'أصوات الضمير'.. قصائد في وجه الإرهاب والتهميش السياسي

المجموعة الشعرية 'أصوات الضمير.. خمسون قصيدة من الشعر العالمي' ترجمها طلعت الشايب لشعراء مختلفين من أربعة أركان المعمورة.

تضم هذه المجموعة الشعرية "أصوات الضمير.. خمسون قصيدة من الشعر العالمي" التي اختارها وترجمها وقدم لها طلعت الشايب، خمسين قصيدة، تم اختيارها من ديوان الشعر العالمي، لشعراء مختلفين من أربعة أركان المعمورة. القصائد كلها مترجمة عن الإنكليزية، وبعضها مترجم إليها عن لغات شعرائها الأصلية.. القصائد كتبها أصحابها في وجه الإرهاب والعنف المادي والرمزي والاستغلال والقهر والقمع والسجن والنفي والاضطهاد العنصري والتهميش الاجتماعي والسياسي، سواء أكان ذلك من قبل أفراد وجماعات ودول أو ضد أفراد وجماعات ودول، حيث من الصعب أن نجد ثقافة من الثقافات، بما في ذلك تلك التي تدعي الديمقراطية والليبرالية، لم تلجأ إلى وسائل استثنائية لتحقيق أهدافها، أو على الأقل لكسر شوكة معارضيها وكتم أصواتهم.

يلفت الشايب في تقديمه للمجموعة الشعرية الصادرة ضمن كتاب الدوحة إلى أن الكثير من النظم والحكومات قد برع في استخدام كل الأساليب لقهر رعايا أو أقليات تعيش تحت سيطرتها، أو أحزاب وجماعات تعمل داخل ما يقال إنه إطار الشرعية، أو بالأحرى "قفص الشرعية" كما ينبغي أن نطلق عليه؛ فجرائم النازية والصهيونية والشيوعيات الشمولية وعنصرية جنوب أفريقيا ودكتاتوريات أميركا اللاتينية وممارسات عسكر الانقلابات في دول العالم الثالث، وإرهاب الجماعات والأفكار الدينية المتطرفة.. معروفة جيدا، والمعروف كذلك أنه ما زالت هناك أنظمة قمعية في أماكن كثيرة من العالم يسري فيها الظلم والقمع وانتهاك حقوق الإنسان سريان الماء والهواء.

ويوضح أن في المجموعة قصائد جديدة ربما لم يسبق أن سمع بأصحابها من قبل، وقصائد معروفة بقيت رغم مرور الزمن وتغير الظروف وثائق إبداعية حية وقيمة فنية وإنسانية وشهادة على الإصرار والإيمان بمستقبل أفضل للإنسانية. من بين هذه القصائد، قصيدة "الحرية" لبول إيلوار، و"إلى الأجيال القادمة" لبرخت، و"في انتظار البرابرة" لكافافيس، و"ذبحة صدرية" لناظم حكمت، و"في انتظار الإعدام" لريتسوس.. وغيرها، وهي قصائد سبقـني إلى ترجمتها آخرون سواء عن لغاتها الأصلية أو عبر لغات وسيطة. وقد أعدت ترجمتها ـ إلى جانب غيرها ـ بعد قراءة جديدة وفهم جديد، بصياغة حاولت فيها، بقدر فهمي واستيعابي وقدرتي على التعبير، "بعربية" لا تدهس قارئ الشعر، أن أقدمها للقارئ في ثوب جديد.

ويؤكد قصائد المجموعة كلها ـ قديمها وجديدها ـ تؤكد أن الإنسان هو الإنسان، وأن الظلم هو الظلم، وأن المقاومة هي المقاومة برغم اختلاف الزمان والمكان، وأن الشعراء الذين كتبوها بدمائهم إنما كانوا يكتبون أنشودة مشتركة تتجاوز حدود وقيود الجغرافيا والتاريخ والعرق واللون والدين، وكأنهم يرددون، كلهم، مع الشاعر الروماني إيوان كارايون، الذي كان صوته يخترق أنقاض نظام شاوشيسكو بالقرب من النهر الآسن: "سنعذبك، ثم نقتلك ونضحك، وسيقتلوننا ويضحك آخرون.. إنه الظالم يلد نفسه".

