أفكارنا.. والدماء الجارية

أردوغان استثمر مؤخراً في الدم، أمام ناخبيه. استغل أبشع استغلال مجزرة نيوزيلندا وفيديو سفاح المسجدين، استرجع الحروب الصليبية، لتعلو صيحات "مسلمين متحمسين"، هاتفين الموت للصليبيين.

 بقلم: يارا الأندري

مشهد المجزرة الدامية في المسجدين بنيوزيلندا الأسبوع الماضي لا ينفصل بتاتاً عن سلسلة من الوقائع التي شهدناها خلال السنوات المنصرمة. هي وليدة أفكار قاتلة، أسالت دماء متدفقة وحروباً قبل قرون، لكنها مشابهة لغسل العقول الذي أجرته "دولة الخلافة" الداعشية على مدى سنوات، حشرت خلالها كراهية لا تحتمل، لفظ للآخر بل إلغاؤه، تحشيد النفوس واستنفار العصبيات.

ففي خضم هذا الجنون "الديني"، لم تكن أوروبا ساكنة، بل كانت بالتوازي تشهد "غلياناً خجولاً" لأفكار مكبوتة، ويميناً متطرفاً يعلو ضفاف "الأرياف" وبعض الطبقات العاملة المهمشة.

شهدته تشيكيا وبلجيكا وهنغاريا، وألمانيا، وغيرها عبر أحزاب "قومية شعبوية"، ولكن عرفته فرنسا أيضاً، وإن بنسب مختلفة.

في الغرب نادت تلك الأحزاب التي كان لها نواب وإن بعدد قليل، بوقف حركة المهاجرين، بشرت بالعداء للأجانب بوتيرة مخيفة تحت ستار الحفاظ على الهوية القومية والثقافية، بلهجة أخرى بصفاء "الثقافة المسيحية"، ومقابل وقف هذا التدفق الإسلامي لا بوصفه ديناً، فقط بل ثقافة غريبة دخيلة أيضاً.

أما الأهم فترويجها وارتكاز أسس عقيدتها على تفوق العرق الأبيض، تماماً كما في النازية الجديدة.

لعب الإعلام أحيانا لعبته الخبيثة، كما ساهمت موجات النازحين واللاجئين بتغذيته، لا شك، كذلك فعل السياسيون الذين شدوا عصب ناخبيهم عبر الحديث عن "الغزو"، ولعل مارين لوبان في فرنسا مثال، كذلك ترمب بمعدل أخف.

لعبة الأفكار القاتلة هذه شبيهة على الضفتين. ففي المقلب الآخر، شهدنا إلى جانب داعش، وجهاده العقائدي الدامي، وحملاته وغزواته، ظواهر مستجدة أيضاً، لكنها أتت في سياق شبيه بخطورته.

فقد استثمر أردوغان مؤخراً في الدم، أمام ناخبيه. استغل أبشع استغلال مجزرة نيوزيلندا وفيديو سفاح المسجدين، استرجع الحروب الصليبية، لتعلو صيحات "مسلمين متحمسين"، هاتفين الموت للصليبيين.

لا فرق في منبع تلك الأفكار، فالمشترك بينها اللعب على الغرائز والعصبيات الفكرية الدينية الثقافية، و"الهويات القاتلة" وتعظيم مخاطر الغازي الغريب، في ظل تغييب تام للعقل.

قبل أيام أيضاً وفِي نفس السياق التغييبي للمنطق، جاهر قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق في العراق بأن كل ما يجري في المنطقة، لا سيما في بلاده مرده إلى مجابهة الإمام المهدي، وأن البنتاغون جمع كل المعلومات عن الإمام.

أمام هذه المشاهد المتفرقة، قد يطول البحث في أسباب بروز تلك "الحركات" يميناً ويساراً مع اختلافاتها، إلا أن الضامن الأوحد يبقى الاستثمار في "مهدينا" الأثبت، في الوعي والعقل!