أحمد الشرقاوي: صناعة الجمال معيارها غربي تسعى إليه كل الأجناس

كتاب للدكتور أحمد الشرقاوي أستاذ جراحة التجميل بطب القاهرة يلقي الضوء على الجمال البشري عبر حقائق مدعومة بالتجارب العلمية، ويؤكد على أهمية جمال الشكل في حياتنا.
جمال شكل الإنسان موضع اهتمام البشر في كل الحضارات
الأجناس البشرية تتميز على اختلافها بصفات معينة في الشكل
صناعة جمال الشكل موجودة منذ عصور ما قبل التاريخ
عيوب الشكل تؤدي الى ضغوط نفسية

الكتابة في موضوع جمال الإنسان والبحث فيه غزير جدا باللغات الأجنبية وفي المقابل فهي شحيحة وتكاد تكون منعدمة في اللغة العربية، فأغلب الكتابات العربية على قلتها هي عن فلسفة الجمال أو النقد الفني دون التعرض لجمال الإنسان بصفة خاصة.
 وهذا الكتاب للدكتور أحمد الشرقاوي أستاذ جراحة التجميل بطب القاهرة، والذي سبق أن قدم كتاب "الطب والجراحة في مصر منذ زمن الحملة الفرنسية وحتى العصر الحديث"، يلقي الضوء على جمال الإنسان أو الجمال البشري، عبر كثير من الحقائق المدعومة بالتجارب العلمية، حيث يعني بجمال الشكل، مؤكدا أن جمال الشكل يلعب دورا هاما في حياتنا لا نستطيع أن نتجاهله أو نقلل من شأنه.
يوضح الكتاب أن الشعور بالجمال له أصول بعيدة تعود لتطور الإنسان البيولوجي وكما يوضح كيف أن تصورنا عنه تنوعت بتأثير البيئات والثقافات المختلفة عبر التاريخ، وكذلك المقاييس التي تمثل الشكل المثالي لجسم الإنسان، وكيف أن هذا الجسم يعاد تشكيله عن طريق وسائل التجميل والملابس وحديثا عن طريق الجراحة ليحصل الإنسان على أعلى درجة من الجمال بشقيه الطبيعي والفني.
يرى الشرقاوي في كتابه الصادر عن الدار المصرية اللبنانية الذي قدم له أستاذ الفلسفة وعلم الجمال د.سعيد توفيق، أنه كثيرا ما يصرح في ثقافتنا بأن الاهتمام بجمال الإنسان هو نوع من التفاخر المكروه، ولكن الواقع الإنساني ومنذ بدء التاريخ يعلمنا أن جمال شكل الإنسان كان دائما موضع اهتمام البشر في كل الحضارات والثقافات، بل ربما أن جمال الإنسان له دور في تطور الجنس البشري.
ويكشف أن عمله كجراح تجميل "جعلني أدرك كم هي رغبة الإنسان في أن يسعى نحو جمال الشكل ليس فقط لإزالة التشوهات أو العيوب الخلقية، بل يسعى للجراحة من أجل تحسين الشكل والحصول على الجمال. ليس في عصرنا الحديث فقط بل يمكن أن نلاحظ هذا الاهتمام منذ عصور ما قبل التاريخ وفي كل الحضارات سواء البدائية أو المتطورة، وإذا نظرنا بتمعن سيدهشنا كم المعروض من مساحيق وأدوات التجميل لهذا الغرض، وهو ما يمثل صناعة كبرى في كل أنحاء العالم. ولا يفوتنا سهام النقد الموجهة لمفهوم الجمال، حيث يقال إن الاهتمام بالجمال هو هروب من الواقع، بل هي المراهقة الممتدة التي ترفض أن تقبل أية عيوب في هذا العالم. أيضا فإن جمال الإنسان هو اعتقاد غير واقعي يفرضه ويؤججه المجتمع سيادة الرجل أو هو خيال يستخدمه رجال الأعمال من أجل ازدهار أعمالهم فيضعون تعريفا لجمال الإنسان من أجل زيادة استهلاك منتجاتهم.

