أين المبدع من المتلقي؟

الناقد الراحل عبدالقادر القط اعتبر أن قضيتنا الأدبية الأولى تتمثل في الخلاف أو الانقطاع الواضح بين عملية النقد وعملية الإبداع، وتطرق الى مشكلة خشية كبار النقاد أو النقاد القدماء من بأس الأدباء الشباب وسلاطة ألسنتهم.
مشكلة الشعر العربي الحديث تتمثل في الانقطاع بين المبدع والمتلقي
مشكلة الانقطاع بين المبدع والمتلقي قائمة أيضا بالنسبة للقصة القصيرة
العملية النقدية التي تصاحب حركة الإبداع هي في بعض جوانبها استحضار لطبيعة المتلقي ولطبيعة المجتمع

في محاولة للخروج من المأزق الذي تمر به العملية الإبداعية والنقدية العربية، وفي محاولة لإزاحة هذا الصمت الرهيب الذي يحلق فوق تلك المنطقة التي يخشى أن يلتقي عندها الناقد بالمبدع أو يخشى المبدع بأس الناقد، أو العكس، أوضح الناقد الراحل الدكتور عبدالقادر القط عندما كان رئيسًا لتحرير مجلة "إبداع" المصرية أنه من خلال متابعته للإنتاج الأدبي في السنوات الأخيرة من ناحية، ومن خلال ما يرد إليه من إنتاج في القصة والشعر والمسرحية ذات الفصل الواحد والمقالات النقدية للمجلة ان القضية الأولى التي شغلت باله، والتي يحس بأنها قضيتنا الأدبية الأولى هي هذا الخلاف أو الانقطاع الواضح بين عملية النقد وعملية الإبداع، فهناك موقف من شباب الأدباء في الشعر والقصة والرواية من الجيل السابق، وهم يعدُّون هذا الجيل منقطعًا تماما عن همومهم من ناحية وعن اتجاهاتهم الفنية من ناحية أخرى، ثم هناك أيضا اتهام للنقاد بأنهم مقصرون في حق الأدباء الشبان، ومقصرون في حق الاتجاهات الأدبية الجديدة، لأنهم لا يتابعونها كما ينبغي.
وقال الدكتور القط إن هذا الانقطاع لم يكن مألوفا – أو هذا الإحساس على الأقل بالانقطاع لم يكن مألوفا – في حياتنا الأدبية، حين كان يتواصل الجيل القديم مع الجيل الجديد، لكن واضح أن هناك مؤثرات جديدة على حياتنا أو روافد خارجية أصبحت تسرع بالتطور الفكري والفني حتى لم يعد من الممكن أن تتلاحق الأجيال، وأن تختلف هذا الاختلاف اليسير الطبيعي بين الجيل القديم والجيل الجديد، فأصبح هناك خلاف لا في الأدب وحده ولكن في السلوك أو في البيئة الاجتماعية في المجتمع المصري، فكل بيت مصري حاليًا يعاني من هذا الانقطاع بين الآباء والأبناء، الابن في البيت في منتهى الانطواء، ليست هناك هذه المشاركة الوجدانية المألوفة بين الآباء والأبناء، فإذا خرج الشاب إلى الحياة في الشارع وفي الجامعة وفي المدرسة أصبح إنسانًا آخر منشرحًا منفتحًا سعيدًا بزمالة أصدقائه ولهوه ومصاحبته إياهم.
