أكبر نكبات العراقيين

سيعيد المالكي العراق إلى ماضيه القريب في الفوضى الأمنية والتفجيرات والخلايا الإرهابية النائمة من أجل أن تكون إيران هي المنقذة.

"هو الشيطان ولا مجال لشيطنته." قال لي أحد الأصدقاء المقيمين داخل العراق واصفا رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي لا يزال مصرا على اعتبار نفسه صانع حكومات بل أنه يثق بقدرته على إدارة المرحلة المقبلة فيما لو أتيحت له الفرصة لقيادة الحكومة مجددا.

قفز الرجل على كل ما شهده العراق من مآس بسبب سياساته. إنه يعتبر نفسه على حق وأن هناك مؤامرة خطط لها أعداء مشروعه الإسلامي من الخارج ونفذها أتباع يزيد في الداخل كانت تهدف إلى إخراجه من الحكم مهزوما من أجل أن لا يستمر في أداء مهمته التاريخية.

أنا على يقين من أن الرجل الذي أشرف على أكبر عمليات فساد شهدها التاريخ المعاصر يعتقد أنه وقع ضحية سوء فهم من قبل أبناء طائفته الذين لم يقدروا البعد المذهبي في سياساته حين ركزوا على أفعاله في الحكم فرفعوا شعار "كذاب نوري المالكي" في محاولة منهم لتعريفه. لقد غدر يأسهم برغبته في أن يحقق هدفه في إبادة أعدائهم الطائفيين.

لا يكفي أن يوصف بأنه لغم طائفي يمكن أن ينفجر بطائفته. ما خطط له المالكي يتجاوز ذلك إلى تغيير خرائط العراق السياسية والاجتماعية والتاريخية. إنه اللغم الذي لو قدر له أن ينفجر لما بقي شيء يُذكر بالعراق ولا بتاريخه ولا بمجتمعه ولا بثقافته.

المالكي هو أخطر ظاهرة اجرام ظهرت في تاريخ العراق المعاصر.

تفنن الرجل في اختراع الجرائم فكانت جريمة سبايكر واحدة من أكثر جرائمه بشاعة حين سلم أكثر من الف وخمسمئة شاب عراقي بريء للقتلة الذين كان يعرف أنهم يترصدونهم. اما وقد مرت جريمة سبايكر بسلام فقد وجد المجال أمامه مفتوحا للتنصل من جريمته الكبرى في الموصل.

وإذا ما كان المالكي قد بدأ سنوات حكمه الثمان بحرب أهلية، راح ضحيتها عشرات الالاف من العراقيين فإنه أنهى تلك السنوات بحرب أهلية من نوع مختلف، كان عنوانها هذه المرة "داعش". وهو عنوان مضلل نفخ فيه المالكي الروح ليتحول إلى جمرة خبيثة التهمت البشر والحجر، فتركت أشلاء الأبرياء تحت المباني المهدمة واقتلعت تاريخ العراق من جذوره. 

المالكي الذي يتزعم الآن الدعوة إلى ترسيخ نظام المحاصصة يحاول بصلف أن يطوي صفحة هزيمته في الانتخابات الأخيرة ليتقدم المنتصرين في اتجاه هدفه للاستيلاء على السلطة.    

وليس من قبيل الصدفة أن يقبل زعماء الميليشيات بالمالكي عرابا لعملية تأهيلهم لاستلام السلطة في مرحلة، تعتمد فيها إيران على العراق في مواجهة العقوبات الأميركية بشكل كلي. فالمالكي وهو الأكثر خبرة بدهاليز الاقتصاد العراقي يمكنه أن يرسم للميليشيات الخطط التي تعينها على الاستيلاء على ثروات العراق ومن ثم توظيفها في خدمة إيران.    

كما أن في إمكان المالكي الذي أدار حروبا اهلية عديدة أن يضع تصوراته لمواجهة الاحتجاجات الشبابية المطالبة بالخدمات الاساسية تحت نظر زعماء الميليشيات الجاهزة لحماية مصالحها. وهو من خلال ما يفعل انما يُخرج دولته من تحت الأرض لتحل محل الدولة الهزيلة التي حاول خلفه وصنيعته حيدر العبادي أن يبتكرها من العدم.

غير أن المالكي الذي يستعيد السلطة هذه المرة مسلحا بخبرة أخطائه في المرحلة السابقة سيعمل على تنفيذ ما فاته من فقرات برنامجه لتدمير العراق وتركيع العراقيين بدءا من افقارهم واذلالهم من خلال تغيير الطابعين الطبقي والاجتماعي وصولا إلى اجبارهم على القبول بالهيمنة المطلقة لحزب الدعوة على مستقبل العراق.

ولأنه يدرك جيدا أن الوصول إلى هدفه لن يكون ميسرا إلا بوجود حماية إيرانية فإنه سيعمل على الحاق العراق سياسيا واقتصاديا وثقافيا بإيران، مستعينا في ذلك بخبراء الجريمة المنظمة الذين سيضعون بين يديه مخططاتهم لإجبار العراقيين للقبول بنظرية الحماية الإيرانية.

سيعيد المالكي العراق إلى ماضيه القريب في الفوضى الأمنية والتفجيرات والخلايا الإرهابية النائمة من أجل أن تكون إيران هي المنقذة.

مرحلة سيعيشها العراقيون من غير أن يحلموا بتجاوزها. فعودة المالكي إلى الحكم هي نكبتهم التي إن حلت فستكون نوافذهم مشرعة على خراب ليس له نهاية.