أسماء بسام ترى أن مسرحيات فتحية العسَّال ترتبط بمدرسة النسوية الماركسية

الباحثة المصرية تؤكد أن مصطلح القوة دخل ساحة النقد الأدبي في إطار مناقشة الأيديولوجيا.
العلاقة بين السلطة والخطاب أصبحت جزءًا من المشترك العام بين ممارسي التحليل النقدي للخطاب
المسرح يعتمد دائمًا على القوة والحرية والمقاومة والسلطة

حاولت د.أسماء بسام في رسالتها التي نالت عنها درجة الدكتوراه "خطاب القوة في مسرح فتحية العسال.. دراسة من منظور نسوي" تطبيق خطاب القوة على المسرحيات النسوية لفتحية العسَّال، حيث قامت بتناول مسرحيات "البين بين" و"الخرساء لام . ألف. همزة . لأ"، و"بلا أقنعة" و"جواز سفر" و"سجن النساء" و"ليلة الحنة" و"المرجيحة". كاشفة أن مصطلح القوة دخل ساحة النقد الأدبي في إطار مناقشة الأيديولوجيا، وارتبطت القوة بالخطاب؛ فاللغة في حد ذاتها قوة أو سلطة، والخطاب لا ينفصل عن إرادة القوة، وأصبحت العلاقة بين السلطة والخطاب جزءًا من المشترك العام بين ممارسي التحليل النقدي للخطاب.
تقول بسام "حاولت دراسة سلطة أو قوة اللغة والظواهر السيميوطيقية في مسرحيات فتحية العسَّال، وحاولت دراسة الكيفية التي يقوم بها النص والكلام بتقنين وإنتاج ومقاومة اعتداءات السلطة الاجتماعية والمؤسساتية وهيمنتها ولا مساواتها، معتمدةً بذلك على تعريف فوكو لخطاب القوة لما نجد من تطابق لهذا التعريف والمقاومة النسائية الثقافية؛ ففوكو يستطيع بتعريفه حفر قبر العقل بما يسمى بحفريات المعرفة؛ فحيثُ تقوم السلطة تتكون المقاومة، وحيثُ تكون المُقاومة تُنتج اللغة، ويصبح الجسد السياسي موطن الاستثمار الوحيد لها، يتلاحم مع التاريخ ليجسدها، ومن ثمَّ تتكون اللغة والعلامات والأفكار مرورًا بالجسد الاجتماعي ووصولاً إلى الاقتصاد السياسي الذي من خلاله ينقش على الورق كما كان ينقش على الجسد وتتكون المعرفة، فمن خلال المقاومة نستطيع التعرف على وسائل المعرفة المختلفة بشتى أنواعها".
وتشير إلى أنَّ وجود قوة تستلزم وجود قوة مضادة، ولكلِّ فعلٍ رد فعل آخر، قد يكون رد فعل موازٍ وقد يعلو ويرتفع إلى أن يصل إلى درجة المقاومة اللغوية، هذه المقاومة ترتفع صداها حينما يشعر الطرف المقاوِم بالقهر والظلم والاستبداد، واغتصاب الأرض والعرض/ الجسد، ولا شك أنَّ هذه الفرضية القمعية المهيمنة نابعة من مصدر قوة أعلى وأقوى يتمثل في السلطة المؤسساتية التي تمارس خطاب القوة على المؤسسات الحكومية، وتفرض إرادتها بالإكراه، وتستخدم خطاب العنف وسيلة طبيعية مشروعة تهيمن بها على الطرف المقهور الذي يستخدم خطاب المقاومة للدفاع عن حقه المسلوب بأيديولوجيا لغوية عن طريق معاني ضمنية حجاجية وأقوال مأثورة، ونبر وتنغيم، وترتيب كلمات وأفعال، وتبادل أدوار، وأسلوب خاص بالمفردات.
