أمير تاج السر .. عاشق الغرائب الذي كتب سيرة الظلام

الكاتب السوداني يجمع بين الطب والكتابة، حيث أدركته حرفة الأدب منذ صباه الباكر.
لا أكتب سيرتي داخل روايتي، ما أكتبه في الروايات هو خيال بحت
روايته الأولى "كرمكول" كتبها وهو لا يزال طالبا في مصر

القاهرة ـ من أحمد رجب

أمير تاج السر، كاتب سوداني درس الطب في مصر، أفلح في الجمع بين الطب والكتابة، فهو يعمل منذ ربع قرن طبيبا في قطر، أدركته حرفة الأدب منذ صباه الباكر، وتحولت بعض قصائده الأولى لأغان وهو لا يزال تلميذا في الإعدادية، فقد ساعدته أجواء عائلة الحكائين التي نشأ وسطها، يقول: "أبي كان يحكي قصصه شفهياً ومثله الوالدة والجدّة - وهي والدة الطيّب صالح - كانت تحكي، كلّهم حكّائون". يحكي عن الخال أنه كان شديد الهدوء والبساطة وقد تأثر به إنسانيا وليس إبداعيا، و هو يمارس الكتابة يوميا. 
يقول تاج السر: "أكتب في النهار من الثامنة صباحا وحتى الثانية عشرة ظهرا، قبل أن أذهب لعملي، إنها وظيفة معنوية لكنها تغدو أشبه بالرسمية"، لذا تتراكم إبداعاته فلا يكاد يمر عام دون أن يصدر رواية جديدة، ورواية هذا العام هي "جزء مؤلم من الحكاية"، عنوان غريب لرواية يقول كاتبها "منذ مدة وأنا أحلم بكتابتها، بعوالمها الغرائبية العنيفة، وشخوصها السايكوباتيين، وكونها تدور في عالم له أطره وقوانينه الخاصة، بعيدا عن أي إحالات لأي كوابيس حديثة أو قديمة، فأحداثها تدور في القرن السابع عشر، وتبدو شبيهة بزمن حدوثها".
نسأله أي إغراء رأيته في العنف والشخصيات المشوهة نفسيا لتبعثه من التاريخ وتسقطه على الواقع؟ فيجيب "كانت رغبة قوية، وأنا صراحة من عشاق الغرائب، وإن لم أعثر على شيء غريب، أقوم باختراعه، نعم ثمة عنف كثير، ولكن أيضا توجد جوانب إنسانية وسط هذا التشويه. الروائي في رأيي لا يوجه نفسه إلى وجهة ما بقدر ما توجهه عوامل هو نفسه لا يعرفها". 

ثمة عنف كثير
منذ مدة وأنا أحلم بكتابتها

تجارب الطبيب
تاج السر لا يزال يمارس الطب، وقد عرف الأدب العربي قبله أكثر من طبيب أشهرهم  ابراهيم ناجي ويوسف إدريس، ومن الجيل السابق عليه محمد المخزنجي ومحمد المنسي قنديل، نسأله هل مهنة الطب من المهن الملهمة للأدباء؟ وهل ظهر تأثيرها في رواياته؟
يجيب: مارست الطب بعد الكتابة لأنني كنت أكتب الشعر وأنا طفل، وكتبت روايتي الأولى "كرمكول" وكنت ما أزال طالبا في مصر، نعم أستطيع القول إن الطب يعطي تجارب بلا حصر للطبيب الأديب أصلا، وليس للطبيب الذي لا يعمل بالأدب، هذه التجارب يمكن صياغة الكثير منها في شكل أعمال أدبية، وشخصيا استفدت منها حين ذكرت حكايات كثيرة داخل النصوص صادفتها بوصفي طبيبا، وكتبت روايات من وحي بيئة عملت فيها طبيبا، مثلا مدينة طوكر على الحدود الإرتيرية، ذهبت إليها في بدايات عملي كطبيب كانت مكانا يغص بالأساطير، وكان الإيحاء عظيماً من الشخصيات الموجودة هناك، وأعني المرضى الذين عالجتهم واستمعت لحكاياتهم أو الذين ألتقيهم. استوحيت مثلاً شخصيات رواية "اشتهاء" من هناك، وكذلك كتابي "سيرة الوجع"، وعندي رواية "إيبولا ٧٦"، استوحيتها من الطب، وهكذا نجد التأثير واضحا.
هاجس الكتابة
يلح عليه هاجس الكتابة كثيرا، فتحدث في روايته "صائد اليرقات" عن ظروف الكتابة وطقوسها، وعادات الكتاب ثم خصص كتبا للحديث عن تجربة الكتابة بشكل غير سردي كما في "ضغط الكتابة وسكرها"، و"ذاكرة الحكّائين"، وأخيراً "تحت ظل الكتابة" فما الذي أضافه الطرح في الرواية لما تضمنته الكتب الأخرى؟ 
يقول تاج السر: الطرح في "صائد اليرقات" لم يقتصر على الكتابة وحدها، وكانت ثمة تيمات أخرى موجودة، مثل الوهم، والنرجسية، والمسائل الأمنية، وسطوتها. أما الكتب النظرية فهي في الأصل مقالات نشرتها هنا وهناك، وكلها تصب في مجرى الكتابة، وتعرف أنني مشغول بالكتابة. حدث أن راجعت تلك المقالات ووجدتها تضيء جانباً من تجربتي، فجمعتها في كتاب، وتوالت الكتب دون تخطيط مسبق، لكنها تؤكد ما ذهبت إليه من انشغالي بهاجس الكتابة.
وكان الكاتب قد أصدر كتباً سيرية، منها "سيرة الوجع"، و"مرايا ساحلية"، و"قلم زينب" فهل لم تتسع رواياته لسيرته؟ وهل بقى في السيرة ما قد نجده في كتب أخرى قادمة؟ 
يقول بإيجاز كعادته: لا أكتب سيرتي داخل روايتي، ما أكتبه في الروايات هو خيال بحت، وما أطلق عليه سيرة  فهو سيرة وفيها حوادث حقيقية. حقيقة حتى الآن لم أكتب سيرة كاملة، هي مقتطفات من السيرة فقط، وآمل أن أتمكن من كتابة السيرة ذات يوم.
سيرة مختصرة للظلام
في روايته "سيرة مختصرة للظلام"، رأينا الحداد جمعة راضي يصبح وزيرا للثقافة، بينما العقيد كان خياطا، ثم قام بانقلاب ليتولى السلطة، قدم تلك الفانتازيا السياسية بشكل ساخر، فهل كانت السخرية مناسبة للكشف عن كل تلك المرارات التي تفعم واقعنا؟ 
يقول نعم، "سيرة مختصرة للظلام" من أفضل ما كتبت، وتقنية الكتابة هي ما يميزها، حيث استخدمت تقنية فيها خلط بين زمنين في الوقت نفسه، أيضا استخدام طريقة جديدة في السخرية، ورسم الشخوص أيضا مختلف. فلأن ما يحدث في عالمنا، يحدث بطريقة ساخرة، فقد لزم التناول بكل هذه السخرية. 
وأضاف: تتعرض الرواية لقصة البلاد في حقبة الخمسينيات ما بعد الاستقلال، كما تتعرض الرواية  للعلاقات بين الناس، وتبدأ بقصة الوزير الذي عشقته فتاة صغيرة وحركت أحلامه، بأسلوب ساخر اعتدت على الكتابة به وقد ظهرت السخرية من قبل في أعمال مثل العطر الفرنسي، وصائد اليرقات، وزحف النمل.  