ويضيف "أصوات الضمير هنا، قصيدة كونية واحدة.. كأنها شمس ميلوش مصدر الألوان جميعا. كأنها حرية إيلوار المكتوبة على كل ما في الكون لكي تكون إلهاما لأجيال برخت القادمة. على أن القصائد التي اخترتها للترجمة ـ واختيار المرء وافد عقله ومبلغه – لا تركز على الشاعر كضحية دائما، إذ إن منها ما يقدم لنا الشاعر مناضلا خالدا في الكلمة والجسد والروح، وبعض من قضى منهم في السجن أو اختفى في ظروف غامضة لنا، معروفة لمن أخفاهم، ما زالوا أحياء في قصائدهم أو في شهاداتهم عن بقاء الآخرين. هنا، على صفحات هذا الديوان الصغير، يحول شعراء العالم الشعر إلى حياة، والحياة إلى قصيدة جميلة، ويسمون الأشياء بأسمائها الحقيقية. تقرأ قصيدة النيبالي بوبي شركان عن بلاد الضجيج والشائعات فتشعر أنك تعرف تلك البلاد جيدا، تقرأ قصيدة البيروڤي ڤاليجو يمشي وعلى كتفه رغيف، فتتحسس كتفك، تقرأ قصيدة الهندي شاندان، فتود أن تطلق النار ـ مثله ـ على تلك الساعات التي تخذلنا في حساب الوقت وتذهب لسماسرة الوقت، تقرأ قصيدة اليوناني كاڤافيس فتقر بأن أولئك البرابرة كانوا حلا السجن، فيعود إليك الأمل وتشعر بالقوة لأن أحدا "لن يستطيع أن يطفئ ضياء عين القمر".

ويؤكد أن قصائد المجموعة تمثل أصوات الضمير التي تقاتل ضد قوى الظلم والظالم، وتنتصر للحرية وللإنسان أينما كان، ولكل من يناضل "من أجل الحياة والحب وكل الأشياء الصغيرة... الطبيعة والخبز.. وشعر كل الناس" كما يقول السلڤادوري روكدالتون في قصيدته.

قصائد المجموعة تمثل أصوات الضمير التي تقاتل ضد قوى الظلم والظالم، وتنتصر للحرية وللإنسان أينما كان

فروغ فرخزاد (إيران)

هدية

أحدثكم

أحدثكم عن نهاية الليل

عن نهاية الظلام،

يا رفيقي،

إن كنت تقصد بيتي،

احمل لي معك مصباحا ونافذة صغيرة،

أريد أن أرى صخب الشارع السعيد!.

إيوان كارايون (رومانيا)

عند البحر الآسن

سنعذبك،

ثم نقتلك

ونضحك.

وسيقتلوننا

ويضحك آخرون.

نحن كبار في السن

وقساة بما يكفي،

ولذا لا نبالي.

كل شيئ صادق حتى الكذب

كل شيئ كاذب حتى الصدق..

إنه الظلام بلذ نفسه!.

راشيل كورن (بولندا)

ثوب جديد

اليوم.. لأول مرة

وبعد سبع سنين طوال

أرتدي ثوبا جديدا

لكنه قصير جدا على حزني..

كل زر أبيض من أزراره

يسقط مثل دمعة، من ثنياته،

ثقيلة كأنها حجر!.

إرنستو ديازي رودريجوس (اليونان)

الصغير

لو سألك طفل أن تصف له

كيف هي حياة السجين.. قل له أولا

إن هناك أشياء أخرى أكثر جمالا،

مثل الزهور في الربيع

عندما يكتسي ألف لون ولون.

أره السماء، الفراشة، النورس

وسترة ريشه الثلجية على سطح الموج.

لو بكى الطفل،

لو سألك فيما بعد أن تصف له

كيف هي حياة السجين

قل له إن هناك أشياء أكثر جمالا،

الوردة البيضاء.. النجمة البيضاء..

وألوان علم البلاد!

لو سألك طفل أن تصف له،

كيف هي حياة السجين،

غنّ له أغنية..

ولا تصف له حياة السجين!

ليلى الجبالي (الجزائر)

إلى الملازم د. الذي قام بتعذيبي!

صفعتني على وجهي

لم يحدث أن صفعني أحد من قبل

صدمة كهربائية..

ثم قبضتك، ولغتك القذرة،

 نزفت كثيرا..ً حتى لم أعد أستطيع

أن أحمر خجلا!

الليل كله

قاطرة في معدتي

أقواس قزح أمام عيني.

كأنني آكل قمي

أغرق عيني..