ويشير القط إلى أنه قد يكون هذا بعيدًا عن الأدب، ولكن هذه القطيعة في الأدب، والواضحة في أن هناك اتجاهات جديدة لا يستطيع الجيل الجديد لرأي النقاد والأجيال السابقة تبرز أشد ما تبرز في الشعر، أي أن المشكلة تتحقق في الشكل الشعري أكثر من أي شكل فني آخر، فالشعر قضى نحو عشرين سنة وهو يتطور تطورًا طبيعيًّا حتى انتهى إلى بعض الأنماط الثابتة وبعض الكلشيهات المكررة، وكان لا بد أن تطرأ حركة تجديد أخرى من داخل هذا الشكل الجديد، فبدأت – ربما منذ السبعينيات – بأثر هزيمة 1967 وبأثر مكونات فكرية وثقافية واجتماعية أخرى طائفة من الشباب ينطوون على أنفسهم يكتبون في تجارب مجردة، مطلقة، ليست متصلة بالواقع اتصالاً قريبًا أو بعيدًا لكنها تنبع من التجربة النفسية ومن العقل الباطن، ثم من نتيجة ذلك أن لجأ الشعراء إلى التجريد في التعبير والتحلل من منطق اللغة ومن دلالات الألفاظ حتى أصبح هناك أيضًا انقطاع بين المبدع والمتلقي، وهذه في رأي القط مشكلة الشعر العربي الحديث في الفترة التي نعيشها.
ويؤكد القط أن الشعراء كلهم يكتبون، وكأنهم يكتبون لأنفسهم وهو متشرذمون – على حد التعبير الشائع الآن – في جماعات أدبية قليلة، يجلس بعضهم إلى بعض، ويقرأ بعضهم لبعض، ويثني بعضهم على بعض، وينشرون في هذه الكتيبات التي اصطلح على تسميتها بـ"الماستر" لكنهم لم يجربوا الاتصال بالجماهير ليروا وقع هذا الشعر في نفوس الجماهير ووجدانها. 
وعندما يقول ناقدنا الجماهير لا يقصد الجماهير الكبيرة التي تقرأ الصحف اليومية ولكن يقصد جماهير قراء الشعر من محبي الشعر المؤهلين لقراءته.
ويواصل قوله: يبدو أن هؤلاء الشباب لا يأبهون لهذا التوصيل أو أن يسمع صوتهم لدى الجماهير المحبة للشعر، وأنا دائما أقول إذا كانت أية حركة، حركة كبيرة حقيقة فإنها لا بد أن تعبر عن روح العصر وعن جماهير المثقفين الذين يحبون الشعر، إذا كان الإنتاج شعرًا، أو الذين يحبون القصة أو الرواية إذا كان الإنتاج قصة أو رواية.