وتلفت بسام إلى اختيارها للتطبيق على مسرح فتحية العسال يرجع إلى أنَّ المسرح دائمًا يعتمد على القوة والحرية والمقاومة والسلطة، ومن المتعارف عليه أنَّ المسرح هو أنسب الأنواع الأدبية لنقد ثقافة المجتمع، لإنه نتاج ثقافي ذات طبيعة اتصالية، والمسرح النسوي بالخصوص ارتبط بالمرأة المُهمشة، فهو وليد نسق ثقافي نشأ من هيمنة الرأسمالية والمؤسسات على المجتمع الذي جعل جسد المرأة جسدًا ثقافيًّا.  

University papers
د. أسماء بسام 

وانطلقت بسام اعتمادا على مسرحيات فتحية العسَّال المؤَلَّفة مصدراً أساسياً، وتضيف "حاولت تطبيق خطاب القوة في هذه الأعمال عن طريق تحليل عدد من ظواهر نحو النص واستخدام اللغة من أفعال كلامية، وردود أفعال، وأدوار الحديث، وأساليب حجاجية للإقناع، وخطابات لغوية لفظية وغير لفظية "السيميائية" لقياس التفاعل والاتصال الإيمائي، والتركيز على استراتيجيات التسمية، والتحركات الديناميكية والاجتماعية والمؤسساتية التي تسهم بشكل كبير في تشكيل العملية الاجتماعية المتعلقة جدليًّا بالسلطة المؤسساتية والمعتقدات الثقافية.
وترى أنه نظرًا للارتباط الوثيق بين خطاب القوة والمسرح؛ فالممثل على خشبة المسرح خطاب قوة، وتمركز الإضاءة خطاب قوة، والتمسك بالتقاليد الموروثة خطاب قوة من أجل الحفاظ على الهوية والتاريخ، والمساعدة في التصدي لهيمنة بعض البشر على بعض خطاب قوة؛ فإننا نهتم من خلال هذه الدراسة بتحليل الخطاب بمختلف الطرق العلاماتية التي تعد اللغة جزء منها، وتعد الصور المرئية ولغة الجسد الجزء الآخر".
وتؤكد بسام أن فتحية العسال تعتبر من أفصح الأمثلة لتطبيق خطاب القوة على مسرحها نظرًا لارتباطها بالأدب النسائي الذي يعتمد اعتمادًا كليًّا على المقاومة ونقد ثقافة المجتمع، فقد تمَّ اعتقالها سياسيًّا أكثر من مرة، واتجهت دائمًا وأبدًا في كتاباتها لتقاوم وتقول لا. أيضا فإن منظومة القهر بوجه عام شديدة الصلة بالمرأة أولاً، والرجل ثانيًا، فهي تشير إلى أنّ القهر النسوي هو نتاج لقهر الرجل أيضًا من مؤسسات أخرى، وأولها الرأسمالية التي تهيمن علي الاقتصاد وتسخر الإنسان؛ فالرجل حينما يستغل المرأة بحكم النظام الأبوي القائم على سلطة الرجل صاحب السيطرة الاقتصادية يُستَغل هو أيضًا من مؤسساتٍ أخرى.
وتعتبر بسام أن الباعث وراء اختيارها هذا الموضوع عدة أسباب منها: أولاً: مصطلح خطاب القوة مصطلح جديد في التطبيق النقدي. ثانيًا: أعمال فتحية العسَّال تناقش مشكلات المرأة ومصطلح خطاب القوة على جسد أعمالها؛ فهي أكثر ملائمة للتطبيق، لعلاقة هذا المصطلح بالأدب النسائي المُهمش علاقة وثيقة. ثالثًا: ارتباط فتحية العسال بالأيديولوجية السياسية؛ حيثُ تعرضت للاعتقال أكثر من مرة هي وزوجها عبدالله الطوخي، فتمثلت في كتاباتها سيكولوجية الإنسان المقهور.
