أرنب الفساد وسلحفاة الاصلاح

لا مفاجآت في الكشف عن الفساد. المفاجآت في الحديث عن الاختلاف بين الفاسدين.
مع انهيار قواعد قياس الفساد في سوريا ليس هناك ما يُمكن اصلاحه
الفوضى والحرب ساعدتا النظام السوري على التنصل من جهود مكافحة الفساد
الفساد يحفظ ميزان القوى بين الاطراف السياسية العراقية
المطالبة بإصلاح حقيقي أصبح ثقيلا على المجتمعات في ظل انظمة غارقة في الفساد

حتى في سوريا هناك مَن يتحدث عن الاصلاح ومحاربة الفساد.

لو نظرنا إلى سوريا وهي بلد منكوب من فوق لرأينا مدنا مهدمة تتنقل بينها العصابات التي تجاوزت بجرائمها ضد الإنسانية معادلة الاصلاح والفساد. ليس هناك ما يُمكن اصلاحه في ظل انهيار القواعد التي يمكن أن تُقاس من خلالها نسب الفساد.

كان الفساد قد تحول في ظل النظام الشمولي إلى تقليد حكومي أما حين فلتت أجزاء من سوريا من قبضة ذلك النظام مستسلمة للفوضى فإن ذلك التقليد قد اتسعت دائرته وصار يتجلى من خلال أنواع وأساليب جديدة.  

على مقربة من سوريا المحطمة تقع دولتان فاشلتان هما العراق ولبنان، لسانهما لا يمل من الحديث عن الفساد والاصلاح. ينفس الشعب عن غضبه بهجاء الفساد والفاسدين وفي المقابل لا تمل الطبقة السياسية الحاكمة عن الحديث عن الاصلاح.
بالعودة إلى ما شهدته سوريا فليس ضروريا سؤال من نوع ما المقصود بالفساد بالنسبة للشعب وما المقصود بالاصلاح بالنسبة للطبقة السياسية؟

الشعب لا يطالب بالاصلاح فيما يصر الحكام على تجاوز عقبة الفساد.

يتهم كل طرف بما لا يليق به.

قد يكون حدثا غير مسبوق في سوريا أن يتم الحديث عن الفساد علنا. فرئيس النظام حتى بعد أن اضطر الناس إلى الخروج إلى الشارع احتجاجا على الفساد عام 2011 رفض أن يعترف أن أن نظامه في حاجة إلى إصلاح.

كانت لغة التعالي التي اتسم بها خطاب الرئيس تعليقا على الاحتجاجات قد كشفت عن الشعور السائد لدى الطبقة السياسية بأن الشعب هو الطرف الذي يحتاج إلى إصلاح. لذلك سيعمل النظام بأجهزته القمعية على إصلاحه.

تلك فكرة جرت سوريا إلى ويلات الحرب التي انفتحت بها على الخراب.

هناك سوء فهم ستدفع ثمنه الحياة السوية بضمنها معادلة الفساد والاصلاح. فلا أحد يعرف متى ينتهي الفساد ليبدأ الإصلاح ولا أحد في إمكانه أن يتكهن لمَ يفشل الإصلاح ويفلح الفساد في إرساء قواعده.

صار الفساد وجهة نظر يمكن أن يفرضها الأقوى في السلطة. كذلك الإصلاح فإنه لا يقوم إلا بسبب حاجة ذلك الطرف القوي إلى أن يتخلص من خصومه الذين صاروا يشكلون مصدر ازعاج له.

أسقط الرئيس السوري بشار الأسد امبراطورية ابن عمته رامي مخلوف بسبب فساده. سقوط مخلوف فاجأ الجميع غير أن الحديث عن فساده لم يفاجئ أحدا. ذلك الفساد هو جزء من فساد النظام الذي طالب الشعب بتغييره.

اما في العراق فإن النظام ليس كما في سوريا كتلة واحدة. ذلك النظام يتألف من كتل سياسية عديدة. كل واحدة من تلك الكتل تمتلك ملفات فساد يمكن أن تدين من خلالها الكتل الأخرى بالفساد.

ملفات الفساد تلك هي التي تحفظ ميزان القوى. من خلالها تتمكن كل كتلة من الحديث عن الفاسدين الآخرين وتنادي بالإصلاح من أجل تهديدهم.
يصلح ذلك الحكم على لبنان. فحزب الله ليس هو الطرف الفاسد الوحيد. لذلك فإنه يهدد الأطراف الطائفية الأخرى بملفات فسادها.

اما الشعب في كل الدول الغارقة في الفساد فإنه لم ينظم نفسه ليصل إلى اتفاق نهائي حول مفهوم الإصلاح. فهل يمكن الإصلاح في ظل وجود الفاسدين؟ ولكن مَن هم الفاسدون؟ هل علينا أن نشرك الطبقات السياسية الحاكمة في إمكانية التعرف على أولئك الفاسدين؟

أعتقد أن السباق بين أرنب الفساد وسلحفاة الإصلاح سيكون ظالما.

فالفساد خفيف اما الإصلاح فإنه ثقيل.

خفة الفساد تصدر عن اتفاق الفاسدين على مصيرهم المشترك اما ثقل الإصلاح فإنهم يرجع إلى اختلاف وجهات النظر لدى الاصلاحيين بين مَن يطالب بهدم المعبد كله وبين مَن يدعو إلى ترميم ذلك المعبد.