"أنا معك" يدين فوضى العالم

جمعية كلباء للفنون المسرحية تفتتح الدورة الخامسة من مهرجان المسرح الثنائي بعرضها "أنا معك" عن نص جمعة علي وسينوغرافيا وإخراج عبدالرحمن الملا.
عنوان العرض أيضا لم يكن متوافقا مع ما يحمله من قضايا وأبعاد نفسية وإنسانية
المؤثرات الصوتية تكشف عن صوت أقدام تخطو على الأصداف

افتتحت جمعية كلباء للفنون المسرحية الدورة الخامسة من مهرجان المسرح الثنائي الذي تنظمه إدارة المسرح بدائرة الثقافة في الشارقة، بعرضها "أنا معك" عن نص جمعة علي وسينوغرافيا وإخراج عبدالرحمن الملا، وتمثيل الفنانان جمال السميطي وعبير خليل، وهو العرض الذي طرح تساؤلات متداخلة وملتبسة على الرغم من أن قضية العرض الرئيسية لا تتجاوز طفلة أنقذها طبيب قبيل تشريحها وبيع أعضائها، هذه الفترة التي قتل أبواها اللاجئان فحملها الطبيب إلى المستشفى توقعا منه أنها على وشك مفارقة الحياة، لكنها كانت بصحة جيدة، فقرر إنقاذها وجراء ذلك خسر وظيفته وراتبه وأصبح مطاردا، فأخذها إلى أحد الشواطئ ليعمل صيادا وبائع عقود من الأصداف، حتى إذا كبرت أطلقها في الشوارع والطرقات لبيع عقود الأصدفاء.
فتح العرض على ما يشبه المركب والبيت في آن، دون تحديد مكان لكن زمان فقد تكشف أنه الحاضر الآني، ودون تحديد كون هذا الرجل أبا للفتاة أو قريبا لها، أم أنها مجرد فتاة لقيطة حملها من الشارع، تتجلى في ثيابهما ملامح الفقر المدقع، وفي حوارهما حالات من النقمة والغضب والخوف والحزن. الرجل الذي جاء بلا اسم  يحتسي الخمر طوال الوقت ويرى في نفس سكير عربيد، فيما ترى الفتاة في نفسها ابنة الشوارع والطرقات والارصفة.
في البدء تكشف المؤثرات الصوتية عن صوت أقدام تخطو على الأصداف، ثم تعلن وجود الفتاة في الشارع لبيع عقود الأصداف تستوقفها إحدى السيارات، فتفر هاربة وعائدة إلى مقر الشاطئ والمركب حيث الرجل السكير الذي يطارده وهم رنين هاتف وما أسماه "التعاسة". يتحاوران الرجل والفتاة، حيث تبحث الأخيرة عن ماض له، متسائلة أنها منذ وعت لم تعرف له زائر قريب أو عابر سبيل، فيحكي لها عن أصدقاء له وعن فتاة عشقها وعشقته لكن السبل فرقت بينهما، حتى إذا واجهته بسؤال عن وظيفته السابقة هاج وماج وسألها عن عما تفكر فيه، لتعلن أنها التقت بشخص توقف حاول التحرش بها وأنه أعطاها مبلغا من عملة ـ لم يتم تسميتها ـ وأنها ترغب في أن تصبح ممثلة عالمية، ليصرخ فيها "بنت إبليس" ليتحول من سكير مجنون إلى مفكر عندما يرى أن هذه العملة كانت نكبة جعلت صاحبها يشتري أبناء جلدته بثمن بخس، ويتساءل من أنا؟ من نحن؟ قائلا "نحن ألم الحياة، مخلفات زمن". متهما إياها بإخفاء أمر صاحب السيارة أحد الأثرياء الجدد.

سماء إبراهيم: كان كل شيء مقبولا بالنسبة لي، وفي الثلث الأخير نكتشف أنها لم تكن ابنة شوارع أو لقيطة وإنما هي ابنة للاجئين. فلماذا إذن كل هذا الاستغرق في كون الفتاة ابنة شوارع وبائعة عقود الأصداف وغيرها من النعوت التي كان يطلقها الرجل عليها

