"أخيلة الظل" .. مركزية المُتلقي 

ما يحتل الموقع المركزي في رواية منصورة عزالدين هو خيالُ وذهن المتلقي الذي تُدخلهُ الكاتبةُ في دهاليز افتراضاتها التي تُبني عليها الروايةُ.
المتلقي يمضي في أثر تَخيُلات الساردة التي تختارُ مدينة براغ مُنصة للتعارف بين شخصيتين يجمعهما اهتمام واحد وهو الكتابة
الكاتبة تباغتُك بعودتها فيما تنكبُ على تتابع سرد حكاية غيرها

بقلم: كه يلان مُحمَد

إن كانت جمالية العمل الفني مصدرها البؤرة التي تلتقي فيها كل العناصر وتتبلورُ من خلالها نواةُ الوحدات المتناثرة في تضاريسها، فما يحتل هذا الموقع المركزي في رواية "أخيلة الظل" للروائية المصرية منصورة عزالدين هو خيالُ وذهن المتلقي الذي تُدخلهُ الكاتبةُ في دهاليز افتراضاتها التي تُبني عليها الروايةُ، لذا فعملية القراءة ما هي إلا مُتابعةُ لرسم المسارات التي ترسمها المؤلفة للشخصيات التي لا تكتشفُ تركيبتُها وسبب تأزُمِها مرة واحدة بل تباغتُك بعودتها فيما تنكبُ على تتابع سرد حكاية غيرها.
وفي ذلك يكمنُ التشويقُ والتحدي في آن واحد، لإنَّ هذا الأسلوب يتطلبُ نباهة في التقاط الإشارات وعصف ذهني لما يدور من الأحداث وإلا من الصعب ربط أجزاء العمل والوصول إلى خيط يجمعُ بين ما تتواردُ من أسماء كثيرة في مساحة محدودة، وتنظيم المبني الحكائي، كل ذلك يؤكد ما أعطتهُ صاحبةُ "جبل زمرد" للمتلقي من دور محوري، إذ تأتي الجملةُ الإفتتاحية لتنسفَ الصيغ التي توحي بأنَّ السردَ لا يبدأُ إلا حينما ينتهي كلُ شيء في الحكاية وأصبح ماضياً، هذا ما لايتسقُ مع غاية الساردة وهي وجه آخر للمؤلفة التي تريدُ إشراك مُستهلك المادة الأدبية في تصميم الرواية.
لذلك تتكررُ عبارات توهمُ بعدم الفصل بين زمن الكتابة وزمن القراءة، خصوصاً في مُستهل كل فصل، وهذا ما يدعمُ موقع المتلقي أكثر في التفاعل مع سيناريوهات الساردة، والتمثيل البصري لما تتالى من المشاهد، وذلك بفعل التركيز على مكونات المكان والتمليح إلى البينة الخارجية لبعض الشخصيات.
كائنات مُعلقة  

عصف ذهني
وقائع مُتَقاطعة مع أحداث تاريخية في سيرورة السرد

يمضي المتلقي في أثر تَخيُلات الساردة التي تختارُ مدينة براغ مُنصة للتعارف بين شخصيتين يجمعهما اهتمام واحد وهو الكتابة، بينما يُتوقع أن تتواتر المعلومات عن الشخصين في باحة متحف كافكا يتوقف السرد، وتستوجبُ الساردةُ المتلقيَ عن رأيه في تحديد اسم وهوية شخصيتيها، إذ سيحملُ الرجلُ اسم آدم من مدينة ستايل وستعرفُ المرأة المُكتنزة باسم كاميليا آتيةُ من مدينة القاهرة، فالأخيرة قبل تحكي لصديقها تفاصيل ما رأتهُ في الحلمِ وكان مسرحهُ مدينة براغ إذ تباشرُ كاميليا في كتابة القصة عن حياة كاتبة روسية تكتبُ بدورها عن طفلة ناجية من المذبحة ويقيمُ مع الروسية عازف الموسيقى لم تُحددْ جنسيته بعد. 
وبذلك تتأرجح شخصيات العمل في أطوار ضبابية، ناهيك عن تناسُلِ سيل من الصور والمشاهد والوقائع المُتَقاطعة مع أحداث تاريخية في سيرورة السرد، كما تتداخل الأزمنة وتتداعي الذكريات حيثُ تستعيدُ كاميليا لحظة وجودها في حديقة الحرية قبل السفر إلى براغ بأسبوعين، هناك تتفاجأ بما كان يعلو على وجهها من التغيير على أثر حادث لا نعرف تفاصيله إلا في فصول متلاحقة. 
بالمقابل فإن آدم يبوح لـ كاميليا بما راوده بأن يكون كاتباً منذ أن تعرف على "لافكرافت" ومن ثُم تتدخلُ الساردة من جديد مفترضةً الخلفية الأسرية لشخصية "آدم" وهو حفيد لاجئة شرق أوسطية التقت بحاراً يونانياً في بيروت واستقر بهما في المقام في "سياتل" الأمر الذي أورثَ حب متابعة الأطلس لدى آدم مًتحرياً مُنعرجات تلك الرحلة.
ولاينتهي الشغفُ عند هذا الحد بل يرغبُ الحفيدُ بكتابة قصة عن "ناجٍ" يستفيقُ على أنقاض ما تركته كارثة في محيطه، وما أنْ فكر آدم في بطل قصته حتى لاحت له صورة الجدة، لا تتوقف لعبةُ تبادل الأدوار في رواية "أخيلة الظل" ما رأيته كاتب قصة تتحول حياتهُ إلى مشروع قصة في أجندة شخصياته الروائية، لذا تزدادُ حدةُ المُفاجأة لدى المتلقي عندما تخرجُ المرأة الروسية تخايلتها كاميليا في الحلم لِتُسردَ قصة الأخيرة وصديقها ومن ثُم تضيف شخصية "آميديا" إلى مدونتها السردية صانعة لها أصلاً شرق أوسطية ومن جذور آشورية، وهذا لا يختلف عما ذكره آدم عن جدته، ومن ثُم تتأملُ صورة تنبعث من سطح مكتبها وما هي عناصر الصورة إلا كاميليا ومناظر الطبيعة.
وفي ذلك تعولُ الكاتبة على التفاعل بين الفن التشكيلى والرواية، إذ أوحت اللوحات الفنية بفكرة تأليف النصوص الأدبية للكتاب الكبار، مثل صموئيل بيكت وغيره، وما يُحسبُ للكاتبة في هذا الحيز هو قدرتها على توليد المشهد البصري في مخيلة القاريء عندما يتتبعُ مجال رؤية أولجا.