أردوغان يشتري السلم وأصوات الناخبين بإجراء تسكيني

الرئيس التركي يقرر رفع الحد الأدنى للأجور للمرة الثالثة على التوالي مع ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي، في خطوة لن تعالج تدهور الوضع المعيشي للأتراك مع ضعف قيمة الليرة أمام الدولار.
أردوغان يواجه وضعا صعبا قبل انتخابات تعتبر حاسمة لمستقبل السياسي
تدهور الوضع المعيشي للأتراك يحدد مسار أصوات الناخبين

اسطنبول - أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الخميس رفع الحد الأدنى للأجور في تركيا للمرة الثالثة هذه السنة، في مسعى لاحتواء الارتفاع الشديد في أسعار الاستهلاك في عملية هي أقرب لشراء السلم الاجتماعي واستقطاب أصوات الناخبين قبل انتخابات مصرية بالنسبة لأردوغان وحزبه العدالة والتنمية.

ويحاول الرئيس التركي من خلال إجراءات تسكينية ترقيع شعبية متهاوية على خلفية الأزمة الاقتصادية وتدهور الوضع المعيشي للأتراك تحت وطأة أسوأ أزمة مالية ناجمة في جزء كبير منها عن سياسات أردوغان غير التقليدية التي اعتبرتها المعارضة تدميرية بالنسبة للعملة الوطنية وللاقتصاد.

ويقول خبراء إن رفع الحد الأدنى للأجور لا يعالج أساس المشاكل الاجتماعية وأنه مجرد إجرائي سياسي يراد منه خداع الناخبين بينما لن يكون له أثر يذكر مع انهيار قيمة الليرة مقابل الدولار.

ويخشى أردوغان وحزبه العدالة والتنمية الإسلامي الذي يهيمن على الحكم منذ العام 2002، من انتكاسة سياسية تخرجه من الحكم من الباب الصغير على غرار سيناريو خروج حزب العدالة والتنمية المغربي من الحكم بعد عشر سنوات من الحكم.

ويخوض الرئيس التركي الاستحقاق الانتخابي المقرر في يونيو/حزيران من العام القادم برصيد من النكسات السياسية والاقتصادية وهي عامل مهم في تحديد مسار صوت الناخبين.

لذلك يسعى قبل انتخابات رئاسية وتشريعية حاسمة بالنسبة لمستقبله ومستقبل حزبه السياسي، لتهدئة التوترات الاجتماعية مع ارتفاع منسوب الاحتقان بسبب الأزمة المالية الناجمة عن انهيارات متتالية للعملة الوطنية الليرة وارتفاع قياسي في معدل التضخم، ما تسبب في تدهور المقدرة الشرائية للأتراك.

ويعيش أكثر من 40 بالمئة من الأتراك بالحد الأدنى للأجور ويئن معظمهم تحت وطأة موجة غلاء في الأسعار وتدهور الوضع المعيشي للغالبية العظمى للمواطنين، بينما تعتبر هذه العوامل محددا مهما في مسار الانتخابات القادمة.  

ووصل أردوغان  إلى السلطة قبل حوالي عقدين من الزمن بعد أن نال تأييد الفئات العاملة. وهو بحاجة إلى هذا الدعم مجدّدا لضمان إعادة انتخابه في يونيو المقبل، غير أن فقراء تركيا كانوا الأكثر تأثّرا بتداعيات الأزمة الاقتصادية التي رفعت معدّل التضخّم السنوي إلى قرابة 85 بالمئة وفق الأرقام الرسمية.

وأعلن أردوغان  الخميس أن الحدّ الأدنى للأجور الشهرية الصافية سيرفع إلى 8500 ليرة تركية (حوالى 455 دولارا) اعتبارا من الأول من يناير المقبل. وكان الحد الأدنى للأجور يبلغ 2826 ليرة تركية نهاية ديسمبر/كانون الأول 2021.

ورفع إلى 4253 ليرة تركية في يناير الماضي ثم إلى 5500 في يوليو وهو مستوى غير كاف للعيش في المدن الكبرى مثل اسطنبول، لكن مع انخفاض قيمة الليرة التركية بفعل هذا القرار، لن تشهد الأجور سوى ارتفاعا بسيط بالدولار مقارنة بالعام الماضي.

واندلعت الأزمة الاقتصادية الأخيرة في تركيا عندما قام أردوغان  الذي لطالما كان يعارض أسعار الفائدة المرتفعة بالضغط على المصرف المركزي بغية خفض الارتفاع الشديد في أسعار الاستهلاك من خلال خفض تكاليف الاقتراض.

وتقوم التوصيات الاقتصادية التقليدية على دفع صناع السياسات إلى لجم التضخّم من خلال احتواء الطلب ورفع تكلفة الأعمال من خلال رفع أسعار الفائدة.

وتسببت مقاربته  للوضع بأزمة سعر صرف أدّت إلى فقدان الليرة التركية قرابة نصف قيمتها في خلال أسابيع السنة الماضية. وقضى ردّ الحكومة بإنفاق الاحتياطي على تدابير لدعم العملة الوطنية وفرض قواعد اقتصادية معقّدة لاحتواء التضخّم.