'كيف للأستاذ أن يمارس صلته بتلميذه إذا لم تكن هناك هذه المحبة المتبادلة'
'كيف للأستاذ أن يمارس صلته بتلميذه إذا لم تكن هناك هذه المحبة المتبادلة'

ويؤكد القط أنه من حق الجماهير أن تجد من يعبر عنها، وأن تفرز من يعبر عنها، لكن أين المبدع من المتلقي في هذه الأيام؟ هناك هذه القطيعة التي قال الناقد إنها بين الأجيال من ناحية، وبين المبدعين والقراء والمتلقين من ناحية أخرى، وهل المشكلة تُحل لو غامر بعض هؤلاء الشعراء الذين يكتبون هذا الكلام الرمزي بالاتجاه إلى الجماهير مباشرة في طبعات كبيرة في المطبعة بدلا من الاكتفاء بهذه الطبعات الصغيرة الخاصة في "الماستر" وفي الكتيبات الصغيرة، ولكن يبدو أن هذه التجربة لم تتم، وإذا تمت فإن نتائجها لم تعرف بعد.
ويوضح القط أن هذه المشكلة قائمة أيضا بالنسبة للقصة القصيرة بالذات، فالقصة القصيرة شكل من الأشكال أقرب ما يكون إلى الشعر، لكن القصة القصيرة بحكم أنها قصة، وبحكم أنها لا بد أن تروي شيئًا أو تحكي شيئًا، فإنه لا يمكن أن تنزع هذه النزعة التجريدية المطلقة، فسيظل فيها مهما كانت النزعة إلى التجريد، ظل من الواقع، وسيظل فيها بعض الوقائع التي يمكن أن يستشفها القارئ من خلال هذه الأساليب المتقطعة المجردة التي تعتمد على الإيحاء وتعتمد على بنية جديدة للعبارة أكثر من العبارة التقليدية المألوفة.
وأوضح الناقد الدكتور عبدالقادر القط - عندما كان رئيسا لتحرير مجلة "إبداع" المصرية - أنه فيما يرد للمجلة من إنتاج، هناك مشكلة خاصة بالشباب والناشئين، فإذا كانت ترد مائة رسالة إلى المجلة يوميا فإن 70% منها من شباب يتصورون أن ما يكتبونه شعرًا أو أن ما يكتبونه قصةً، وهو في الحقيقة مجرد تعبير عاطفي عن هذه الفترة من الشباب التي تجيش فيها نفس الشاب بكثير من العواطف وكثير من القلق، فيتجه إلى الشعر أو إلى القصة الشبيهة بالشعر أيضا، ولكنه ليس شعرا على الإطلاق في كثير من الأحيان، بل يفرض الشاب على نفسه هذه التقسيمة الشكلية المعروفة للشعر، فيقسم الكلام إلى ما يشبه الشطرين، ويختمه بما يظن أنه قافية. وأنا دائما احتار أمام هذه القصص وأمام هذا الشعر، ماذا أفعل فيه؟ طبعا إذا نشرته في المجلة ستتحول المجلة إلى مجلة ناشئين، وليس هذا هدفها، وإذا حاولت أن أرد على كل رسالة بالتوجيه فهي عملية تقصر دونها إمكاناتي وإمكانات المجلة، ووقتي وجهدي، ولكني أحاول أن أختار بعض الرسائل التي بها توجه شخصيا لي، وأحس أنه لا بد أن أجيب عنها وأتوجه في هذه الحالة بالنصيحة لهؤلاء الشباب.

