أميركا جديدة ولبنان آخر

ليس لبنان وحده مدعوا لتصويب سياسته تجاه أميركا، بل أميركا تجاه لبنان والمنطقة أيضا.

تعتقد الإدارة الأميركية أن مجرد إضعاف "حزب الله" تتعافى الدولة اللبنانية، وأن مجرد حصول انتفاضة شعبية ضده، بموازاة العقوبات عليه، تودي به. لكن غفل عنها أن حزب الله يمون على هذه الدولة وهي لا تزعله. فبعض الدولة متحالف معه، وبعضها الآخر متواطئ معه، والباقي معجب به.

أما معارضوه الحقيقيون، فليسوا في موقع يمنع الدولة من التجاوب مع حاجاته في مجالات الأمن والدفاع والمال والسياسة الخارجية، ولا في مزاج القيام بتحركات شعبية لا يسيطرون على مسارها ولا يضمنون نتائجها؛ خصوصا أن هناك من يفكر بجر لبنان إلى ربيعي فنزويلا والجزائر.

إذا كانت واشنطن تواصل، مشكورة، دعم استقرار لبنان وتحييده عن بعض الصراعات وتزويد الجيش اللبناني بالأسلحة الضرورية، فصراعها المفتوح اليوم مع إيران، وحزب الله استطرادا، سيحرج لبنان في حال رغبت واشنطن باستدراج قوى سياسية لبنانية إلى ساحة هذا الصراع.

صحيح أن غالبية اللبنانيين قلقون من توغل إيران في الشرق الأوسط ومن بقاء سلاح حزب الله خارج الدولة اللبنانية، لكن الصحيح أيضا أن لبنان يتردد، لألف سبب وسبب، في المشاركة في الصراع الأميركي/الإيراني من جهة، وأن اللبنانيين رافضون الانزلاق إلى مواجهة غير سياسية مع حزب الله من جهة أخرى.

لكن واشنطن تلاحظ، بالمقابل، أن الفاعلين في السلطة اللبنانية منحازون إلى المحور السوري/الإيراني، وأن حزب الله يقاوم أي معالجة لسلاحه الطليق. لذا، تسعى واشنطن إلى إخراج لبنان من المحور السوري/الإيراني/الروسي أكثر مما تبتغي زجه في المحور الخليجي/الأميركي/الأطلسي. وأصلا، مجرد أن يتحرر لبنان من المحور الأول يصبح آليا جليس المحور الآخر. هذا جوه التقليدي.

الحقيقة أن الفاعلين في الدولة اللبنانية تحولوا، في كل منتدى، جهاز دفاع لا عن حزب الله كجماعة لبنانية، بل عن سلاحه ودوره العسكري في المنطقة. وآخر مثل على ذلك قول الرئيس ميشال عون لوزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط: "إن امتداد حزب الله إقليميا لا يعني أن تأثيره في السياسة اللبنانية يتجاوز كونه جزءا من الشعب اللبناني". ربما توخى الرئيس عون تغطية تقصير الدولة في احتواء حزب الله أكثر من تغطية حزب الله. لكن النتيجة ذاتها بالنسبة للمسؤول البريطاني، ومن خلاله لكل المسؤولين الأوروبيين والأميركيين.

مصير المظلة الدولية التي حمت لبنان من نار حروب المنطقة في السنوات الأخيرة صار مرتبطا بمدى استعداد الدولة اللبنانية لتصويب موقفها السياسي والعودة إلى التموضع الطبيعي القائم على ما يلي:

  • الاحترام الكامل للدستور،
  • النأي عن سياسة المحاور،
  • استعادة القرار الوطني الحر،
  • حصر السلاح بالقوى الشرعية،
  • إجراء الإصلاحات الاقتصادية والإدارية،
  • وقف الهدر والفساد،
  • والتزام القرارات الدولية بشأن لبنان.

