أسمال طهران الثقيلة

الحديث عن مؤامرة خارجية للتغطية على الأزمة الداخلية في إيران لم يعد يقنع أحدا.

يبدو إن هجوم الاحواز قد فتح بابا لطرح ما دأب نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية على الإيحاء به منذ 4 عقود بشأن المناعة الامنية التي يتمتع به وصعوبة إختراقه، هذه المناعة التي يتم الإشارة إليها من قبل الاوساط الحاكمة في طهران بصورة ملفتة للنظر، لا يجب أن تعتبر ثمرة أو ميزة خاصة إبتدعها هذا النظام لوحده دون غيره من الانظمة، بل إنها نتيجة وحاصل تحصيل منطقي لأي نظام يتخذ نهجا إستبداديا، إذ ومع كل "التوابل" و"المقبلات" التي يضيفها هذا النظام على نفسه كي يظهر أو يبدو في إطار ديمقراطي، لكن من الواضح جدا إن المجتمع الدولي ولاسيما الدول الديمقراطية، تنظر بعين الريبة الى شكل ومضمون الحالة الايرانية خصوصا وإن الديمقراطية في ظل نظام يقوم على مبدأ ولاية الفقيه، تعتبر بمثابة خشبة رقيقة في يد المرشد الاعلى نفسه بإمكانها أن يكسرها وقتما شاء.

منح الاولوية للقضايا العسكرية والامنية وعسكرة الشعب وتقسيمه على أساس القرب أو البعد من النظام، هو الخط العام للنهج المتبع من قبل النظام القائم في طهران، ولو دققنا النظر في الملامح الاخرى لهذا النهج، فإن الغاية الاساسية من إضفاء الطوق الامني للنظام هو تحصينه ضد الشعب، ذلك إن أية حركة أو نشاط أو إتجاه معارض له إنما ينبثق من داخل الشعب، رغم إن النظام يحاذر دائما من تحديد الشعب الايراني كطرف معادي له ولذلك فإنه يصف أو يسمي أية حركة معادية أو انتفاضة مندلعة ضده بمصطلح "مٶامرة خارجية" و"أيادي أجنبية"، كما رأينا في انتفاضتي عام 2009، وديسمبر عام 2017، ومن الواضح جدا بأن نهجه هذا أيضا هو مشابه تماما لنهج الانظمة الديكتاتورية بهذا الصدد، بل وحتى يمكن القول من إنه لايختلف عن سلفه النظام الملكي إلا بأن العمامة قد صارت في مكان التاج!

النظام الايراني الذي يتعرض لهزات عنيفة باتت تتكرر بصورة ملفتة للنظر ولاسيما منذ إنتهاء عهد الرئيس الرئيس أوباما، حيث هناك شعب يواصل رفضه للنظام بصورة أو أخرى مع إعتراف القادة والمسٶولين الايرانيين بذلك وحتى تحذيرهم من تطور ذلك الى إنتفاضة يعتقدون هم وليس غيرهم بأنها ستكون جارفة كالسيل هذه المرة، كما إن هناك معارضة نشيطة صار لها دور وحضور ملفت للنظر على المستوى الدولي كما صار لها قواعد في داخل إيران بإعتراف المسٶولين الايرانيين أنفسهم ولاسيما معاقل الانتفاضة التي تقوم بالاشراف على الاحتجاجات الشعبية وتوجيهها بما يبقي حالة الرفض ومقاومة ومواجهة النظام مستمرة، كما إن هناك نأيا دوليا عن النظام بعد أن صارت أوضاعه الاقتصادية والسياسية تتفاقم ويتراجع دوره وينكمش على نفسه مرغما. وفي ضوء ذلك فإن الحديث عن مناعة النظام وهو يواجه كل هذه الحالات الصعبة والمعقدة، كلام لا يمكن إعتباره موضوعيا، خصوصا بعد أن رأينا كيف إن قضية إحتمالات سقوط النظام صارت تطرح بصورة ملفتة للنظر بعد الانتفاضة الاخيرة والتحذير من قبل وزير الخارجية الايراني ظريف على سبيل المثال لا الحصر من تكرار السيناريو السوري في إيران الى جانب ما يمكن أن نسميه بحملة للوبي الايراني في البلدان الغربية والذي يحذر هو الآخر مما ووصفه بالنتائج والتداعيات الكارثية لسقوط النظام الايراني ويدعو الى قبول "أهون" الشرين. غير إن هذا الكلام هو في الحقيقة مناقض للواقع ذلك إنه وبعد إنكسار وتحطم مناعة الاجهزة الامنية الايرانية وقبل ذلك إنكسار هيبة الولي الفقيه نفسه والذي يمثل روح النظام وأساسه، فإن طهران أشبه بمحارب خارت قواه وصار يجر خلفه أسماله الكثيرة التي كان يتحصن بها وصارت ثقيلة جدا عليه، ثقيلة الى الحد الذي ستتركها خلفها ذات يوم لم يعد بعيدا!