الشعراء الآن يجلس بعضهم إلى بعض، ويقرأ بعضهم لبعض، ويثني بعضهم على بعض، ولم يجربوا الاتصال بالجماهير ليروا وقع هذا الشعر في نفوسهم

وبالنسبة لمشكلة النقد – قال القط – يبدو أن الأدباء الشباب يعتقدون أن الناقد من الممكن أن يصنع أديبًا بين يوم وليلة. ويستطيع أن يدفعه إلى المقدمة دفعًا حتى لو لم يكن يستحق، والمفروض أن يواجه الأديب القراء، والناقد مجرد مفسر ومحلل ومقدم للعمل لهؤلاء القراء، وقد يكون هذا دافعًا لأن يختصر الأديب الطريق إذا كان الناقد ذا صوت مسموع ومعروف بالقدرة والنزاهة، ولكن أن تشكل المشكلة الدائمة عند الأدباء وأن النقاد مقصرون، وأن هذا الجيل "جيل بلا أساتذة" فهذا شيء يحمل النقد أكثر مما يحتمل، ومن ناحية أخرى – أوضح القط – أن هناك مشكلة ثانية متصلة بانقطاع الأجيال، وهي أن من يسمونهم بكبار النقاد أو النقاد القدماء يخشون بأس هؤلاء الشباب، لأن هؤلاء الشباب فيهم نوع من الاعتداد الشديد بما يكتبون، والاعتداد الشديد باتجاهاتهم كما فيهم نوع من سلاطة اللسان – إن صح التعبير – وهم لا يسكتون على نقد يوجه إليهم، وأول ما يرمى به الناقد حين يعترض على عمل أو ينقد عملا أنه من جيل متخلف لا يعايش الشباب، ويقولون إننا "جيل بلا أساتذة". 
فكيف للأستاذ أن يمارس صلته بتلميذه إذا لم تكن هناك هذه المحبة المتبادلة من ناحية، هذا الاحترام المتبادل من ناحية أخرى، وهذه المحاولة للاقتراب من الأستاذ. وهذا ما كنا نفعله مع أساتذتنا، فعندما كان يدخل علينا أستاذ كبير كطه حسين أو أحمد أمين أو أمين الخولي أو غيرهم، كنا نشعرهم بأن مدار الكون يتوقف عند ما يقوله الأستاذ، فيصبح بذلك راضيًا ومسرورًا وتتفتح نفسه ويتفتح وجدانه وفكره ويلقي إلينا بكل ما لديه من علم وخبرة.
أما إذا كنت أنا كناقد أقول كلمة نقد وأنا أتوقع من الأديب الشاب أن يُسيء إليَّ لأن عمله لا يعجبني أو ليس على المستوى الإبداعي المطلوب، فإن هذا يخلق بعدًا بيني وبين مثل هذا الأديب، وقد حدث بالفعل أن جاءني أحد الشعراء الشباب الذين يكتبون هذا الشعر الغامض – وأنا من عادتي أن أشجع كل اتجاه جديد وكنت من أنصار الشعر الحر، وحينما سألته: ماذا تريد تقول في عملك، أنا لا أريد أن أفهم فهمًا مباشرًا، ولكن أريد إيضاح شيء عن عملك لأن قصيدتك لا تعطيني شيئا؟ وبالطبع غضب هذا الشاب غضبا شديدا لما قلته، وأتذكر أن القصيدة كان مطلعها "المسافات الشاسعة بيننا" فقال لي إننا أجيال مختلفة، ولن يفهم بعضنا بعضا، إن المسافات شاسعة بيننا.
ويمضي القط قائلا: أود أن أذكر هنا أن للموهبة الشاعرة البادئة لا بد أن تبدأ من التراث، ولا بد أن تمتلك السيطرة على اللغة وأساليبها بحيث تجد الموهبة هذا الزاد الفني اللغوي الذي تستمد منه لحظة الإبداع فلا تستمد من حصيلة فقيرة في اللغة وفي البنية وفي الصور الشعرية، لكن حين يواجه الإنسان مثل هذه النماذج من الشعر يجد أنها فقيرة في اللغة ليس فقرًا مرده أن الشاعر يريد أن يقترب من الحياة اليومية لأن التجربة عنده تكاد تكون تجربة فلسفية، وهي في حاجة إلى لغة أعلى من هذا، وإلى اختيار دقيق للألفاظ أكثر من هذا، لكن نجد أنها لغة بسيطة وركيكة أحيانا أخرى ثم تختلط فيها الأوزان على غير هدى. فالشعر الحر في رحلته الأولى أحيانا كان يجوز فيه استخدام أكثر من وزن أو أنه يغير أو يبدّل الأوزان في داخل القصيدة الواحدة، والتي تأتي أحيانًا على شكل مقاطع عن عمد وعن وعي، لكن هذا الشعر الذي أصادفه أحيانًا أجد أن السطر أو البيت نفسه به تفعيلتان أو أكثر من بحر، ونحن نعرف أن الشعر الحر معظمه من البحور التي اصطلحوا على تسميتها بالبحور الصافية التي تعتمد على تكرار تفعيلة واحدة، ويقولون أحيانا إننا نكتب القصيدة النثرية أو قصيدة النثر. 

الإنسان في لحظة الإبداع لا يستحيل إلى كائن خرافي ولا تنبت جذوره من أوضاعه الاجتماعية في مجتمعه وفي مرحلته الحضارية

