه يظهر خلاف ذلك تماما، نعم هناك حالة الذي يقوم بمواجهة "شمشونية"أو "كاميكازية"، ولكن هذه الحالة كما هي واضحة إنتحارية وتعني النهاية وهو خيار لا يلجأ إليه سوى الذي يجد إنه موقف ووضع اللاخيار.

القادة الايرانيون، وفي مقدمتهم ثنائي موشح "الاعتدال والاصلاح" المزعوم، أي الرئيس روحاني ووزير خارجيته ظريف واللذين تجمعهما قواسم مشتركة كثيرة لكن أهمها إبتسامتهما المستمرة التي تخفي في كثير من الاحيان حزنا وكآبة غير عادية، يٶكدون بعدم رغبتهم اللقاء مع الاميركيين، بل ويدعون الكوريين الشماليين الى عدم الثقة بأميركا، فيما تسترسل وسائل الاعلام الحكومية في طهران في الكلام عن إسداء "النصح" بعدم جدوى عقد لقاءات مع أميركا ترامب التي يعلمون جيدا بأنها تمسك النظام ليس من أذنه وانما من رقبته، ولكن هل حقا إن إيران التي يعيش أكثر من نصف سكانها بإعترافات رسمية تحت خط الفقر ويسكن ربع سكانها في العشوائيات وهناك أرقاما فلكية في الادمان على المواد المخدرة ومعلومات صادمة عن الفساد، هل حقا إن هكذا بلد بهكذا وضع لا يرغب بلقاء يمكن من خلاله أن يلتقط أنفاسه بأن ترفع اليد الاميركية الممسكة برقبته ولو الى حين؟

إستحضار مجريات الامور وتطورات الاحداث أثناء المفاوضات الحثيثة التي كانت جارية في أواسط عام 2015 بين مجموعة 5+1 وإيران وكيف إن جناحي النظام الايراني كانا يتبادلان الادوار ويقدمان مشاهد مسرحية على درجة عالية من الاتقان، وكيف إنهما نجحا في النهاية التمويه على أوباما الذي كان مستعجلا من أمره ويسعى للخروج بإتفاق نووي "تاريخي بنظره" ليقدمه كإنجاز نوعي خلال عهده، اليوم لم يعد في الامكان إعادة واجترار نفس تلك المشاهد لأنها صارت أكثر من مفضوحة وإنها لا تنطلي على صقور ترامب، ولذلك فإن طهران من الممكن أن تستعد للعبة جديدة كي يمكن من خلالها أن تحقق بعضا من تأثير على هذه الادارة التي يبدو إنها تسعى لإمتصاص آثار ونتائج الاتفاق النووي الذي عقدته الادارة السابقة.

طهران تتتوق وتتحرق شوقا لعقد لقاءات ومفاوضات مع الاميركيين شريطة أن تضمن إنها في نهاية الامر تخرج بماء وجهها، فهي لا تريد أن تترك الجمل بما حمل للأميركيين وإنما تريد ما يمكن أن تقنع به الشعب الايراني و"أذرعها" في المنطقة من إنها فاوضت كند لواشنطن وخرجت ظافرة، وهي تعلم علم اليقين بأن ترامب قد حسب الامور حساب التاجر الخبير ولا يسمح بإعادة خطأ عام 2015 حيث خرجت طهران لتتغول ليس على شعبها وشعوب المنطقة وانما تسعى أيضا لمقايضة ومساومة الغرب على ما قد حصلت عليه من صفقة أوباما.

أفضل ما يمكن أن تخرج به إيران من عقد لقاءات مع أميركا هو أن تخرج بريشها سالمة، ولكن من دون أية مكاسب أو امتيازات كما حدث مع الاتفاق السابق الذي كان أشبه ما يكون بكابوس على بلدان المنطقة بل وعلى الشعب الايراني نفسه، وإن هكذا نتيجة سوف تكون قاتلة للنظام الحاكم في إيران إذ ستجعله في فوهة بركان غضب الشعب الايراني والذي صار على بينة وإطلاع بما جناه هذا النظام عليه طوال 4 عقود، ولم تعد المسحة الدينية قادرة على خداع الشعب والتمويه عليه خصوصا بعد أن باتت الاحتجاجات الشعبية تأخذ منحى سياسيا واضحا ولم تعد تكتفي بمطالب محددة وانما صارت تذهب أبعد من ذلك بأن تطالب بسقوط النظام وتغييره. والانكى من ذلك إن الاوساط السياسية الحاكمة في طهران والتي صارت تتخوف من هذا المنحى السياسي وتٶكد بأنها مجرد محاولات مندسة من جانب منظمة مجاهدي خلق. وحتى هذا الاعتراف يمكن إعتباره قاتلا بالنسبة لطهران لأنها تعترف بأن هذه المنظمة قد تمكنت من إيجاد قواعد لها في داخل إيران، وتلك إشارة ذات مغزى بأن الامور قد وصلت الى مستويات مرعبة ولاسيما إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تخوف النظام من إخراج تظاهرات "صاخبة" تٶيده في مواجهته الحالية مع إدارة ترامب وقد كان يفعل ذلك في السابق دائما، غير إنه وفي حالة إستمرار الحال على ما هو عليه وبقاء طهران مصرة على رفض اللقاء على إيقاع إدارة ترامب، فإنها ستشبه حتما ذلك الذي يقف على رمال متحركة!