أزمة العملة تفضح الفساد المستشري في إيران

الضغوط الخارجية كانت فعالة لان الاقتصاد الإيراني يعاني من درجة عالية من الفساد وضعف الإدارة.
اعتقال 60 شخصا بتهم الاحتيال ومحاولة تقويض النظام المصرفي
لا احد يتحدث عن اصلاح البنوك والاستثمار واستحداث الوظائف

طهران - وسط انخفاض حاد في سعر العملة الايرانية قبل اعادة فرض العقوبات الاميركية في مطلع اب/اغسطس المقبل، اطلقت طهران حملة ضد الفساد واعتقلت عشرات الاشخاص، مشيرة الى مؤامرة يحوكها الاعداء ضد ايران.

ومنذ مطلع العام خسر الريال الايراني نحو ثلثي قيمته، وخسر 20 بالمائة من قيمته خلال يومين منذ عطلة نهاية الاسبوع حيث سجل انخفاضا قياسيا ووصلت قيمته الى 119 الف ريال للدولار.

ويلقي العديدون باللوم في ذلك على اقتراب موعد اعادة فرض العقوبات الاميركية في السادس من اب/اغسطس بعد قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، وكذلك على اسراع العديد من الايرانيين الى تحويل مدخراتهم الى الدولار.

واصدر البنك المركزي بيانا الاثنين لم يخرج عن الخط المعتاد معلنا ان الانهيار المفاجئ للعملة الوطنية مرده "مؤامرة الاعداء".

وقد لا يكون ذلك مصدره فقط هوس ايراني بالقاء اللوم على الخارج. فالولايات المتحدة وحلفاؤها من دول الخليج يشنون "حملة ضغوط قصوى" ضد الحكومة الايرانية، واثيرت شائعات بأن الامارات تحد من الامدادات الفعلية للدولارات الى ايران وهو ما ادى الى ارتفاع سعر الدولار في الجمهورية الاسلامية.

الا ان اخرين يقولون ان الضغوط الخارجية كانت فعالة فقط لان الاقتصاد الايراني يعاني من درجة عالية من الفساد وضعف الادارة.

ويبدو ان السلطات الايرانية تنبهت مؤخرا للازمة. فخلال عطلة نهاية الاسبوع اعلن القضاء اعتقال 60 شخصا بتهم الاحتيال ومحاولة تقويض النظام المصرفي. ويتوقع ان تجري اعتقالات اضافية.

وقال المتحدث باسم السلطات غلام حسين محسني ايجي ان العديد منهم يرتبطون مباشرة بالحكومة وهو ما سمح لهم على سبيل المثال باستيراد سيارات فاخرة بشكل غير قانوني، ويمكن ان يواجهوا عقوبة الاعدام اذا ادينوا بتهمة "الفساد في الارض" المعروفة في ايران.

تأتي الاعتقالات عقب موجة غضب ضد المتربحين الذين يستغلون علاقاتهم السياسية للحصول على الدولارات باسعار منخفضة غير حقيقية، وبعد ذلك استخدامها لاستيراد السلع باسعار رخيصة او بيعها في السوق السوداء لتحقيق ارباح هائلة.

وفي خروج كبير عن الممارسات الحكومية المعتادة، قام وزير الاتصالات الشاب محمد جواد ازاري جاهرومي في حزيران/يونيو بكشف مجموعة من مستوردي اجهزة الهواتف النقالة كانوا يستغلون النظام.

فقد حصلت تلك المجموعة على 250 مليون دولار باسعار رخيصة لاستيراد الهواتف، بحسب الوزير "الا ان اقل من ثلث ذلك المبلغ تم استخدامه لذلك الغرض" ملمحا الى انه تم استخدام باقي المبلغ لتخزينه او لبيعه في السوق السوداء.

ريبة في الشارع الايراني

ولقيت خطوة الوزير (36 عاما) شعبية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، الا انها واجهت انتقادات من بعض زملائه في الحكومة ومن بينهم وزير الصناعة محمد شريعتمداري الذي قال أن قيامه بامر مماثل في وزارته سيعني "شن حرب ضد القطاع الخاص".

ومع ذلك فقد اظهرت هذه الخطوة استعدادا جديدا لدى المسؤولين الايرانيين "لادخال الشفافية والمحاسبة في النظام"، بحسب اسفانديار باتمانغيليج، مؤسس منتدى اوروبا-ايران للاعمال.

واضاف "نامل في ان يفهم مزيد من المسؤولين ان هذا هو ما يريده عامة الناس".

"ازمة شاملة"

الأولوية الاخرى هي اصلاح السياسات الفوضوية التي سهلت التربح في المقام الاول، خاصة القرار الكارثي في نيسان/ابريل بتحديد سعر ثابت للدولار هو 42.000 ريال.

ولتطبيق هذا القرار اغلقت السلطات محلات صرف العملات وحظرت بيع الدولارات فوق السعر الرسمي وهو ما أدى بدوره الى طفرة في السوق السوداء.

وفي حزيران/يونيو اجبرت الحكومة على الغاء القرار وقالت ان السعر الرخيص سيستخدم فقط لشراء سلع اساسية مثل الادوية، بينما يتم التفاوض على سعر اعلى لشراء السلع الاخرى.

واقال الرئيس الايراني حسن روحاني الاسبوع الماضي محافظ المصرف المركزي ولي الله سيف بعبد الناصر همتي، ووعد بتبني سياسات جديدة بشأن العملة "في الايام المقبلة".

الا ان روحاني لم يقم بالكثير لمعالجة المشاكل الاعمق، ويتعرض لانتقادات من المحافظين والاصلاحيين بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور.

وقال الصحافي الاقتصادي مزيار معتمدي من صحيفة "طهران فاينانشال تريبيون" ان ايران "في ازمة شاملة وهذا هو ما يستقطب كل الاهتمام. لا احد يتحدث عن اصلاح البنوك والاستثمار واستحداث الوظائف".

وخوفا من حدوث ذعر عام تواصل الحكومة تأكيدها على ان كل شيء تحت السيطرة، ولكنها لم تقدم حتى الان سوى وعود غامضة بأنها ستخصص المزيد من الاموال لاستحداث الوظائف وتسليم المزيد من مشاريع البنية التحتية الى القطاع الخاص.

وقال معتمدي "مجرد قول اشياء ايجابية لا يساعد. الناس لا يصدقون ذلك". واضاف "الجميع يعلم ان هناك مشاكل هيكلية ولكن الحكومة تتعامل مع الازمات حين حدوثها ولا تعمل على الوقاية منها".