إخوان تونس.. نهاية صراع الشيخين بسقوط أحدهما

الفارق بين خفة عبد الفتاح مورو وثقل راشد الغنوشي سيتجلى إذا حقق الأخير ما يصبو إليه في زعامة البرلمان وإلا كيف لحركة أن ترشح لرئاسة البلاد شخصاً لا ترى أنه صالح لقيادتها؟!

بقلم: فارس بن حزام 

لجماعة "الإخوان" تجارب غبية كثيرة، وواحدة ذكية وماهرة فقط، مثلّتها "حركة النهضة" في تونس. في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة، سلكت مساراً جديداً، وهو صورة من صور دهاء قادتها في ضبط حركة الحزب، وإدارة المشهد السياسي لمصلحته.

"حركة النهضة" فاجأت تونس، والمراقبين من الخارج، بتقدمها إلى انتخابات الرئاسة منتصف أيلول (سبتمبر)، أي بعد خمسة أسابيع. في السنوات السابقة، لم يعهد اندفاعهم إلى قصر قرطاج. القراءة السريعة تقول إن لعابهم سال على الرئاسة بعد رحيل الرئيس الباجي قائد السبسي، لكن مع التأمل القليل داخل أروقة الحزب يمكن الخروج برأي مختلف.

خلال الفترة الماضية، تمثلّت أمامنا حقيقة جلية عن صراعات شرسة داخل "النهضة"؛ الشيخ عبد الفتاح مورو في مواجهة الأستاذ راشد الغنوشي. شخصيتان أسستا الحركة قبل 50 سنة تحت اسم "الجماعة الإسلامية"، وتفرقت بينهما السبل. يومها كان اسم الغنوشي "راشد الخريجي"، قبل أن يستبدله إلى الاسم المعروف لاحقاً، وقبلها هرب إلى المنفى، وبقي مورو في تونس، بعيداً وقريباً من "النهضة"، يمثلها ولا يمثلها. وفي 2011، التم الشمل، وفي العام التالي عاد إلى الحركة نائباً لرئيسها الغنوشي.

ومنذ أن صار الأستاذ الغنوشي شيخاً، لم يعد الأب القائد للحركة. لقد شق الشيخان مسارين مختلفين داخل الجماعة، ونجح مورو في استقطاب شرائح واسعة من منسوبيها وجماهيرها. بات تهديداً صريحاً للغنوشي. وعلى رغم تجاوز مورو السبعين، واقتراب رئيسه من الثمانين إلا أن طاقة المناكفة بينهما ما زالت ممتلئة لدى الرجلين.

والآن، ما الرأي المختلف حول تقديم "النهضة" مرشحاً إلى الرئاسة؟

يطمح الشيخ الغنوشي إلى رئاسة البرلمان، ولذا تقدم إلى الانتخابات البرلمانية لأول مرة، لكن ذلك لن يتحقق مع وجود الشيخ مورو في دائرة "تونس 1"، فكانت الصفقة عبر انتقال الأخير إلى سباق الرئاسة، وقد راقت له كثيراً. إذ يعتقد أن انفتاحه الثقافي وروحه المرحة محفزان لانجذاب الجمهور. رأى ذلك في رئاسة قائد السبسي، وقيّم شخصيته على أنها نسخة محافظة من الرئيس الراحل.

يعرف الغنوشي جيداً حجم نائبه مورو جماهيرياً، ومدى حظوظه في انتخابات الرئاسة. التقديرات من تونس تقول إن مورو ربما يتصدر الجولة الأولى بنيله ثلث الأصوات، أما مرشح "نداء تونس" ووزير الدفاع المستقيل عبد الكريم الزبيدي فقد يحل ثانياً، ليتقابلا في الجولة الثانية والحاسمة، وعندها ستذهب أصوات كثيرة من نساء وشباب تونس لأي مشروع ينافس "النهضة". وبذلك يسعى الغنوشي إلى ضرب عصافير كثيرة بحجر واحد؛ حرق مورو، وإبعاد مرشحين كانوا مع "النهضة" سابقاً من الجولة الأولى، وإزاحة الخصوم داخل الحزب، واستكمال ثنائية العهد مع الرئيس الجديد، إثر نجاحها مع الرئيس الراحل، ودخوله البرلمان وتحصين نفسه.

والفارق بين خفة مورو وثقل الغنوشي سيتجلى إذا حقق الأخير ما يصبو إليه، وإلا كيف لحركة أن ترشح لرئاسة البلاد شخصاً لا ترى أنه صالح لقيادتها؟

نُشر في الحياة