أذل الأميركان قوتهم حين انتصروا في العراق

كان واضحا لأي ذي عقل أن الحرب وإن كان الهدف منها إسقاط نظام صدام حسين بعد أن استجاب لكل أسباب التدمير الذاتي لن تتمكن من انجاز هدفها من غير تدمير العراق دولة وشعبا وبنى تحتية واقتصادا ونسيجا اجتماعيا.
ما الذي يمكن أن يفعله شعب جائع وزعامة سياسية يائسة نجحت بمهارة في عزل نفسها عن العالم
الولايات المتحدة استعرضت قدرتها على الإيذاء في مدن صغيرة ومسكينة مثل الفلوجة والنجف
خدعت المعارضة العراقية السابقة نفسها ولم تخدع واشنطن التي تعرف أن حربها لا تستقيم إلا بالقوة المفرطة

لمناسبة مرور ثمانية عشر سنة على اليوم الرسمي الأول للانتصار الاميركي في العراق لا يسع المرء سوى أن يعبر عن احتقاره للقوة.

فحين زجت الولايات المتحدة بجيشها الجبار الذي يملك أحدث الأسلحة وأكثرها فتكا في حرب ضد دولة، كان شعبها يتضور جوعا ويئن قهرا وإذلالا فقد الحقت بالقوة التي تملكها عارا لا يمكن أن يُمحى.

كانت الولايات المتحدة ولا تزال هي الدولة الأقوى في العالم لا على الصعيد العسكري وحده بل وأيضا على الأصعدة الاقتصادية والعلمية والتقنية والتعليمية والثقافية. لا أحد ينكر تفوقها. إن ظهر مجنون هنا أو هناك وقام بالتشكيك بذاك التفوق فإن ذلك لا يدعو إلا إلى السخرية والشفقة.

كان ذلك وضع العراق يوم غزته القوات الأميركية زعيمة لتحالف عسكري عالمي (أوروبي في الأساس) حاولت الولايات المتحدة من خلاله أن تضفي على غزوها غير القانوني طابعا شرعيا ملفقا.

كان واضحا لأي ذي عقل أن تلك الحرب وإن كان الهدف منها إسقاط نظام صدام حسين الذي تمت شيطنته بعد أن استجاب لكل أسباب التدمير الذاتي لن تتمكن من انجاز هدفها من غير تدمير العراق دولة وشعبا وبنى تحتية واقتصادا ونسيجا اجتماعيا.

اما ما قيل عن استجابة الولايات المتحدة لوضع إنساني قاهر فرضته السياسات الرعناء والطائشة التي كان نظام البعث قد اتبعها في التعامل مع الشعب العراقي بعد أن انزلق في متاهة حروب لا تنتهي فلم يكن سوى محض هراء.

في كل الأحوال فإن الحرب التي لا تبقي ولا تذر على الطريقة الأميركية لن تشكل وسيلة للانقاذ أو الخلاص. فإذا كانت المعارضة العراقية السابقة قد إدعت بأن الشعب العراقي كان عاجزا عن تغيير النظام السياسي الذي عزله عن العالم وحطم قدرته على العيش السوي فإن حربا كونية تشن على العراق لن تهب ذلك الشعب القدرة على إحياء علاقته بالحياة السوية. وذلك ما حدث بعد التاسع من نيسان/أبريل عام 2003.

لم يقل الإميركان يومها "لقد خدعتنا المعارضة". بل العكس حدث تماما بالرغم من أن عددا من قيادييهم قد اعترفوا بأنهم كانوا يكذبون وأنهم تبنوا معلومات كانوا يعرفون أنها كاذبة وأن كل ما حدث كان عبارة عن مهرجان للألعاب النارية ذلك لأن العراق لم يكن يملك ما يؤهله للدفاع عن نفسه.

ما الذي يمكن أن يفعله شعب جائع وزعامة سياسية يائسة نجحت بمهارة في أن تعزل نفسها عن العالم فلم يعد لديها أصدقاء؟

غير أن الأميركان لم يكتفوا باللهو الذي انتهى يوم التاسع من نيسان.

كان عليهم أن يخترعوا لحربهم الكونية أسبابا أخرى غير تلك التي تتعلق بالنظام الذي تبين أنه كان أكثر هشاشة وضعفا من أن يُحارب بالأسلحة التقليدية فكيف وقد اُستعملت من أجل إسقاطه أسلحة فتاكة تُجرب لأول مرة. ولكن هل فوجئت الإدارة الأميركية يومها بأن المعارضة العراقية قد خدعتها حين أوهمتها بأن نظام صدام حسين لا يُقهر بالأساليب التقليدية؟

تلك كذبة إن صدقناها فسيكون علينا أن نصدق كل الأكاذيب التي صارت تشكل مفردات لقاموس ثقافة الاحتلال. هل نصدق أن إدارة الرئيس جورج بوش الابن كانت قد صدقت من أن الشعب العراقي سيستقبل الدبابات الأميركية بالورود كما كان أحمد الجلبي يقول؟ ليس الاميركان بتلك السذاجة. لذلك فإنهم جهزوا خططا على هامش تدمير الدولة العراقية والجيش العراقي والأجهزة الأمنية. كان العراقيون يومها على موعد مع كوارث مضافة لا علاقة لها بالحرب التي قيل أنها ستنقذهم وستكون مصدر خلاصهم. وفي ذلك لم تخدع المعارضة الأميركان بل خدعت الشعب العراقي.     

كانت القوة الأميركية لم تستنفد بعد أسباب غلوها وتعاليها وغطرستها ورغبتها في استعراض قدرتها على الإيذاء وهو ما بدا ظاهرا في الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة ضد مدن صغيرة ومسكينة كالفلوجة والنجف. كم كان مهينا للأميركان أن يجربوا أحدث أسلحتهم لقتل بشر لا يملكون للتعبير عن مقاومتهم سوى أنهم استقبلوا القوات الغازية ملوحين بالأحذية المنزلية.

كان ذلك واحدا من المشاهد التي هزمت القوة الأميركية.

خدعت المعارضة العراقية السابقة نفسها ولم تخدع الولايات المتحدة التي كانت تعرف أن حربها لا تستقيم إلا في ظل الاستعمال المفرط والعشوائي للقوة. ذلك ما عبرت عنه الشركات الأمنية (بلاك ووتر وسواها) حين قتلت بشرا عزلا لكي تخلي الطريق أمامها.

أذلت حرب العراق القوة غير أنها في الوقت نفسه أذلت أنصارها من العراقيين حين لم تنفعهم قوتها.