دراستنا ستظل في محيط دراسة الشكل فقط دون التطرق للطباع أو الأخلاق

ويضيف الشرقاوي أنه مع كل هذه الانتقادات، فإن الجمال كان ومازال محط اهتمام كل من يستطيع أن يرى، كما أن دوره النفسي والاجتماعي لا يمكن إنكاره، بل من الأوقع نقول أن الصناعة والاعلام دورهما يقتصر على تغذية ما يشعر به الناس ويريدونه. ولكن ما هو جمال الإنسان؟ بل ما هو تعريف الجمال؟ إنه سؤال مازالت الإجابة عنه موضع بحث ومازالت الإجابات عن هذا السؤال موضع خلاف واختلاف بين المثقفين والفلاسفة الذين يدلون بدلوهم في هذا الموضوع. هذا الخلاف بين الباحثين في موضوع جمال الإنسان كان دافعي للبحث والقراءة والتأمل لسنوات طوال.
ويؤكد أن البحث في موضوع جمال الإنسان متشعب وشيق، فهناك الجانب الفلسفي لبحث ظاهرة الجمال والجانب الأنثروبولوجي الذي يعني بوصف جسم الإنسان والجانب النفسي والاجتماعي الذي يدرس الجمال في علاقتنا الشخصية ونظرة المجتمع للجمال ومكانته في المنظومة الثقافية ودور جمال الإنسان في حياتنا. وكذا فنيات التجميل بالمساحيق والأدوات الأخرى. إننا هنا نعني بجمال الإنسان جمال الشكل، وخاصة أننا كثيرا ما نستخدم تعبير إنسان جميل لنعني بهذا جمال طباعه أو جمال أخلاقه أو جمال كلامه وغيرها من الصفات الحميدة التي نصف بها شخصا ما. هنا ندرس جمال الشكل أو جمال الصفات الجسمانية للإنسان. ورغم قناعتنا بأن طباع الإنسان الحميدة أو السيئة يمكن أن تؤثر في شكله وهو ما يعد أساس علم الفراسة، فإن دراستنا ستظل في محيط دراسة الشكل فقط دون التطرق للطباع أو الأخلاق 
ويلفت الشرقاوي إلى تنوع الأجناس البشرية وإن كان أغلبها ثلاثة أجناس، وهي الآري والآسيوي والأفريقي، ويقول أن "لكلٍّ صفاته التي يتميز بها في الشكل، ولعل أهم الاختلافات هو الفرق في اللون، ولكن لكل جنس سمات مميزة في تفاصيل شكل الوجه، وبالطبع فهناك درجات في الجمال في كل جنس يستطيع أن يميزها أعضاؤه. ويعني هذا أن هناك نمطا من الجمال يميز كلا من هذه الأجناس على حدة، وإن كان يمكن الإحساس بالجمال عندما نراه بغض النظر عن الجنس الذي ينتمي إليه، وعادة يميل الناس لجمال الجنس الذي ينتمون إليه لأن ذكرياتنا عن شكل الأم أو الأب تشكل تصورنا عن الجمال. ووجد أن أعضاء الجنس الواحد يستطيعون تمييز الفروق الطفيفة بدقة في شكل الوجه في جنسهم، ولكن هذا التمييز يقل بالنسبة للأجناس الأخرى وهو ما نلاحظه من صعوبة التفرقة بين وجوه الصينيين واليابانيين.

الكتابة في موضوع الجمال شحيحة في اللغة العربية
الكتابة في الجمال شحيحة في اللغة العربية

ويتابع "مما يشير إلى تحيز كل جنس لشكله، وخاصة قبل سيطرة الإعلام الغربي على مفاهيم الجمال؛ وجد أن السكان الأصليين في البرازيل ومنطقة الكاريبي يضغطون أنوف أطفالهم من أجل أن تكون جميلة، وفي المقابل كانوا يرون أن أنوف الأوروبيين طويلة بشكل مفرط وقبيحة، بل تكاد تكون مخيفة. وكذلك عند أول بعثة يابانية للولايات المتحدة كتب اليابانيون أن عيون النساء الأمريكيات غير جميلة، بل ذكر بعضهم أنها تشبه عيون الكلاب، وذلك بسبب اتساعها بالنسبة للعيون الآسيوية. واندهش الأوروبيون حينما وجدوا أن الرجال من الأجناس المختلفة يرون أن نساءهم أجمل من النساء الأوروبيات رغم أن الأوروبيين كانوا يعتقدون عكس ذلك. ولكن نستطيع أن نقول أن الشعور بنمط مختلف لكل من الأجناس البشرية أصبح غير محدد بوضوح نتيجة اختلاط الأجناس. والأهم نتيجة السيطرة الغربية وإعلامه، وخاصة أفلام هوليوود؛ حيث أصبح السائد أن يسعى الجميع لتقليد نمط الجمال الغربي "الآري أو الأبيض".