وتعتمد بسام في دراستها على منهج التحليل النقدي للظواهر اللغوية والسيميوطيقية للخطاب مثل المفردات من أساليب إنشائية، وخبرية، ونحو النص، والتناص، وخطاب اللون والصورة، واستراتيجية التسمية.
وتقسم بسام دراستها إلى مقدمة، تمهيد، ثلاثة فصول، وخاتمة، وثبت المصادر والمراجع، وأخيرًا الفهرست. حيث تعرّف في التمهيد مصطلح خطاب القوة، وتتبع تعريف مصطلح القوة فلسفيًّا عند أرسطو وهيجل ونيتشه وألتوسير وماركس وفوكو، وبيير بورديو ولا تغفل التعرض لخطاب الهيمنة وخطاب السلطة باعتبارهما أداتين من أدوات خطاب القوة، ولماذا وقع الاختيار على مصطلح القوة ذاته؟ وربط هذا المصطلح بالأدب النسائي وبأدب ما بعد الحداثة وبالأيديولوجيا السياسية؛ حيثُ تعتبر أميركا دول العالم الثالث أنثى بالنسبة لذكورتها.
كما تعرّف بالمدرسة النسوية الماركسية التي تنتمي إليها فتحية العسال والتي تؤكد على البعد الاقتصادي، وكيفية استغلال العلاقة الاجتماعية بين الرجل والمرأة لخدمة البعد الاقتصادي، والخلفية السياسية والاقتصادية لهذه العلاقة.
وفي الفصل الأول تقوم بسام بدراسة خطاب العتبات باعتبارها لغة أثرت في منتوج المتلقي؛ محللة خطاب قوة العنوان، وخطاب قوة اللغة المرئية "اللون والصورة"، واستراتيجية التسمية. وفي الفصل الثاني تدرس الإرشادات باعتبارها لغة أثرت في المتلقي فيما يلي: أولاً: خطاب قوة الجسد. ثانيًا: خطاب قوة الإضاءة والظلام على الفضاء المسرحي. ثالثًا: خطاب الملابس وعلاقته بخطاب الهوية. رابعًا: خطاب قوة الموسيقي والغناء. خامسًا: خطاب قوة الديكور واللوحات داخل الفضاء المسرحي. 
أمَّا الفصل الثالث فتحلل فيه أساليب الخطاب في مسرحيات فتحية العسال: أساليب الخطاب الإنشائية "الأسلوب الاستفهامي، أسلوب النداء، أسلوب الأمر، أسلوب الدعاء، أسلوبا النهي والنفي، أسلوب التمني" باعتبارها لغة تُنتج لتغرب عقل المتلقي عن الحدث الأساس وتوجهه للمشاركة في فعل التمرد، ثم الأسلوب الخبري، ولغة السرد والحكي، وأخيرا أساليب المناقشة والإقناع أو الحجاج.
وخلصت تحليل بسام إلى عدد من النتائج منها، تقول: أولا رأيت أن فتحية العسَّال ترتبط أعمالها بمدرسة النسوية الماركسية، وهذا التيار يؤكد على البعد الاقتصادي للتفضيل النوعي بهدف المساواة في الأجور وساعات العمل.
ثانيا: اهتمت العسال بخطاب قوة مؤسساتي أنتجت كلماته ومفرداته من نموذج السجن، المصنع، المنزل القيد، كما اهتمت بخطاب قوة المراقب بداخل هذه المؤسسات. 
ثالثا: أنها اتخذت من الوقائع السياسية أداة يجب إيصالها بشكل مباشر أو غير مباشر إلى جمهور المتلقي عن طريق المناقشة أو الإقناع والحجاج بأسلوب النبر والتنغيم تارة، والتناص تارة أخرى، وأفعال الكلام، والضمائر المتصلة والمنفصلة والغائبة، وتبادل الأدوار للحثِّ على التمرد، والأفعال التي حُذف فاعلها للتملص من السلطة. 