أياد فوق جسدي كله

وكأنيي أبتسم،

وجاء جندي آخر ذات صباح،

متشابهان.. كأنكما قطرتا دم،

زوجتك.. أيها الملازم..

هل قلبت لك السكر في فنجان القهوة؟

هل قالت لك أمك إنك كنت تبدو وسيما؟

هل لمست بأصابعك شعر أطفالك؟.

الكلمات الأخيرة التي وجدت في جيبه (إلى زوجتي)

نيكولا ڤاپتساروڤ (بلغاريا)

سأجيء في وقت ما، لكي أراك وأنت نائمة

زائرا سأجيء من البعيد.. ودونما توقع!

فلا تتركيني في الخارج واقفا في الشارع.

لا توصدي الباب دوني..

سأدخل بهدوء،

لا توصدي الباب دوني..  سأدخل بهدوء،

وأحدق في الظلام لكي أراك..

وبعد أن أرتوي

سأطبع قبلة على جبينك.. وأودعك.

نقش على ضريح

روبرت ديسنوس (فرنسا)

عشت في ذلك الزمان.

أنا ميت من ألف عام، ولم أسقط،

ولكني عشت مطاردا،

وعندما سجنوا كل متطلبات الإنسانية،

كنت حرا بين العبيد المقنعين!

عشت في ذلك الزمان

ولكني كنت حرا،

رأيت النهر والأرض والسماء

وهي تدور كلها حولي وتحفظ توازنها،

والفصول تهب طيورها وعسلها،

أنتم يا من تعيشون.. ماذا فعلتم بحظوظكم؟

هل أنتم نادمون على الزمان الذين كافحت فيه؟

هل زرعتم من أجل الحصاد العام؟

هل أثريتم المدينة التي عشت فيها؟

أيها الأحباء،

لا تفكروا بي، فقد مت..

لاشيء يبقى من روحي..

لا شيء يبقى من جسدي!

پول إيلوار (فرنسا)

الحرية

على كراسات التلاميذ،

على دكتي، وعلى الأشجار،

على الرمل والجليد،

أكتب اسمك على كل الصفحات المكتوبة،

وعلى الصفحات البيضاء،

حجر، دم، ورق أو رماد،

أكتب اسمك

على الصور المذهبة،

على أسلحة المحاربين،

على تيجان الملوك،

أكتب اسمك

على الغابة والصحراء،

على الأعشاش والنباتات،

على صدى طفولتي،

أكتب اسمك

على عجائب الليالي،

على خبز الأيام الأبيض،

وعلى الفصول المخطوبة،

أكتب اسمك

على كل أسمالي الزرقاء،

على شمس البركة الآسنة،

على قمر البحيرة الحي،

أكتب اسمك.

على حقول الأفق،

على أجنحة الطير،

على طاحونة الظلال،

أكتب اسمك

على زبد السحب،

على عزم العاصفة،

على المطر الثقيل الذي لا طعم له،

أكتب اسمك

على الأشكال اللامعة،

على أجراس اللون،

على الحقيقة الملموسة،

أكتب اسمك. على الدروب اليقظة،

على الطرق المنتشرة،

على الميادين المكتظة،

أكتب اسمك.

على المصباح المنير،

وعلى المصباح الذاوي،

على بيوتي ملتئمة معا،

أكتب اسمك.

على الفاكهة المقسومة نصفين،

بالمرآة وبغرفتي،

وعلى محارة سريري الخالية،

أكتب اسمك.

على كلبي الشره المحبوب،

على أذنيه المنتصبتين،

وعلى قدمه الخرقاء،

أكتب اسمك.

على عتبة بابي،

على الأشياء المألوفة،

على صهوة النار المباركة،

أكتب اسمك. على كل جسد متوائم،

على جباه أصدقائي،

على كل يد ممدودة،

أكتب اسمك.

على نافذة المفاجآت،

على الشفاة المنتبهة،

عاليا فوق الصمت،

على ملاجئي المدمرة،

على مناراتي الهالكة،

على جدران تعبي،

أكتب اسمك.

على الغياب دون رغبة،

على العزلة الجرداء،

على سلالم الموت،

على الصحة العائدة،

على الخطر الزائل،

على الأمل دون ذكرى،

أكتب اسمك.

وبقوة كلمة،

أبدأ حياتي من جديد،

ولدت لأعرفك

ولأسميك..

الحرية.