إثارة هوليودية من أجل حفلة نووية
"نافذة المفاوضات النووية مفتوحة لكن ليس إلى الأبد". هذا ما تقوله إيران وليست الولايات المتحدة كما قد يتوقع البعض. بطل الفيلم أو الطرف الأقوى في المسرحية. وليست هناك حاجة إلى إخفاء الوضع المحرج الذي انتهت إليه المجموعة الأوروبية ومعها الولايات المتحدة في مواجهة القمع الذي يمارسه نظام الملالي ضد الاحتجاجات المستمرة منذ مقتل الشابة الكردية مهسا أميني بعد أن تم اعتقالها من قبل شرطة الإخلاق بتهمة نزع الحجاب أو ارتدائه بطريقة غير قانونية.
لم يعد في إمكان أوروبا والولايات المتحدة التستر على جرائم النظام والاستمرار في مفاوضات عبثية فيما اعداد القتلى من المحتجين تتزايد وفيما يتزايد عدد المعتقلين من حملة الجنسيات الأوروبية. ليس في إمكان أوروبا أن تتخلى عن مواطنيها وتلجأ إلى التفاوض سرا بشأنهم في الوقت الذي يعلن النظام الإيراني أنه اعتقلهم بتهمة التجسس لحساب الدول التي يحملون جنسياتها.
غير أن اللافت أن أحدا من الطرفين الأميركي والأوروبي لم يعلن عن تعليق المفاوضات النووية إلى جوار العقوبات غير المؤثرة التي صارت تُفرض على إيران إرضاء للرأي العام الغاضب في أوروبا بسبب سلوك النظام الإيراني الهمجي في مواجهة مطالبة المحتجين بعدم اختراق حق الإنسان في اختيار ملبسه وليس وطنه أو ديانته أو نوع الجنس الذي يناسب ميوله.
إيران هي التي تهدد بتعليق المفاوضات كما لو أنها الطرف غير المستفيد الذي يهب ولا يأخذ. فهي تتحدث بنوع من الضجر عن الزمن الذي استغرقته المفاوضات من غير أن تصل إلى نتائج ملموسة. وما تلك النتائج سوى ما تريده وما ترغب في فرضه على العالم وما تشعر أن الولايات المتحدة ستساعدها في الوصول إليه. بمعنى أنها صارت متأكدة من أنها قادرة على فرض شروطها لا لأنها الأقوى، بل لأن هناك رغبة أميركية في الانتقال بها من كونها دولة مارقة هي جزء من محور الشر إلى كونها دولة صديقة سيؤدي تدخلها العسكري في شؤون أربع دول إلى استقرار المصالح الأميركية في المنطقة والحفاظ عليها. تلك هي عقدة المسرحية التي أدركت إيران أنها بطلتها المدللة التي يسمح لها بالخروج على النص متى تشاء وفي المناسبات التي تعنيها.
لذلك فإنها وجدت في التردد الغربي مناسبة لاستعراض عضلاتها. وهي عضلات صورية وليست حقيقية. ذلك لأن إيران لا تجرؤ فعلا على مواجهة إسرائيل فكيف بمواجهة الولايات المتحدة. وهي كما رأينا في الماضي حين تصل الأمور إلى موضع يكون فيه نظامها في خطر تتراجع عما كانت تعتبره شروطها. ذلك ما نعرفه وما تعرفه قبلنا الأجهزة المخابراتية الأميركية. ويمكن اعتبار الصمت الأميركي إزاء التهديدات الإيرانية بإمكانية وقف المفاوضات مؤشرا على أن هناك ميلا أميركيا لحث الدول الأوروبية إلى استئناف المفاوضات والانتهاء من الاهتمام بمعناة الشعب الإيراني رسميا وهو ما يمكن أن ينعكس على وسائل الإعلام التي هي في جلها تابعة لنظام رقابة خفي بالرغم من أنها تعمل بحرية كما يُقال.
هل يمكن القول والحالة هذه إن الإيرانيين صاروا من خلال جمعياتهم الضاغطة في مراكز صنع القرار وبالأخص في واشنطن صاروا على خبرة بآلية عمل المؤسسات السياسية في الدول التي يتفاوضون معها بحيث صارت لهم القدرة على التأثير على تلك المؤسسات والتلاعب بقراراتها؟
ذلك التكهن ليس صحيحا. لا لشيء إلا لأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد كشفت أنها تعمل على غرار إدارة الرئيس الأسبق أوباما. وهو ما يعني أن هناك رغبة في توقيع الاتفاق النووي بالشروط الإيرانية من غير النظر إلى اعتراضات الدول المتضررة في المنطقة التي هي دول حليفة للولايات المتحدة. إيران تعرف أن الرهان الأميركي وقع عليها باعتبارها دولة إزعاج. وهو ما يناسب مزاجها.
المزاج العدواني الإيراني يمكن أن يكون مريحا للولايات المتحدة من أجل استمرار مصالحها. تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تستمر الدول الحليفة لها في تقديم التنازلات خشية أن تقع ضحية لحرب لا تريدها. نوع من الإثارة يخفي رغبة في الشد وهو ما تفعله أفلام هوليود التي يتم تسويقها تجاريا. ومن وجهة نظر إيران فقد تم تسويق الاتفاق الإيراني الذي جرى توقيعه عام 2015 تجاريا وكان استعراض إنسحاب إدارة الرئيس ترامب منه قد جرى تسويقه تجاريا أيضا.
الآن تهدد إيران بالإنسحاب من المفاوضات. وهي ليست جادة. غير أنها تفعل ذلك من أجل إضفاء مزيد من الإثارة على المسرحية.