رابعا: استخدمت خطاب القوة على جسد أعمالها المسرحية من أساليب إنشائية وخبرية غربت بها الحدث المسرحي للمشاركة والتفكير من جانب المتلقي، وأسلوب حجاجي إقناعي أثارت به المتلقي للقيام بثورة ضد الوضع القائم من سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، ودراما صغيرة بداخل الدراما للالتزام بقواعد المنهج البريختي.
خامسا: التزمت العسَّال بالسرد والحكي على لسان الطبقات النسوية باعتبار أنَّ أسلوب الحكي من سمات المرأة وأثبتت به أنَّ الشر هو القاعدة في مجتمع يسوده الطبقية، والمقايضة على جسد المرأة، والخير هو الاستثناء من هذه القاعدة؛ حيثُ التزام السلطة بالاشتراكية. 

University papers
المسرح دائمًا يعتمد على القوة والحرية والمقاومة والسلطة

سادسا: استخدمت العسال مفردات تشير إلى خطاب القوة ملتزمة بالأفعال التي تستنتج ردودها عند المتلقي، وغلب عليها الأسلوب الاستفهامي الذي يشير إلى تردد المرأة، ومحاولتها مشاركة المتلقي في ردود الأفعال، فهي دائمًا تتساءل لعدم تأكدها من أنها ستمنح إجابة نموذجية تشفي بها غليل المتلقي.
سابعا: توسَط الأسلوب الخبري وتلا الأسلوب الاستفهامي من حيثُ الكم، مما يشير إلى أنَّ الكاتبة لم تمتلك القدرة الكافية باعتبارها امرأة، لإخبار ومواجهة المتلقي، وقلَّ أسلوب الأمر، والنداء وغيرهما من الأساليب التي تشير بدورها إلى فاعل، فالأمر يحتاج إلى مأمور، والنداء يحتاج إلى منادي، والنفي والتمني يحتاج إلى أمر مأمول تمتلكه السلطة، وحذف هذا الفاعل للتملص من السلطة – أحيانًا -، والهروب من مساءلة خطاب السلطة.
ثامنا: استخدمت العسال استراتيجية التسمية التي تشير إلى خطاب القوة مثل خطاب المسجون والسجان وخطاب المدير والساعي، وخطاب قوة سياسي مثل الأحزاب السرية، وخطاب قوة اجتماعي مثل الرجل والمرأة، والفتاة والشاب، والخرساء، وخطاب قوة اقتصادي، وخطاب ساخر من التسمية المعجمية؛ حيثُ استخدام أسماء عكس معانيها، وأسماء تشير إلى أسماء الحيوانات، لتوجه متلقيها بضرورة إثبات الهوية والحفاظ على المكان.
تاسعا: كان خطاب العنوان، وخطاب اللون والصورة، عند فتحية العسال من أقوى الخطابات التي تهيمن على المتلقي وتضعه في موضع حيرة وشك وتردد من كثرة التساؤلات، ومن ثَمَّ تضفي ترددها كامرأة كثيرة التساول على خصوصية الآخر، وتجعله هو الآخر دائم الشك والتردد، فقد يحتوي عنوانها على مبتدأ خبره بداخل النص المسرحي لإثارة التشويق لدي المتلقي للولوج إلى عالمها، وقد يحتوي عنوانها على خطاب المسكوت عنه فتجعل متلقيها أكثر إثارة لمعرفة.. لماذا؟!
عاشرا: جاء خطاب الإرشادات بما يحويه من خطاب الجسد وخطاب لغة الإضاءة، ولغة الديكور عبارة عن ملحمة ديناميكية حركية تخاطب الآخر بلغة الحرية والتحرر من قيوده التي تسجن هذا الجسد بسجن مقايضة "بيع – وشراء" جسدي أو سجن اقتصادي للجسد، أو سجن مؤسساتي أو سجن سياسي أو اجتماعي، فهي تقاوم الآخر بخطاب قوة لغوي سيميوطيقي بقولها: لا.