ويتوقف الشرقاوي مع النماذج الحسابية للتناسق في الجسم على مر التاريخ انطلاقا من العصر الفرعوني والإغريقي وإنسان فيتروفيوس وانتهاء بالعصر الحديث ويوضح "يتميز جسم ووجه الرجل ووجه المرأة نتيجة اختلاف الهرمونات؛ حيث يشكل هرمون التستوستيرونجسم الرجل ويشكل هرمون الأستروجين جسم المرأة. ولذا نجد وجه الرجل يتميز بالفك العريض والذقن البارز وبروز الجبهة فوق الحاجبين بالإضافة للذقن والشارب مما يعطي النمط المميز لوجه الرجل. أما بالنسبة للمرأة فنجد الفك الصغير والذقن المدبب مع جبهة عريضة وعين واسعة، وذلك ما يميز وجه المرأة. وكلما كانت الصفات التي تميز كل جنس واضحة ومميزة كان الشكل أجمل، أما إذا كان وجه الرجل يحمل بعض سمات وجه الأنثى، أو كان وجه الأنثى يحمل بعض سمات وجه الرجل، فإن شكل الوجه يكون أقل جمالا؛ حيث إن شعورنا بالجمال يكون أكثر قوة مع وضوح الصفات التي تميز كل جنس على حدة.
وكذلك بالنسبة للجسم، فجسم الرجل يتميز أنه عريض عند الكتفين ويصير نحيفا بنسبة عند الوسط والحوض عكس جسم المرأة الذي يكون نحيفا في الوسط عريضا في منطقة الحوض، وكلما كانت هذه السمات أكثر وضوحا كان الجسم أكثر جمالا، ويوجد اتفاق أن جسم المرأة يكون جميلا عندما تكون نسبة الوسط إلى الحوض لا تزيد على 70% وهذا نجده في كل عارضات الأزياء والممثلات اللاتي يتميزن بجمال الجسم. ويتميز جسم النساء بوجود ثدي كبير عكس الرجال الذين لا يملكون إلا ثديا مسطحا، ولذا إذا عانى الرجل من وجود ثدي كبير نتيجة السمنة، فهذا يمثل عيبا في الشكل؛ لأنه يقلل من وضوح السمات المميزة لجسم الرجل. ولذا يسعى كثير من الرجال في هذه الحالة للتخلص من السمنة في هذه المنطقة عن طريق جراحات التجميل.
ويلفت إلى أن الوضوح في عناصر الوجه تضفي أيضا جمالا في الشكل، فالعين الواسعة أجمل من العين الضيقة، لأنها أكثر وضوحا بل وجد أن العيون الفاتحة اللون يكون بؤبؤ العين أكثر اتساعا، وهو ما يضفي جمالا إضافيا مع جمال لون هذه العيون. كذلك الرموش الطويلة تضفي جمالا إضافيا للعين، لأنها تزيد شكل العين وضوحا. كذلك فإن الأنف الأفطس يقلل من جمال الوجه عكس الأنف البارز الذي يشكل وضوحا في شكل الأنف. 
ومن أغرب سمات الوضوح في الشكل وجد في تجربة على شكل اليد أنه كلما كان الأصبع الرابع "البنصر" مقاربا في الطول للإصبع الأوسط كان الشكل أجمل ويشكل عنصر جذب، حيث تفضل النساء الأيدي التي تمتلك هذه الصفة.
ويتناول الشرقاوي أيضا انعكاسات جمال الشعر على الشكل الجمالي ويتوقف مع أشكال الشعر في الحضارات القديمة ولدى القبائل البدائية، وكذا أنماط الملابس وأدوات الزينة الملحقة بها والمكياج أو التزين باستخدام الصبغات والمساحيق. 