ويمضي الناقد عبدالقادر القط فيقول: والذي أعتقده أن لهذه القصيدة مفهومها المصطلح عليه، فالموسيقى فيها تكون إيقاعًا وليس وزنًا مطردًا، وميزة هذا الشكل أنه يتحرر من القيود الشكلية للشعر إذا كان صاحبه ليس ذا موهبة حقيقية تعينه أن يكون كلامه موزونًا بالضرورة وبالطبيعة. ولكنه أيضا يحتاج إلى رهافة حس من حيث اللغة حتى يكون هذا الشكل مبررًا كشكل فني قريب من الشعر، ويحتاج أيضا إلى عنصر من عناصر الفكر حتى يبرر أيضًا عدول الشاعر عن هذا الشكل الفني الذي يعبر عن الوجدان وعن الحس إلى شكل آخر به قدر من إمكانات الشعر، وقدر من الإمكانات الفكرية للنثر. وهذا ربما يكون غير موجود في قصيدة النثر عندنا في مصر. أما في لبنان حيث شاع هذا الدرب من القول فإنه موغل في التجريد إلى حد بعيد مع أن هذا الشكل بطبيعة أنه نثر، وبطبيعة أنه يتوقع من صاحبه أن يمزج بين الشعور وبين الفكر يتقضي قدرًا غير قليل من الوضوح.
لكن على أي حال – يقول القط – إذا كان الإنسان يكتب من هذا اللون فلا بد أن يُدرك أنه يكتب نثرًا، ولا يكتب شعرًا لكن إذا بدأ يكتب شعرًا ثم يختل الوزن في يده، فليس هذه قصيدة نثر ولكنها قصيدة "مكسرة"، وهذا ما يحدث في كثير من الأحيان في قصائد كثيرة يصادفها المرء حتى عند شعراء معروفين بتجاربهم الطويلة في الشعر الحر، فآخذ عليهم بعض الكسور، فيقولون إن هذا يحدث في وقدة التجربة الشعرية، ولا أستطيع أن ألتفت مرة أخرى أو أراجع ما حدث أثناء كتابة القصيدة، لأن هذا حدث في وقدة التجربة الشعرية، ولكني أعتقد أنه مهما كانت التجربة حادة فإنه بما أن الشاعر لديه الموهبة الأساسية المفروض أن تكون موجودة أو الاستعداد السليم، فأعتقد أن شعره لن يكون به كسور مطلقا.
ويعود د. القط إلى القصة القصيرة فيقول: أنا أحذر أيضا من هذا التجريد المطلق الذي ينزع فيه أصحابه إلى اتجاهات الأدب الأوروبي الحديث، وينبغي لهم أن يلتمسوا الواقع العربي المعاصر.
إن الأمر سيكون صعبا بالنسبة للشعر لأن الملتقي العربي للشعر مازالت أذنه تلتمس إيقاع الشعر العربي القديم، رغم كل التطورات التي حدثت، وليس من السهل أن يتخلص المتلقي العربي من هذا الإيقاع العربي الذي تربى عليه أكثر من 1500 سنة. ولست أستطيع أن أقيس التطور الشعري في الغرب وأطبق هذا التطور عندنا لأن المتلقي الأوروبي تعوّد على أن يكون هناك كل مائة سنة على الأقل اتجاه جديد في الشعر، وتعوّد على هذه المتغيرات والتطور الفني والحضاري، وأنا لا أستطيع أن أقيس هذا وأطبقه على الشعر العربي لأننا كنا مجتمعًا راكدًا وثابتًا على صورة واحدة لا تتغير لأكثر من 1500 سنة تقريبا، قد يتغير حاكم ويأتي حاكم، ولكن تظل البيئة الاجتماعية والفكرية ثابتة على نمط واحد لا تتغير وحتى منتصف القرن التاسع عشر تقريبا.

من حق الجماهير أن تجد من يعبر عنها، وأن تفرز من يعبر عنها

وليس من السهل أن نتخلص من هذا الإحساس بالسلفية مرة واحدة، ولا ينبغي للأديب أن يتجاهل هذه الحقيقة إذا كان يريد أن يعبر عن مجتمعه وعن طبيعة عصره وعن مرحلته الحضارية لحظة الإبداع – حقيقة – من الممكن أن ينسى فيها هذا، ولكن من ناحية أخرى فمن المؤكد أن الإنسان في لحظة الإبداع لا يستحيل إلى كائن خرافي ولا تنبت جذوره من أوضاعه الاجتماعية في مجتمعه وفي مرحلته الحضارية.
ويختم الدكتور القط محاضرته في اتيليه الإسكندرية في ديسمبر 1983 بقوله: إن العملية النقدية التي تصاحب حركة الإبداع دون أن يدري الأديب هي في الحقيقة في بعض جوانبها استحضار لطبيعة المتلقي ولطبيعة المجتمع، وليست مجرد صياغة فنية محضة، ولكنَّ بعضًا منها استحضار لطبيعة المجتمع واستحضار لطبيعة المتلقي أيضا.