مارست الطب بعد الكتابة
مشغول بالكتابة

موازاة للتاريخ
رواياته "زهور تأكلها النار"، "مهر الصياح"، و"توترات القبطي"، و"رعشات الجنوب"، وصفت بأنها تاريخية، لكنه قال إنها تقدم موازاة للتاريخ.. فماذا يقصد؟ 
يقول الروائي: نعم، لا أكتب تاريخا موثقا مثل البعض ولكن تاريخا موازيا للتاريخ الأصلي، بمعنى اختراع أحداث جرت في زمن ما قديم، وبشخوص من أي زمن، بعد دراسة للزمن الذي سأنتقل بالنص إليه، إنها محاكاة أو موازاة للتاريخ، ولكنها ليست التاريخ الفعلي الذي جرى. لويس نوا نقل مرض إيبولا إلى جنوب السودان، ولكن القصة التي كتبتها لم تكن الحقيقية، إنها قصة أخرى مختلفة، كذلك ما جرى في مهر الصياح ورعشات الجنوب وغيرها.
إعادة طرح
قال إن روايته "اشتهاء" مغامرة إعادة كتابة لرواية من بداياته اسمها "صيد الحضرمية"، يرى في ذلك مغامرة "لأن الذين قرأوا صيد الحضرمية، سيسرعون لعقد المقارنات بين الروايتين، وغلطتي كانت في ذلك الإعلان، وكان يمكن أن أنشر الرواية بلا إعلان، ذلك أن الرواية أُخرجت من قائمة إحدى الجوائز بسبب ذلك، أيضا عدد من القراء استخفوا بها بالرغم من تقنية الكتابة العالية داخلها، وتلك اللغة المجازية العالية التي كتبت بها.
هنا نسأله هل تعد "زهور تأكلها النار" إعادة طرح لتوترات القبطي؟ فينفي قائلا: لا قطعا، ليس إعادة الطرح، ولكن إعادة الحكاية من جانب المرأة، هنا سيكون الحكي أنثويا، والشر خاص بالمرأة أكثر، وما لم يقله ميخائيل في توترات القبطي، قالته خميلة النعناعة هنا.
نذكره أيضا بأن في "أرض السودان: الحلو والمر" بدلا من أن يرحل البطل شمالا لتبدأ رحلة لقاء الثقافات المعتادة، رأينا جيلبرت أوسمان يرحل جنوبا في القرن التاسع عشر إلي السودان الذي يقع تحت سلطة بريطانيا، ثم عاد الروائي في العطر الفرنسي للوجه الآخر من الحكاية، أليس في ذلك إعادة طرح؟ 
يقول الكاتب: ربما كانت واحدة كفاية بالفعل في طرح لقاء الثقافتين، لكن أقول لك صراحة، وأنا أكتب أرض السودان التي استوحيتها من قصة رحالة إنجليزي إلى السودان في القرن التاسع عشر، لم يخطر ببالي ما قدمته في العطر الفرنسي. عموما مذاقا الروايتين، مختلفان. (وكالة الصحافة العربية)