أورتاغوس تستفزّ إيران من قصر بعبدا

من قصر بعبدا، قالت المبعوثة الأميركيّة كلمتها. الأكيد أنّ من الصعب على الثنائي الشيعي استيعاب ما ورد فيها والتكيف معها.

يشكل ما قالته مورغان أورتاغوس نائبة المبعوث الأميركي إلي الشرق الأوسط من قصر بعبدا، تحديدا، موقفا طبيعيا نظرا إلى أنّه ينسجم كليا مع توجهات إدارة دونالد ترامب التي تتميز بوضوح ليس بعده وضوح عندما يتعلّق الأمر بإعتبار إسرائيل خرجت منتصرة في حربها مع "حزب الله". هذا يعني أنّ على الحزب، ومعه لبنان كلّّه، دفع ثمن الهزيمة والإعتراف بالواقع اللبناني الجديد في ظلّ واقع إقليمي مختلف كلّيا فرضه تحوّل ذو طابع تاريخي في سوريا.

هل يقبل الحزب، ومن خلفه "الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران بهذا الواقع ويتعاطى معه بمرونة... أم يحتفظ بسلاحه رافضا تطبيق بنود الاتفاق الذي أوقف الحرب ووضع حدا لمزيد من التدمير للقرى والبلدات في جنوب لبنان؟ هل يعي الحزب أنّ ذلك يمكن أن يجرّ حربا جديدة على لبنان؟

كانت لغة أورتاغوس لغة مباشرة، فيما من الواضح أنّ الحزب يعتمد عن طريق رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي تفاوض بطريقة غير مباشرة مع إسرائيل، من أجل التوصل إلى وقف الحرب لغة مباشرة أيضا. تقوم هذه اللغة على أن الطائفة الشيعية رهينة لدى الثنائي الشيعي وذلك بغض النظر عن أمرين أساسيين. أولهما وجود بعض التباينات بين الحزب وحركة "أمل" والآخر وجود معارضة شيعية واسعة لكل ما قام له الحزب، خصوصا منذ نفّذ القرار الإيراني بفتح جبهة جنوب لبنان في اليوم التالي لـ"طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول – اكتوبر 2023.

تضع أورتاغوس لبنان أمام خيار واحد هو خيار دفع ثمن هزيمة "حزب الله" الذي فقد عمليا معظم قياداته من جهة وجزءا كبيرا من قواته من جهة أخرى. الأهمّ من ذلك كلّه، فقد سوريا التي كانت في عهدي الأسد الأب والأسد الإبن، من منطلق مذهبي، مجرّد تابع لإيران وذلك بغض النظر عن بعض الفروقات التي من بينها ذهاب بشّار الأسد بعيدا في إعجابه بحسن نصرالله ووضع نفسه في تصرّفه.

من أجل إزالة كلّ التباس في شأن ما ورد على لسان المبعوثة الأميركية، الذي أخذت مسافة منه رئاسة الجمهوريّة اللبنانية، من المفيد إيراد النقاط التي شدّدت عليها وهي الآتية:

- إسرائيل هزمت "حزب الله".

- تلقى "حزب الله" هزيمة عسكرية ولن يستطيع بعد الآن إخافة الشعب اللبناني.

- من الضروري ألّا يشارك الحزب بأي طريقة من الطرق في الحكومة اللبنانيّة.

-نعمل بجهد من أجل وضع حدّ لنفوذ "حزب الله" وندعو إلى نزع سلاحه.

- على لبنان الإنتقال من الإعتماد على المساعدات الدولية إلى وضع يستقطب فيه الإستثمارات.

- إننا مصممون على العمل من إجل جعل إعادة للإنتشار (العسكري) الإسرائيلي يتم ضمن المهل المحددة.

- لاحظت حماسة كبيرة لدى الجالية اللبنانية في الولايات المتحدة في ما يخص مستقبل لبنان. وتشاركت في هذا الفرح مع الرئيس (جوزيف) عون.

