إسرائيل باعتبارها دولة مسالمة!

إسرائيل بعكس إيران إذا قالت شيئا فعلته.

قامت إسرائيل على أرض مغتصبة قبل أكثر من سبعين سنة.

تلك حقيقة لا ينكرها أحد. اليهود غير الصهاينة يعترفون بها علانية وهم يشعرون بالذنب. هناك شعب مشرد لا يزال يقيم في المخيمات بسبب قيام إسرائيل. هناك مجازر ارتكبت من أجل أن ترى تلك الدولة المختلقة النور ومن أجل ان تشعر بالأمان في ظل تعتيم عالمي.

إسرائيل ليست بلدا طبيعيا بل هي دولة معلبة. السنوات السبعين لم تغير من تلك الحقيقة شيئا.   

غير أن تلك الدولة المصطنعة حظيت باعتراف العالم كله. وهو ما يجب أخذه بنظر الاعتبار حين تكون إسرائيل هي موضوع الجدل والحوار مع العالم.

لقد عامل العالم إسرائيل بطريقة استثنائية لم تحظ دولة في التاريخ بمثلها وبما انطوت عليه من حرص ورعاية ودعم وحماية واختلاف.   

عبر سبعين سنة من عمرها صارت إسرائيل دولة نووية. غير أن أحدا من سياسييها لم يصرح بذلك. صحيح أنها لم توقع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية غير أنها لم تعلن على الملأ أنها دولة نووية ولم تهدد أحدا من أعدائها علانية بترسانتها النووية.

لم يصرح الإسرائيليون يوما أنهم في صدد محو مدينة عربية.

العراقيون بلسان صدام حسين فعلوا ذلك. قبل الرئيس العراقي كان الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر قد أوهم الجميع بأنه في صدد محو إسرائيل كلها.

ما يقوله الإيرانيون اليوم بألسنة قادة حرسهم الثوري عن محو مدن إسرائيلية في حال تعرضت بلادهم لضربة أميركية هو تكرار لسيناريو قديم، لا يخفي الإسرائيليون قلقهم إزاءه، بالرغم من معرفتهم المؤكدة أن إيران بالرغم من تهور قادتها وطيشهم وعماهم العقائدي لا يجرؤون على تنفيذ فقراته.

لقد دأبت إسرائيل في السنوات الأخيرة على توجيه ضربات انتقائية لقواعد وتجمعات ومعسكرات إيرانية أو تابعة لإيران في سوريا.

كان واضحا أن تلك الضربات لم توجه إلى سوريا.

في المقابل فإن إيران لاذت بالصمت. بل أنها من خلال إعادة نشر قواعدها وقواتها داخل الأراضي السورية قد نفذت حرفيا المطالب الإسرائيلية، تجنبا لتعرضها لضربات جديدة.

لذلك يمكن النظر إلى التهديدات الإيرانية بمحو مدن إسرائيلية باعتبارها مجرد استعراضات لغوية ــ دعائية موجهة إلى الجمهور الإيراني وإلى أتباع إيران الموالين لها في العالم العربي.

ولكن إسرائيل لا تناسبها تلك النظرة.

فهي بسبب حرصها على أمن مواطنيها وسلامتهم تضع في حسابها أسوأ الاحتمالات. وهو ما يجعلها مستنفرة لمواجهة تلك الاحتمالات.

غير أن الأمر الأكثر خطورة في التصريحات الإيرانية يكمن في أن الإيرانيين إذا ما امتلكوا سلاحا فإنهم سرعان ما يهددون باستعماله، وهو ما يعني أنهم لا يعرفون شيئا عن سياسة الردع.

الإيرانيون الذين يتباهون بأن صواريخهم تستطيع أن تدك مدنا إسرائيلية لا يجهلون أن إسرائيل لو تصرفت بطريقتهم الهوجاء فسيمكنها أن تهدد بمحو إيران كلها. ولكنها لم تفعل ولن تفعل. ذلك لأنها بالرغم من عدم توقيعها على المعاهدات الدولية الخاصة بالسلاح النووي تمتلك شعورا بالمسؤولية والتزاما أخلاقيا امام العالم لا يملكهما النظام الإيراني.

إسرائيل بعكس إيران إذا قالت شيئا فعلته.

ولو أنها كانت على يقين من أن لدى الإيرانيين الامكانية على ايذائها والحاق الضرر بمواطنيها لكانت قد سارعت إلى تدمير المواقع التي يتم فيها التحضير لضربها داخل إيران، كما سبق لها وأن فعلت بالعراق حين دمرت مفاعل تموز النووي عام 1981.

إسرائيل ليست دولة مسالمة كما تحب أن تصور نفسها غير أنها بالتأكيد أفضل بكثير من إيران في احترامها لكفاءة قدرتها في الدفاع عن النفس. فهي تملك كل ما أنجزته التقنيات الحديثة من الأسلحة المحظورة، غير أنها لم تلجأ إلى استعمال أسلحة بيولوجية أو كيمائية حرصا منها على أن لا يلحق بها عار تلك الأسلحة وهو الحرص الذي لا يعرفه الإيرانيون.