بنهاية العرض تتكشف القضية الرئيسية التي تكشفها الفتاة بحصولها على البالطو الأبيض، وتحت ضغوط الاتهامات التي توجهها للرجل يعترف بأنه الطبيب الذي أنقذها من البيع كقطع غيار بشرية، وأن أبويها كانا لاجئين قتلا على شاطئ البحر. في إدانة واضحة لما يجري من فوضى في العالم.
يدخلنا العرض في حالات ومواقف كثيرة تطرح تساؤلات ملتبسة مثل هل القضية هوية أم قضية انسلاخ من ثوابت قيم إنسانية كانت من ركائز حضارتنا وثقافتنا تحت وطأة سيطرة العالم المادي؟ أم أن القضية تخص المأزق الإنساني العميق الذي تدور في فلكه مجمل القضايا الإنسانية في لحظتها الراهنة؟ وتأتي هذه التساؤلات تحت مواقف مثل تجارة الأعضاء البشرية، وسيطرة العملة الغربية، واللاجئين، والفقر. 
الفنانان السميطي وعبير خليل أديا بشكل رائع وقدرة متميزة على الانتقال بين حالات الغضب والحزن والخوف والتساؤل، وكانت مسحة الكوميديا الساخرة ذات وقع مؤثر ألقى بظلال مهمة على الدفع بقضية النص إلى المضي قدما من حالة لحالة، كما أن المؤثرات الموسيقى إلى حد كبير مع وقع تصاعد الخيط الدرامي وانسجمت  مع التساؤلات الغاضبة والناقمة على فوضى ما يجري في العالم وانعكاساته على حياتهما.
عنوان العرض أيضا لم يكن متوافقا مع ما يحمله من قضايا وأبعاد نفسية وإنسانية، ربما بخلاف المشهد الأخير عندما يعلن السكير للفتاة أنها أصبحت أمه وحبيبته وابنته فيما هي تهم بالهروب منه ومن جحيم حياته، لكنها تعود فتجده ملقى على سطح المركب فتظن أنه مات، فتسأله ألا يتركها وحدها، وهنا يهب الرجل.
لم تكن المشكلة برأيي في إخراج العرض الذي أثنى عليه الجمهور والمسرحيون الذين شاركوا في الندوة التي أعقبته وأدارها المخرج فيصل الدرمكي، ولا في فنانيه جمال السميطي وعبير خليل، ولكن كانت في الإعداد الذي لم ينظم القضية المفصلية وهي قضية الفتاة وعلاقتها بالرجل كمرتكز رئيسي تنفك حلقاتها حلقة تلو الأخرى ولكن اشتبك بها مع قضايا كبرى فأغمطها حقها في التجلى والتأثير. لذا فإن عناصر السينوغرافيا والإخراج قدما كل ما من شأنه إظهار العرض بشكل جدير بالمشاهدة والمتعة.

في الندوة التي أدارها المخرج فيصل الدرمكي حيث تم مواجهة المؤلف جمعة علي والمخرج عبدالرحمن الملا حيث أثني د.خليفة الهاجري على العرض لكنه لفت إلى أن كتل الديكور الكبيرة على خشبة المسرح تستلزم مجهودا شاقا وذكاء في التعامل. مؤكدا على أن العرض شهد تناغما بين عناصر السينوغرافيا من إضاءة وديكور ومؤثرات صوتية وأن هذه السينوغرافيا راعت الأبعاد النفسية للحالات التي أداها الممثلان.
ورأى المخرج العماني عماد الشنفري أن المخرج وفق في السيطرة على العرض من البدء وحتى الختام، كما وفق في اختيار الممثلين، ولفت إلى أن عبير خليل كان عليها التغيير من أدائها في الحالات التي حملتها أبعاد القضية. ولفت الشنفري إلى نقصان في النص كان يستدعي التعريف بهوية شخصية السكير وإضاءة الحالات التي مرت بالقضية وليس تركها لنهاية العرض.
ورأى المغربي عمر الرويضي أن العرض منسجم على مستوى الأبعاد الجمالية والرؤية والإخراج، وأبدى ثلاث ملاحظات الأولى باللغة العربية الفصيحة الني نطق بها العرض حيث توجد هناك أخطاء نحوية، والثاني الإلقاء حيث لاحظ تسرعا وارتباكا على مستوى مخارج الحروف، والثالث تحول الديكور إلى عائق تواصلي مع الجمهور.
وقالت الفنانة المصرية سماء إبراهيم إن حالة التوتر من المشهد الأول كانت مفتاح التواصل حتى نهاية العرض. ورأت أن الحبكة داخل النص افتقدت إلى جزء مهم جدا حتى ثلثي العرض، "كان كل شيء مقبولا بالنسبة لي، وفي الثلث الأخير نكتشف أنها لم تكن ابنة شوارع أو لقيطة وإنما هي ابنة للاجئين. فلماذا إذن كل هذا الاستغرق في كون الفتاة ابنة شوارع وبائعة عقود الأصداف وغيرها من النعوت التي كان يطلقها الرجل عليها". 
يذكر أن الافتتاح بدأ بتقديم مخرجو العروض الخمس المشاركة في المهرجان عبدالرحمن الملا، د.جمال ياقوت، إيهاب زاهدة، إبراهيم روبيعة، عماد الشنفرى.