جاء رد الثنائي الشيعي قبل يوم واحد من مجيء المبعوثة الأميركيّة إلى لبنان. عرقل نبيه برّي تشكيل حكومة لبنانية برئاسة نواف سلام. لا يصرّ الثنائي الشيعي على وزارة المال فحسب، بل يريد أيضا احتكارا كاملا للحصة الشيعيّة في الحكومة. تعتبر إيران، بعد فقدانها موقع رئاسة الجمهورية الذي أوصلت إليه في الماضي الثنائي ميشال عون - جبران باسيل ثم موقع رئيس مجلس الوزراء الذي ازاحت منه سعد الحريري في مرحلة معيّنة، مسألة تشكيل الحكومة اللبنانية حصنها الأخير.

حددت أورتاغوس الخطوط العريضة لما يفترض أن يكون عليه لبنان في حال كان يريد أن يكون دولة طبيعية في المنطقة تحظى بدعم أميركي. الأكيد أن شروطها تستفز إيران التي تفرض على "حزب الله"، وبالتالي على الثنائي الشيعي، اتباع سلوك معيّن. يعكس مثل هذا السلوك رغبة واضحة في الإرتداد على الداخل لتغطية الهزيمة العسكرية التي تعرض لها الحزب في الجنوب والبقاع على كل المستويات.

في النهاية كيف يرد الحزب على فقدان المواطنين الشيعة لبيوتهم وارزاقهم؟ هل لديه ما يعوض به عليهم ماديا ومعنويا؟ هل لديه غير الكلام عن انتصارات وهميّة؟

سيكون صعبا على "الجمهوريّة الإسلاميّة" قبول هزيمتها في لبنان بعد الضربة التي تلقتها في سوريا. يبدو واضحا أنّّها ترفض التصرّف بما تمليه عليها موازين القوى الجديدة في المنطقة. عبّرت المبعوثة الأميركية إلى لبنان عن طبيعة موازين القوى الجديدة التي يصعب على إيران قبولها، وهي موازين لم تكن إسرائيل وحدها وراء فرضها. ساهم الدعم الأميركي الكبير لإسرائيل في تمكينها من تدمير غزّة تدميرا شبه كامل ومن تغيير الوضع على الأرض في لبنان. لو لم يتغيّر الوضع فعلا، لما انتخب جوزيف عون رئيسا للجمهورية ولما كلّف شخص مثل نواف سلام تشكيل الحكومة الجديدة.

من قصر بعبدا، قالت المبعوثة الأميركيّة كلمتها. الأكيد أنّ من الصعب على الثنائي الشيعي استيعاب ما ورد فيها والتكيف معها. الخوف كلّ الخوف أن يكون ردّه على الموقف الأميركي، الذي هو موقف عربي بشكل عام أيضا، عبر تعطيل تشكيل الحكومة ومنع أي شيعي لا يرضى عنه في الإنضمام إليها. الأخطر من ذلك كلّه أنّ الحزب يعدّ منذ الآن لجنازة ضخمة لحسن نصرالله تجري في الـ23 من الشهر الجاري يؤكد من خلالها أنّ يمثل كلّ شيعة لبنان، بل يمثل أيضا امتدادا لهؤلاء في المنطقة مع تركيز خاص على العراق. بدأ عراقيون في التوافد على لبنان منذ الآن للمشاركة في الجنازة.

تبقى المشكلة في نهاية المطاف ذات شقين. أولهما رفض الثنائي الشيعي وقف هيمنته على لبنان وهي هيمنة مكنته في مرحلة معينة من الحصول عبر ميشال عون وجبران باسيل على غطاء مسيحي لسلاحه غير الشرعي. أمّا الشق الآخر فيتعلق بإيران نفسها التي لا تستطيع تصور أن لبنان يمكن ينهض مجددا وألا يكون مجرّد مستعمرة تعيّن فيها رئيس الجمهورية الذي تختاره.