'أسطورة شجرة البان ـ موشكا' عرض ينبض بالحياة والحب والعطاء
تنفتح آفاق العرض المسرحي العماني "أسطورة شجرة البان ـ موشكا" على قضية أزلية وجوهرية في حياة الإنسان في عالم الماضي والحاضر المنفتح على تجليات الحرية والبحث عن السلام والأمن، ألا وهي قضية حرية وحق الاختيار، حرية الحب، حرية التآخي والعيش في سلام بين كل ما خلق الله، وكسر القيود التي كانت ولا يزال بعضها يحكم قبضته على المرأة في الكثير من المجتمعات.
العرض الذي أعقب افتتاح الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي بالعاصمة العمانية مسقط، أعده الكاتب العماني نعيم نور عن رواية "موشكا" للكاتب محمد الشحري، وهو يعتمد على إحدى الأساطير العمانية الخالدة المتناقلة عبر الأجيال والمتمثلة في "أسطورة شجرة اللبان". تحكي عن امرأة من قبيلة بني الخفاء ـ الجن ـ وقعت في عشق إنسي وتحملت وحدها وزر الخطيئة لأنها خانت عهد القبيلة وأعرافها فعاقبت نفسها بأن تتحول إلى شجرة تجرحها السكاكين لتخرج بدلا من الدم "لبان"، وهو البان الذي سعت ممالك وحضارات للحصول عليه وإحراقه في الأماكن المقدسة في بلاد الرافدين ومصر والشام وأوروبا والهند وبلاد فارس، اللبان الذي يقال عنه "مخ الآلهة".
فرقة مسرح مزون مع الكاتب محمد الشحري والإعداد المسرحي من نعيم نور قدموا حول هذه الأسطورة تجربة متكاملة، حيث الإبداع في الجمع بين الأسطورة العمانية وروح الحداثة، خاصة مع اللمسات السينوغرافية للمخرج يوسف البلوشي التي تعطي لكل مشهد عمقه وواقعيته.
وقد أكد نعيم نور أن المسرحية ليست مجرد عرض تعامل باحترافية في تعامله مع الأسطورة بل امتد إلى أداء الفرقة مع كل عنصر من عناصر المسرح، بدءا بالأداء التمثيلي والتعبير الجسدي للمجموعات وحتى التقنية مثل الإضاءة والموسيقى، ومن هنا فهو يشكل شهادة على قدرة الفنون العمانية على التفاعل مع تراثها والتراث العالمي.
المخرج السينوغرافي يوسف البلوشي ترك بصمة كبيرة في هذا العمل بتحويل القصة بعمقها الأسطوري وروحها التراثية العمانية إلى عرض ينبض بالحياة يحتاج إلى إبداع ورؤية استثنائية.. انطلقت أحداث المسرحية في بيئة يسودها الجفاف، حيث تنشأ فيها قصة حب بين الإنسي "غدير" والجنية "موشكا" التي تختلف في طباعها عن بقية أقرانها من الجن، فهي تحب البشر وترى البشر والجن يستحقون العيش في سلام، وأنهم ملهمون وحياتهم جميلة، حب غدير لموشكا يغير من طبيعة غدير وتصرفاته تجاه أهله وزوجته، فموشكا سلبت عقله وقلبه، أما موشكا فتخوض صراعا مع أبيها وقومها من الجن الذين يرون في تلك العلاقة أمراً محظوراً، فتواجه العقاب، وتتحمل خطيئتها دون أن تضحي بحبها من خلال الحفاظ على حياة حبيبها الذي قرر ملك الجن قتله، ومن ثم تقرر أن تتحول إلى شجرة "البان" يفوح عطرها كلما جرحتها سكين.
وعلى الرغم من الكثير من الجماليات الفنية التي تجلت في العرض على مستوى السينوغرافيا والديكور والأزياء والأداء الجسدي المتميز للمجاميع والفنون التراثية المأخوذة من محافظة ظفار مثل "فن النانا" و"فن هيلي"، والمأخوذة من محافظة شمال الباطنة مثل "فن المحوكة"، واللغة التي جاءت بعض كلماتها وجملها من اللغة الشحرية الجبالية، على الرغم من كل ذلك كان هناك خلل نتيجة عدم وضوح تطرحه تساؤلات تخص تجسيد عالمي الجن والإنسان من خلال عناصر خشبة المسرح التي تمثل الوادي: هل يشكل المدرج الوهمي الناقص البنيان واحتل مساحة كبيرة من خشبة المسرح هو التعبير عن عالمي الخفاء والوضوح؟؟ هل يسكن عالم الجن تحت والإنس فوق؟ وكيف وكلاهما استخدم قاعدته؟ هل فروع الشجرة الذابلة التي تتدلى على قاعدته كافية للتعبير عن الوادي أين أهل وأسرة هذا الإنسي "غدير" حيث لم نر إلا الجن وملكهم؟ وهل من دلالة رمزية لفروع الشجرة هذه المقلوبة؟ ثم أين ذهب هذا الإنسي بعد أن أعلن و"موشكا" ألا يتخليا عن بعضهما البعض أبدا؟ أيضا حمل موشكا منه لم يأت إلا عبر جملة قصيرة أثناء محاكمتها من ملك الجن، ولم يتجل واضحا في علاقتهما؟ ولماذا تدفع المرأة وحدها ثمن حبها؟، أيضا ما القيمة التي أضفها العزف الموسيقي بخاتمة العرض والذي قدمته أربعة عازفات من خلال آلة "القربة"؟، كل هذه التساؤلات التي يطرحها العرض تحتاج مراجعة لسياق القصة أولا ثم أيضا مراجعة من قبل المخرج فيما يخص مكونات العرض وعناصره الفنية.