أقلام صحفية بلا صحافة في المغرب
الرباط - تلك الأقلام التي تختار التلقين والسطحية، وتعتمد على المعلومات التي تبعثها لها الوكالات، أصابها حتما الكسالى، فبدلا من العمل الدؤوب والاجتهاد والجد والكد والسعي للحصول على المعلومات الموثوقة كما يفعل المراسلون الذين يمتهنون اكتشاف الحقيقة وسط زحام الاكاذيب، ويدقون على الأبواب الموصدة من أجل اقتناص فكرة اصلية، فإن لم يفعلوا المراسلون ذلك، فمن يفعل؟ المحررون؟ المعلقون؟ وما الذي يعرفه المحررون حقا، ولا شك فيه غير ما يأتي به المراسل من قاع البئر؟
فما ترسله الوكالات، ليس الا الخبر يوزع بلغات مختلفة، والأسوأ أنه ينشر في كل الصحف والجرائد إما بنفس الصيغة، أو تجتهد أحد الأقلام وتتوسع في الخبر قليلا حتى يكتسب بعض الخصوصية، أي ليصنعوا الاختلاف، والاختلاف في الحقيقة لا يأتي بالتوسع ولا بصناعة الأخبار، إنما يأتي بفكرة أصلية، ثم بالتحليل والبحث والتنقيب، فصحافة الرأي و صحافة الاستقصاء، والمراسلون هم من يحملون الصفات والسمات المطلوبة التي تعتمد البحث والسرد والأسلوب، والعجيب الغريب أنهم ليسوا خريجي معاهد الصحافة، وهي هي الجوكر في هذا العالم المزيف.
تتزاحم اليوم نسبة كبيرة من الصحف المغربية سواء التابعة للأحزاب أو تلك التي تبدو مستقلة ظاهرهيا، فحصول المؤسسة الإعلامية على الدعم الحكومي لاستمرارها يعني أن الاستقلالية رهينة بما تمليه عليها القوانين، وهذا ليس موضوعنا، وإنما ما يهمنا هو أن أغلب الصحف تستقي مصادرها من وكالة الأنباء المغربية أو العربية أو الإفريقية أو الدولية، وهي مليئة بمعلومات حول المؤتمرات الحكومية أو زيارات الزعماء الأجانب أو ما حققته الدبلوماسية المغربية خارجيا، وهذا أمر متوقع، بينما هناك مواضيع تسعى منظمات حقوقية إلى دسها كأخبار بغرض كسب التأييد، مثل قضايا حقوق النساء والنسوية، وقتل الكلاب مؤخرا، وحقوق الطفل، وغيرها من الأخبار التي تبدو في ظاهرها مرتبطة بحقوق الإنسان او الحيوان، لكنها في باطنها تخفي تخطيطات مموهة لحملات خاصة، خذ على سبيل المثال الضجة المفاجئة حول اللغة الأمازيغية وإدراجها في كل شيء، وكأن جميع الأمازيغ في المغرب يفهمون الأمازيغية المكتوبة، لكن في الواقع لا يفهم كتابتها إلا من درسها أكاديميا، وإذا أجريت إحصاء لعدد الدارسين لها، ستدرك أن القضية أعمق وأكبر من أن تكون مجرد مسألة أمازيغية، خاصة أن الأمازيغ منتشرون في إفريقيا كلها وليس في المغرب وحده، وهلم جرّا من المواضيع الخبرية المعروفة، والتي رغم ذلك يتم اجترارها مرارا وتكرارا.
والمال الذي يتلقاه الصحفي ياتي أساسا من أموال ضرائب الشعب المغربي، وهو امر لا يخفى على احد، بينما يعاني نفس الشعب الذي يدفع الضرائب من ارتفاع مهول في الأسعار، سواء في المواد الغذائية أو الملابس أو مصاريف التنقلات، كما أن هناك انتهاكات سكنية مكشوفة، وثغرات قاتلة في بعض المؤسسات العمومية، وطغيان صارخ في إداراتها، وغياب تام لدوريات حماية المستهلك، حيث تباع العديد من المواد الغذائية في الأسواق المغربية دون أي رقابة، كما أن العديد من الأدوية في الصيدليات مختفية وسط خروقات غامضة الملابسات، والفوضى تعم الأقسام الدراسية خاصة الجامعات، حيث يباع النجاح ويشترى، والحديث عن امتحانات الماستر والدكتوراه يطول.
وتنتقل إلى المجال الفني فتجد ممثل مغربي يوقع عقدا بقيمة 20 مليون سنتيم، لكنه يتقاضى مليونا فقط، ويرصد لإنتاج فيلم مغربي تلفزيوني 150 مليون سنتيم على الورق، لكنه ينتج فعليا بـ100 مليون سنتيم فقط، وقِس على ذلك فيما يحدث في المقاطعات والجماعات المحلية والشركات والقطاعات التي تحصل على دعم الدولة، فأين هي الصحافة الاستقصائية المغربية؟ أين المراسلون المتمرسون في البحث والتنقيب؟ أين صحافة الشعب الحقيقية التي تتحدث عما يضره، وليس فقط عما يحدث بينهم؟ فالصحافة الحقيقية دورها كشف الخطوط الكبرى وكشف الرؤوس المسؤولة التي توقع على القرارات قبل صدورها، فالحديث عن الضعفاء ومشاكلهم وليس فضحا لهم وتعريتهم أمام العالم، فما يجب أن يراه العالم هو من تسبب في ارتفاع المعيشة في المغرب، ولماذا؟ ومن المستفيد؟
فلماذا يستمر التطبيل والتهليل وكأن الشعب المغربي يعيش في رفاهية؟ يمكن لكل منا أن يزور مستشفى سيدي عثمان مثلا ويطلب موعدا، ليرى بنفسه الوحشية والعبثية التي يعيشها المواطن المغربي، ويمكن لكل منا أن يتفحص المقررات الدراسية ومناهجها ليرى الجيل الذي سيتخرج في المجتمع المغربي، ويمكن لكل منا أن يرى الكم الهائل من المواد الإباحية المتاحة مجانا لجميع شرائح المجتمع المغربي بضغطة زر، ويرى مستوى الأخلاق الذي وصل إليه هذا المجتمع، فمن المستفيد أساسا من ترك هذه المواقع منتشرة دون حسيب أو رقيب؟ فلينظر كل منا إلى نوعية الأفلام والمسلسلات التي نشاهدها، والبرامج التي تبثها القناة الثانية، وسنعرف نوعية العقليات التي تسير الثقافة والفن في المغرب، فما إن تسأل نفسك من المستفيد، حتى تدرك أن الجميع يأكل من نفس الكتف، والغرض هو إبقاء الشعب المغربي منشغلا عن ما يفيده حقا مثل طلب العلم والمعرفة والتعامل مع الورقة والقلم والكتاب، بدلا من السهرات و الهواتف الذكية و مضيعة الوقت في ملاعب كرة القدم و الاسواق التجارية ووسائل التواصل الاجتماعي حيث يضيع عمر الانسان مجانا.