ما كان موضع تسامح دولي سابقا أصبح اليوم موضع حساب بسبب خيبة أمل المجتمع الدولي من الطبقة السياسية، وتنامي نفوذ حزب الله في الدولة، وتهاون السلطة الحاكمة معه. تجاه هذا المعطى الدولي الجديد، يفترض بالحكم اللبناني أن يتحضر لسماع موقف حازم من وزير الخارجية الأميركية، مايكل بومبيو، الآتي هذا الأسبوع. فقبل تحذيرات الموفدين الأميركيين، كان الوزير بومبيو أول مسؤول أميركي يحذر لبنان أمام الكونغرس من وقف المساعدات العسكرية إذا استمرت الدولة في تشجيع نشاطات حزب الله (23 أيار/مايو 2018). وفي خطاب ألقاه في الجامعة الأميركية في القاهرة (10 كانون الثاني/يناير 2019)، أعلن "أن الولايات المتحدة لن تقبل بالوضع الحالي في لبنان بسبب حزب الله".

لا خضوعا لمشيئة الولايات المتحدة، بل عملا بمصلحة لبنان، حري بالمسؤولين اللبنانيين أن يؤكدوا للوزير الأميركي أن لبنان لا يزال جزءا من ديمقراطيات العالم ومن العالم الحر عموما وصديقا دائما لواشنطن. وأصلا، هكذا يجب أن يكون لبنان بتحذيرات أميركية أو بدونها. لبنان الحالي ليس لبنان.

وجدير بالمسؤولين اللبنانيين، بالمقابل، أن يسألوا الوزير بومبيو: كيف لأميركا أن تدعو لبنان إلى الحرب فيما هي راجعة منها خاسرة. انسحبت من أفغانستان والعراق وسوريا، تركت الفلسطينيين أمام قدرهم، نقلت سفارتها إلى أورشليم، تخلت عن الأكراد في المثلث العراقي - التركي - السوري، حثت السعودية على وقف عاصفة الحزم في اليمن، إلخ...

لو حصل أن قرر لبنان تلبية نداء أميركا، فما هي استراتيجيتها؟ وما هي سياستها؟ وما مدى استعدادها للدفاع العملاني عن الشرعية؟ وما مدى ثبات الرئيس ترامب على عهد ووعد؟ من دون التقليل من مسؤوليتنا كلبنانيين، تتحمل أميركا مسؤولية هروبها من لبنان سنة 1983 وتسليمه إلى سوريا سنة 1990، والسماح بتسلح حزب الله طوال ثلاثين سنة، والتغاضي عن نمو الإرهاب التكفيري والجهادي في المنطقة منذ سنة 2011، والقبول بالتسويات الرئاسية في لبنان، والترحيب بتأليف حكومات يسيطر عليها حزب الله وسوريا... هل تنتظر أميركا بعد كل ذلك أن يكون لبنان الولاية الأميركية الحادية والخمسين؟

من هنا، ليس لبنان وحده مدعوا لتصويب سياسته تجاه أميركا، بل أميركا تجاه لبنان والمنطقة أيضا. حبذا لو تكون زيارة الوزير الأميركي مناسبة لإجراء تقويم لسياستي البلدين وتصويبهما. يبقى أن معيار نجاح زيارة بومبيو يكمن بما يلي:

  1. وضع إطار جديد لعلاقات لبنانية/أميركية ترتكز على استراتيجية واضحة وطويلة الأمد.
  2. دعم أميركا مشروع عودة النازحين السوريين إلى بلادهم دون إبطاء.
  3. مساعدة لبنان على إعادة إسكان اللاجئين الفلسطينيين في دول أخرى قادرة على استيعابهم.
  4. رعاية وضع استراتيجية دفاعية بمنأى عن الحل السياسي في سوريا ومسار الملف النووي الإيراني.
  5. نهي إسرائيل عن عرقلة استخراج لبنان النفط والغاز.
  6. ضمان استقلال لبنان وسيادته واستقراره.
  7. تبني مشروع حياد لبنان في الأمم المتحدة.