أمُ القتيل وهي أمُ شعب ووطن خالدين

أم إيهاب الوزني تخيفهم بكلماته وتزعجهم حين لا تقبل بطي صفحة أبنها كما طويت صفحات مئات الناشطين المحتجين.
هل صار الشارع مكانا للقتل بحيث يسرح القتلة فيه من غير عقاب؟
يكذب مَن يزعم أن القتلة لا يرغبون في احراج الدولة التي لا تخيفهم
لم يكن ايهاب الوزني عدوا ليستحق كل هذه الكراهية التي تخطته الى اتهام والدته بتهديد الأمن العام!

لا شيء يمكن أن تفعله والدة الناشط السياسي العراقي إيهاب الوزني الذي جرى اغتياله في كربلاء في التاسع من مايو السابق سوى أن تقوم بإزعاج الطبقة السياسية والأجهزة الأمنية والسلطة القضائية.

يمكن لأم وحيدة ومجروحة وحزينة ومغدورة أن تقوم بذلك. سلطتها أكبر سعة من كل السلطات التي صارت عبارة عن سواتر يختبئ القتلة وراءها. الأم التي تبحث عن قاتل ابنها تعرف أنها تمشي في الطريق الصحيحة. قلب الام لا يخطئ أبدا.

كل يوم تنصب خيمة أمام المحكمة وهي تعرف أن الأجهزة الأمنية ممثلة لقاتل ابنها ستهدم تلك الخيمة. تخيفهم الخيمة "كما لو أنها صاروخ". هي أكثر خطرا من كل صواريخ العالم. إنها صيحة أم ثكلى. الفاجع في الامر أن ذلك الابن الذي لم يكن يحمل بين ثنايا جسده سوى الكلمات لم يكن عدوا ليستحق كل هذه الكراهية التي تخطته لتشمل أمه التي صارت تهدد الأمن العام، حسب بيان الأجهزة الأمنية.

القتيل البريء وهب أمه البريئة كل ما يملك من امتيازات عظيمة ومنها عداء الأجهزة الأمنية، رسولة القتلة وتمنع السلطات القضائية المختصة بتبرئة القتلة واشمئزاز الطبقة السياسية التي تعتبر كل كلمة من كلمات القتيل رصاصة توجه إليها حاملة بشارة موتها.

أم القتيل من غير أن لا تدري تقف أمامهم بجسد أبنها. تخيفهم بكلماته وتزعجهم حين لا تقبل بطي صفحة أبنها كما طويت صفحات مئات الناشطين المحتجين الذين قتلوا وسط ساحات الاحتجاج أو عن طريق الاغتيال الفردي الذي يتم أمام المارة وفي وضح النهار.

يكذب مَن يزعم أن القتلة لا يرغبون في احراج الدولة التي لا تخيفهم. فالدولة ومنذ بدء الحراك الشبابي نهاية عام 2019 تعرف القتلة وتتستر عليهم. لا خوفا منهم وهو ما يمكن توقعه بل لأنها متواطئة معهم. الميليشيات التي تقتل يمكنها أن تقوم باغتيال الدولة أيضا غير أنه من المؤكد أن النظام السياسي الذي تشكل بعد الاحتلال الأميركي على أساس طائفي هو عنوان عملية الاغتيال التي مورست بحق العراق وما تقوم به الميليشيات التي هي جزء من ذلك النظام انما هو استكمال لتلك الجريمة الكبرى.

تقف سلطة الأم في مواجهة كل السلطات وهي لا تفتح صفحة أبنها المغدور باعتباره شهيدا حيا وحدها بل وأيضا كل الصفحات بما فيها صفحة النظام السياسي الذي طالب أبنها بصوت واضح بإسقاطه وتجاوز أمراضه الطائفية والتخلص من أحزابه غير الوطنية.

هي أم بمساحة وطن وقوة شعب.

قالت جملتها "أريد القصاص". مشكلة السلطات الثلاث التي يتستر وراءها القتلة أنها تدرك أن الوطن والشعب يريدان القصاص أيضا. ما لم يقله الوطن والشعب بصوت عال قالته أم القتيل الوزني. لا يزال دمه ساخنا. لم يبرد جسده بعد. لا تزال كلماته تغلي. كان الشعب والوطن يقيمان في كل حواسه. كل مفردات معجمه تشكل مصدر خطر على العملاء اللصوص الفاسدين وهم القتلة حتى وأن لم يقتلوا بأيديهم. 

"لقد تجاوز إيهاب الوزني الخطوط الحمراء فنال جزاءه" أي جزاء ومَن قرره؟ السلطة القضائية صماء. السلطة التشريعية بكماء. أما السلطة التنفيذية فهي تقوم بتعبئة خيالها بلغة تقتل القتيل مرة أخرى من خلال تجريمه حين تكون أمه مسؤولة عن ازعاج الأمن العام.  

"هي خيمة وليست مدفع" تقول الأم.

"ولكن الشارع ليس مكانا لإقامة مجلس عزاء سياسي" تقول الحكومة.

"هل صار الشارع مكانا للقتل بحيث يسرح القتلة فيه من غير عقاب؟" تقول الأم.

"كما أن الشارع ليس المجال الذي تلتقي فيه العامة بالسادة ويختصمان وتقتص فيه العامة من السادة" تقول الحكومة.

لا تملك الأم أن تضع قدما على أرض الحكومة وقدما أخرى على أرض ولدها القتيل. إنها منحازة كليا إلى دم ابنها وهي تريد القصاص. صعب أيتها الوالدة. صعب أن يكون المرء أما. لا أحد في إمكانه أن يتخيل ذلك الدور. تلك المهنة. ذلك القلب وتلك الروح.
تحت شمس حزيران العراقية الحارقة أقف معك يا أمي وأم كل العراقيين. يا أختي وأخت كل العراقيين وأنت الأم العظيمة والشجاعة. أم الوطن والشعب في حضورهما وغيابهما، في هزيمتهما ونصرهما، في موتهما وقيامتهما. أنت الأم الخالدة التي تهب للوطن والشعب معنى. وهبك إيهاب أعظم ما لديه. وطنا وشعبا خالدين.

من خلالك يمكننا أن نثق بوطننا وشعبنا يا أمنا العظيمة.