كما يدرس التأثير الاجتماعي للجمال مؤكدا أن اهتمام أفراد المجتمع أيا كانت طبقاتهم الاجتماعية أو ثقافتهم بعيوب الشكل أمر لا يمكن تجنبه، وهو ما أدركه جيدا جراحو التجميل، حيث أن هذه العيوب تؤدي إلى ضغوط نفسية تبدأ من سن مبكرة وتستمر بعد ذلك. إن معاناة الأفراد من عيوب الشكل والتي أحيانا تكون بسيطة جدا وغير ملحوظة للآخرين قد تؤدي إلى الاكتئاب ومن علامات الاكتئاب هو شعور المريض أن شكله غير جذاب.
ويرى أن صناعة جمال الشكل موجودة منذ عصور ما قبل التاريخ، وتمثل ذلك في العناية بالشعر، وإضافة المساحيق واستخدام العقود والحلقان والأساور، وكذلك تجميل الملابس وغير ذلك من أدوات التجميل. ولكي يتم الإنسان عمله في هذا الشأن كان إما يقوم به بنفسه أو يستعين بأفراد عائلته أو جيرانه، ومازلنا حتى عصرنا هذا تقوم الأم بالعناية بشعر ابنتها وأحيانا تتبادلان الأدوار، ولكن أيضا كان هناك من يمتهنون مهنة التزيين قبل العناية بالشعر أو الجلد أو بعمل الوشم، وغير ذلك ونحن نعرف في مجتمعاتنا الشعبية مهنة الماشطة والبلانة مثلا.
ويوضح الشرقاوي أن جراحات الجمال موجودة من زمن قديم، ولكن كحالات استثنائية، فنجد أبا القاسم الزهراوي الطبيب الأندلسي في القرن التاسع الهجري يذكر جراحة لعلاج تهدل الثدي عند الرجال، بقطع جزء من الجلد فوق الثدي، وجزء من الغدد لكي يرفع الثدي المتهدل إلى أعلى، ويذكر أن سبب إجراء هذه الجراحة هو أن الثدي عند الرجال يكون قبيحا جدا. وفي أواخر القرن التارسع عشر بدأت تظهر جراحات الجمال لعلاج تشوهات بسيطة في الأنف والأذن والثدي وكذلك ظهرت عمليات شد الوجه لاستعادة الشكل الشاب للوجه في أوروبا وخاصة الولايات المتحدة.
ويقول "رغم أن المجتمع لم يتقبل هذه الجراحات في أول ظهورها، واعتبرها نوعا من التفاخر والتعرض لمخاطر لا ضرورة لها، فإن تقدم التخدير وظهور المضادات الحيوية جعل هذه الجراحات آمنة، وانتشرت في جميع أنحاء العالم، وقد كانت في بداياتها تخص الطبقات الغنية من المجتمع، ولكن أصبحت الآن متاحة للجميع، بل وأصبح هناك طرق كثيرة للتخلص من التجاعيد دون تدخل جراحي، مثل مادة البوتوكس واستخدام خيوط خاصة وأنواع مختلفة من المراهم الطبية".
ويتساءل الشرقاوي: ما هو المعيار الذي يعتمد عليه جراحو التجميل للوصول للشكل الجميل؟ ويجيب "إنه المعيار الغربي بكل تأكيد، فنسب الوجه المثالية وشكل الأنف أو الثدي المثالي هو ما قرره جراحو التجميل بالغرب بناء على اختيار الشكل المحبب لدى الأوروبيين والأمريكيين. وتم تثبيت هذا الشكل في الأذهان عن طريق اختيار نجمات السينما والتلفزيون بالإضافة لعارضات الأزياء وفتيات الإعلانات بحيث يكن مطابقات لهذا المعيار. هذا المعيار الذي أصبح عالميا، وأصبح الأفراد من الأجناس الأخرى يسعون لجراحة الجمال لكي يكون شكلهم قريبا أو مماثلا لهذا المعيار الغربي للجمال، فتكره الفتيات الآسيويات الجفن الآسيوي، ويسعين لإجراء جراحة تجميل لتغيير شكل الجفون لكي تماثل شكل الجفون في الفتيات الغربيات، وتكره الأفريقيات الأنف العريض والأفطس ويسعين لجراحة تجميل لكي تكون الأنف أقل في العرض مع زيادة في ارتفاعها لكي يماثل في الشكل الأنف الغربي، إنها مرة ثانية صناعة الجمال ووضعه في قالب محدد.