ألم تبدأ حرب الفضائح في العراق؟

إلى وقت قريب كان زعماء أحزاب الإطار لا يخفون كراهيتهم للسعودية وهم اليوم يطلبون أن تمد السعودية لهم طوق نجاة.
لن يحاور أحد أحدا في العراق. فالعالقون في مشكلة الحكم لن يستعرضوا فضائحهم أمام الشعب
الصدر رفض كل محاولات الحوار تحت الطاولة وذلك ما دفع الأحزاب الموالية لإيران إلى طلب مساعدة السعودية

فيما يقوم مبعوث من تحالف الاطار التنسيقي بزيارة المملكة العربية السعودية بحثا عن وساطتها في شأن داخلي بدا مقتدى الصدر مستعدا لحوار علني من أجل عرض ذلك الشأن على الشعب العراقي أو على الأقل على جمهور الطرفين المتنازعين بعد أن صارت غالبية الشعب تشعر بالملل واليأس من إمكانية أن يخرج العراق بنتيجة ايجابية من ذلك النزاع الذي يعتقد الكثيرون أنه لا يتجاوز حدود منطقة الحكم.

إنها مشكلة الحكم المستمرة منذ أن أُقيم النظام الحالي على أنقاض نظام الرئيس الراحل صدام حسين. وهي مشكلة كانت إلى وقت قريب تؤرق العراقيين بسبب ما صاحبها من تهديدات بنشوب حرب أهلية جديدة سيكون الشعب حطبها بالتأكيد. ليست هناك وسائل قانونية لإنهاء النزاع بعد أن وضع الجميع الدستور وراء ظهورهم. ثم أن الدستور نفسه لا يكفل القيام بذلك نظرا لأنه كُتب وفيه الكثير من الفقرات المائعة التي قد تكون سببا لقيام النزاعات.

مَن سيحكم العراق في المرحلة المقبلة؟

ذلك هو السؤال الذي يقف طرفا النزاع عند حديه. فالمنتصرون في الانتخابات الأخيرة ويمثلهم الصدر يعتقدون أن من حقهم أن ينفردوا بالحكم من أجل أن ينفذوا الإصلاحات التي وعدوا بها وبالذات ما يتعلق منها بمحاربة الفساد. أما الخاسرون فإنهم يدعون إلى العودة إلى مبدأ التوافق فهو من وجهة نظرهم الأكثر تحقيقا لديمقراطية تمتع بوجودها الفرقاء الحزبيون بكل حقوقهم التي ينص عليها مبدأ النظام الطائفي في مجال المحاصصة الحزبية. من وجهة نظرهم ليس من حق الصدر أن يحرمهم من امتيازاتهم التي حصدوا منافعها عبر العشرين سنة الماضية لمجرد أن الشعب أراد أن يلقنهم درسا.

ليست الكلمة الأخيرة للشعب الذي هو من وجهة نظرهم لا يزال غير قادر على معرفة حقيقة مصلحته لعدم التزامه الديني بشكل كامل. في سياق تلك النظرة فإن شعبا غير ناضج لا يصلح أن يكون حكما وهي الفكرة التي سيستعملها الصدر ضد خصومه حين يكون حواره معهم علنيا ومباشرا. لا بأس أن يكون الحوار مباشرا إذا كان علنيا. لقد رفض الصدر كل محاولات الحوار الي كانت تتم تحت الطاولة. ذلك ما دفع تحالف الأحزاب الموالية لإيران إلى أن تطلب مساعدة السعودية. ولكن أليس في ذلك الطلب نوع من التناقض؟

إلى وقت قريب كان زعماء تلك الأحزاب لا يخفون كراهيتهم للسعودية وهم اليوم يطلبون أن تمد السعودية لهم طوق نجاة، بعد أن تخيلوا أن هناك علاقة استثنائية بين المملكة والصدر. وهو في الحقيقة خيال مريض. فالسعودية لم تتدخل يوما ما في الشؤون الداخلية العراقية. كل محاولاتها السابقة يمكن أن تدخل في باب مساعدة دولة شقيقة على الاستقرار والحفاظ على أمنها الذي هو جزء من أمن المنطقة. غير أن أتباع إيران يقرأون الوقائع بطريقة خاطئة دائما. لذلك فإنهم تخيلوا أن في إمكان المملكة أن تضغط على الصدر ليغير موقفه وينجر إلى مسايرتهم في طريقة الحكم التي يرغبون في استمرارها والتي تضمن لهم بقاءهم في السلطة بالرغم من خسارتهم في الانتخابات.   

لعبة تكشف عن غباء سياسي واضح. لذلك اختاروا عمار الحكيم مبعوثا وهو الأكثر فشلا في الانتخابات كما أنه إيراني المولد والجنسية. الحكيم ليس مبعوثا جادا وهو لا يمثل رأي الخاسرين الكبار وليس له أي ثقل على مستوى شعبي. تلك حكاية سيضحك منها مقتدى الصدر الذي يعرف جيدا أن موضوع طلب المساعدة من السعودية لم يكن جادا وأن السعودية التي لم تتدخل يوما ما في السابق في الشأن العراقي لن تتدخل هذه المرة أيضا.

ربما لجأ أتباع إيران إلى الأسلوب الحرباوي في محاولة منهم لسرقة الوقت في انتظار أن تجد إيران لهم حلا. وهو حل لن يأتي سواء تم التوقيع على الاتفاق النووي أو لم يتم. نجح الصدر في حصر المسألة في عراقيتها وهو ما لن يتمكن خصومه من التصرف معه فهم إيرانيون منذ البدء وسيظلون كذلك حتى النهاية. حصارهم في الداخل كان مفاجئا لهم.

كل شيء سيبقى على حاله. غير أن الصدر يبحث عن حل لأزمة وجوده فائزا. وهو ما سيدعوه إلى التسريع في الصدام عن طريق الحوار العلني الذي لن ينجر إليه خصومه. لن يحاور أحد أحدا في العراق. فالعالقون في مشكلة الحكم لن يستعرضوا فضائحهم أمام الشعب.