أخطأ العرب في فهم قوتهم فتغولت إيران

كان العرب يعرفون كل شيء عن أطماع إيران غير أنهم استخفوا بالحقائق.
السعودية صبرت على عداء إيران لها إلى درجة تفوق خيال الصبر
الشعوب الإيرانية تصمت حين يتعلق الامر بالنزعة العدوانية التي يتبعها نظام الولي الفقيه
العرب مرروا كذبة المقاومة بل وقدموا لها الدعم المالي السخي فإذا بها تتحول إلى وحش إيراني يبتلع لبنان

من أخطأ في حق الآخر، نحن أم إيران؟

إيران وهي دولة تتبع نظاما عقائديا صارماً تعرف ما تريد وهي تسعى إلى تحقيق أهدافها على حساب جيرانها العرب. لا يهمها في ذلك ما الذي تقوله الضحية. العيب في الضحية. ليس علينا هنا أن نوجه اللوم إلى إيران باعتبارها دولة تتبع نهج الاستعمار القديم. هي دولة مقفلة فكريا لن تتمكن من تحديث أدواتها وأساليبها. أن يكون هناك ولي فقيه، وهو نوع من التحايل على السلطة السماوية، فإن ذلك أمر هو من اختصاص الشعوب الإيرانية التي بغض النظر عن موقفها من النظام تملك موقفا عنصريا معاديا للعرب.

هنا يكون الموقف مركبا. ليس من اليسير على العرب ثقافيا وسياسيا أن يعلنوا حقيقة العداء الفارسي لهم وهو عداء يمتد عبر التاريخ. سيكون ذلك قراءة عنصرية للتاريخ. ولكن الشعوب الإيرانية تصمت حين يتعلق الامر بالنزعة العدوانية التي يتبعها النظام الإيراني. حتى المعارضة الإيرانية لا تتوقف عند ذلك السلوك إلا حين ترغب في أن تستعمله أداة في حربها وهي حذرة من ذلك الاستعمال خشية أن ينفض عنها مناصروها الذين لا يحملون كثير ود للعرب.

على هذا المستوى فإن النظام الإيراني لم يخطئ في حق الشعوب التي يحكمها حين سعى وراء أطماعه في الأرض العربية. أطماعه هي أطماع شعوبه، على الأقل الفرس منهم. أما حين اعترض المحتجون الاصلاحيون ذات مرة على التدخل الإيراني في شؤون لبنان والعراق وسوريا واليمن من خلال الميليشيات فإن اعتراضهم انصب على النفقات الباهظة التي يكلفها ذلك التدخل وليس على مبدأ التدخل الذي أنا على يقين أنهم يُلقنون أسسه مع أول حرف يتعلمونه في المدرسة.

في مقابل ذلك أخطأ العرب كثيرا في حق إيران.

بعيدا عن أحوال الدول العربية الأربع المنكوبة بإيران نجد أن المملكة العربية السعودية صبرت على عداء إيران لها إلى درجة تفوق خيال الصبر. كان حرق سفارتها بمثابة لحظة الذروة. ما الذي يمكن ان يفعله النظام الإيراني ليدفع السعودية إلى أن تتخذ موقفا صارما منه أكثر من ذلك؟ يوجه صواريخه إلى المنشآت النفطية. وقد فعلها غير مرة. لم تنفع كل محاولات السعودية للتهدئة. بل على العكس. زادت تلك المحاولات من عدوانية إيران حين اعتبرتها ضعفا وهي التي لا تعترف إلا بلغة القوة. يمكنها أن تستمع جيدا للأقوياء وتحرص على عدم ازعاجهم إلا في حالات، تكون على يقين كامل من أن ذلك الازعاج مطلوب من أجل تمرير مشاريع متلكئة، كما هو حال قصف الميليشيات في العراق للمصالح الأميركية.

هل تأخر العرب في فهم العدوانية الإيرانية؟ لا. إنهم يعرفون كل شيء. لذلك وقفوا وراء الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حرب الثمان سنوات ودعموه بمليارات الدولارات بل أنهم كانوا يتمنون استمرار العراق دولة قوية من أجل أن يكون حائط النار الذي يفصل ما بينهم وبين الفرس لولا حماقة غزو الكويت التي أعاقت العقل العربي ومزقت النسيج السياسي العربي بشكل كامل ودفعت العرب إلى هاوية العجز عن الفعل. كان العرب يعرفون جيدا أن مشروع الخميني في تصدير ثورته انما يبدأ من نقطة فنائهم والقضاء على كيانهم السياسي المجسد على هيئة دول مستقلة، ذات سيادة. وكان واضحا بالنسبة لإيران يومها أن العرب على درجة عالية من اليقظة وأنهم مؤهلون للتصدي لها غير أن صدام حسين أطاح بهم ونصرها من حيث لا يدري.

هل يجب أن نقول إن العرب أخطأوا في حق أنفسهم حين بدوا عاجزين عن فهم ما يجري حولهم ومن ذلك الغزوات الإيرانية المنظمة التي كانت تتم بطرق مختلفة غير أنها في عمومها كانت ناجحة؟

لقد مرروا كذبة المقاومة اللبنانية بل وقدموا لها الدعم المالي السخي فإذا بها تتحول إلى ذلك الوحش الإيراني الذي ابتلع لبنان. وافقوا على الغزو الأميركي للعراق من أجل اسقاط نظام العدو صدام حسين فإذا بالعراق يتحول إلى قاعدة عسكرية إيرانية لضربهم. لم يدركوا أن جماعة الاخوان المسلمين هي البديل لنظام بشار الأسد في سوريا التي وهبوها إلى إيران وذراعه حزب الله. أما في اليمن فقد غفلوا عن حيل الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح وساروا في جنازة الربيع العربي الذي استقدم الحوثيين ومن ورائهم إيران.

لقد أخطأ العرب في حق إيران من حيث أنهم كانوا يعرفون كل شيء عن أطماعها غير أنهم استخفوا بالحقائق ومن تلك الحقائق قدرتهم على التصدي لمشروعها والحيلولة دون ضياع دول عربية عزيزة، سيكون من الصعب استعادتها.