وتعهّد أردوغان  الخميس بخفض التضخّم إلى 20 بالمئة بحلول نهاية العام المقبل. وقال في خطاب متلفز "سنشهد تراجعا سريعا لنسب التضخّم اعتبارا من هذا الشهر".

ويتوقع محللون أن يبدأ التضخّم بالانخفاض انخفاضا حادا، إذ أن البيانات ستقارن بأخرى تمتدّ على 12 شهرا سابقا عندما كانت الأسعار تشهد ارتفاعا جنونيا، لكنهم يرون أنه سيبقى مرتفعا إلى حدّ بعيد إلى أن يسير أردوغان  في المسار المعاكس أو تلتزم الحكومة الجديدة بالانضباط المالي.

وكانت النقابات تطالب برفع الحد الأدنى للأجور إلى 9500 ليرة تركية في الشهر إلا أن رئيس البلاد أشار إلى أنه تعذر التوصل إلى اتفاق، موضحا "بعد سلسلة من اللقاءات لم يتوصل الموظفون وأصحاب العمل إلى اتفاق على المبلغ"، معتبرا أن "التسوية معقولة".

ولم تصدر عن المصرف المركزي الخميس أيّ بادرة للمساومة مع إبقاء أسعار الفائدة المرجعية بحدود 9 بالمئة. ويعني معدّل التضخّم الرسمي في تركيا بواقع 84.39 بالمئة أن البنوك تخسر 75.39 بالمئة من قيمة القروض إذا ما أقرضت أموالا على سنة بسعر الفائدة الرسمي. وقد يؤدّي هذا الوضع إلى تقويض الإقراض وإبطاء النموّ الاقتصادي.

وكتب نيكولاس فار من مجموعة 'كابتال ايكونوميكس' في مذكّرة إلى العملاء "سيستمرّ تباطؤ النموّ الاقتصادي في النصف الأول من العام المقبل ومن الوارد جدّا أن يضغط الرئيس أردوغان على البنك المركزي لتليين سياسته أكثر قبل انتخابات العام المقبل".

واعتبر فار أن الضغوطات لدفع المصدّرين الأتراك إلى بيع دولاراتهم "وعملاتهم الأجنبية ساعدت في ضمان استقرار العملة في الأشهر الأخيرة، لكن الوضع غير مستدام ونتوقّع انخفاضا للعملة بنحو 20 بالمئة في مقابل الدولار بحلول نهاية 2023".

وتعيش تركيا حالة من الاضطراب المالي على الرغم من الصورة الوردية التي ترسمها البيانات الرسمية للوضع الاقتصادي والمالي.

وأظهرت بيانات للبنك المركزي التركي اليوم الخميس أن صافي احتياطياته من النقد الأجنبي قفز بنحو 1.37 مليار دولار إلى 28.13 مليار دولار في الأسبوع المنتهي في 16 ديسمبر/كانون الأول، مسجلا أعلى مستوى منذ أواخر 2021.

وهذه القفزة تفسر إلى حد ما بحصول تركيا على ودائع من الخارج أو من خلال عملية شراء العملات التي انتهجها البنك المركزي من خلال فرض قيود وإجراءات على المصدرين ورجال الأعمال.

والقفزة في احتياطي النقد الأجنبي قد لا تكون واقعية بقدر ما هي ظرفية خاصة وأن الليرة لم تغادر مربع عدم الاستقرار ومعرضة في كل لحظة لموجة انهيارات، فيما تشير التوقعات أنها قد تفقد في العام القادم نحو 20 بالمئة من قيمتها.

واستخدمت رويترز الخميس سعر صرف عند 18.6254 ليرة لكل دولار. وهبط صافي احتياطيات النقد الأجنبي إلى 6.07 مليار دولار في يوليو/تموز، وكان ذلك أدنى مستوى في ما لا يقل عن 20 عاما، إلا أنه يرتفع منذ ذلك الحين. وزادت الاحتياطات بشكل حاد منذ 30 سبتمبر/أيلول عندما كانت 9.7 مليار دولار.

وهوت احتياطيات العملات الأجنبية في السنوات الأخيرة بسبب التدخلات في السوق فضلا عن حدوث أزمة عملة في ديسمبر/كانون الأول. وخسرت الليرة 44 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار العام الماضي. كما انخفضت العملة بنحو 30 بالمئة مقابل الدولار هذا العام، ولا يزال التضخم قرب أعلى مستوياته في 24 عاما.

وأظهرت بيانات المركزي التركي أيضا أن حيازات الأتراك من النقد الأجنبي والمعادن النفيسة تراجعت لما دون 200 مليار دولار لأول مرة منذ مايو/أيار 2020، إلى 199.34 مليار دولار في 16 ديسمبر/كانون الأول. وتراجعت الحيازات بشكل حاد في الأسابيع الماضية بعدما بلغت حوالي 214 مليار دولار في نهاية أكتوبر/تشرين الأول.