إشارات لعصر سلام مختلف

تمهد السعودية من خلال استقبالها مصطفى الكاظمي لمرحلة جديدة سيعيشها العراق.
القيادة السعودية تدرك أن الخطر الإيراني يمكن أن يباغتها من جنوبها وشمالها على حد سواء
العراق ممسوك من قبل ميليشيات لا ترى في تحول البلاد عن الطريق الإيراني إلا نهاية لها

حين قررت المملكة العربية السعودية استقبال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ومن ثم توقيع اتفاقات ثنائية مع العراق فإن ذلك لا يعود إلى رهان القيادة السعودية على أن الحكومة العراقية ستكون قادرة على حماية الاستثمارات السعودية بعد الشروع بتنفيذها.

الأمر ليس كذلك تماما وهو ما يمكن النظر إليه من زاويتين.

زاوية الأمن القومي العربي الذي صار في وضع يُرثى له بعد خروج دول مهمة كالعراق وسوريا من معادلات القوة الاقليمية وهو ما لا يمكن استعادته إلا من خلال خطوات شجاعة ومتحدية تفوق ما يسمح به الواقع وزاوية التحولات التي يمكن أن تشهدها المنطقة بعد أن تصل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى قرار نهائي في ما يتعلق بالمسألة الإيرانية التي لم تعد تحتمل التأجيل.

تلك المسألة لا تقلق الإدارة الأميركية بطريقة ضاغطة لولا أن إسرائيل قد اعتبرتها واحدة من أهم التحديات التي يمكن أن تهدد أمنها واستقرارها ولأن الإسرائيليين عُرفوا بتضخيم قدرات أعدائهم فقد اعتبروا تلك العقدة التي تأبى على الحل السلمي العاجل ذات أبعاد مصيرية.

هي كذلك بالنسبة للعرب أكثر مما تكون بالنسبة للإسرائيليين.

ذلك لأن إيران يمكن أن تقدم عروضا مغرية ولينة لإسرائيل، عروضا تنطوي على الكثير من التنازلات غير المتوقعة ولكنها لن تلتفت إلى العرب بشيء من الرغبة في التفاهم. ما من لغة إيرانية يمكن توجيهها إلى العرب. ذلك أمر لا نقاش فيه وهو مدعاة لاتخاذ موقف عربي حاسم.

القيادة السعودية تدرك أن الخطر الإيراني يمكن أن يباغتها من جنوبها وشمالها على حد سواء. وإذا ما كانت المشكلة الحوثية معروضة على المائدة الدولية فإن مشكلة الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني في العراق يمكن حصرها بالاهتمام الأميركي الذي لم تتسع دائرته أبعد من تصريحات عابرة تتعلق بأمن السفارة الأميركية في بغداد والقوات الأميركية التي تعمل في القواعد العراقية.

تتعامل الإدارة الأميركية مع الوضع الأمني في العراق كما لو أنه لا يزال تحت سيطرتها. "متى كان كذلك أو لم يكن كذلك؟" يبدو ذلك السؤال مغرضا أو أنه ينطوي على قدر كبير من الجهل. فهل راهنت المملكة العربية السعودية على مستقبل الكاظمي في الحكم وبالأخص أن موعد الانتخابات التشريعية بات قريبا؟ لنتذكر دائما أن الكاظمي لا يمثل أحدا. صفة يمكن أن تُحسب له مقارنة بالولاءات السياسية المتضاربة في العراق.

في كل الانتخابات حول العالم يمكن انتظار المفاجآت. هناك دائما هامش للمفاجآت التي تشكل انقلابا في المعادلات إلا في العراق فإن كل شيء محسوب ومُمهَد له بشكل مسبق.

ولكن التسوية الأميركية ــ الإيرانية في العراق ستكون مختلفة هذه المرة. لن تربح الأحزاب الدينية التابعة لإيران ولن تتصدر المشهد السياسي وسيكون وجودها هامشيا في مجلس النواب. ليس ذلك استحقاقا انتخابيا نزيها فالشعب لم يعد قادرا على الاستمرار في العيش في ظل وجود أي رمز أو إشارة دينية، لكنه استحقاق هو جزء من الابقاء على شيء غير مؤثر من الوجود الإيراني في المنطقة في هذه المرحلة على الأقل.

تمهد المملكة العربية السعودية من خلال استقبالها لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إذاً لمرحلة جديدة سيعيشها العراق ولأنها لن تكون مرحلة رخاء وترف فسيكون دور المملكة العربية السعودية ضروريا ذلك لأن إيران وهي مُلهمة الخراب وراعيته ستدير ظهرها للعراق كجزء من تسوية سيُعاد من خلالها الاعتبار إلى دول عانت من الفوضى عبر سنوات طويلة من اختلال معادلات القوة ولم تزدها إيرانا إلا اضطرابا وكآبة.

ولكن ذلك لن يكون متوقعا بالنسبة لمَن يرى العراق ممسوكا من قبل ميليشيات لا ترى في تحول العراق عن الطريق الإيراني إلا نهاية لها. تلك فكرة واقعية لن يكون لها مكان في مستقبل العراق. ذلك ما يمكن رؤيته واضحا. فإيران لن تحارب بالرغم من كل تشددها الصوري في الملف النووي. كل حروبها ضد الشيطان الأكبر هي مجرد أكاذيب. ستنتهي تلك الحروب وتنتهي معها أكذوبة المقاومة. يعرف النظام الإيراني أن استمراره في البقاء صار مرهونا بالرضا الإسرائيلي.

ليس من الصعب في مثل تلك الحالة أن يتم العثور على حل لمشكلة تبدو عويصة الآن كمشكلة السلاح الفالت. فإذا ما انسحبت إيران من مناطق نفوذها فإن ميليشياتها سترضى في ما يُقدم لها من فُتات من أجل عودة أفرادها سالمين مهذبين إلى المجتمع.

مستلهما رؤية أميركية ذهب الكاظمي إلى السعودية التي استقبلته وهي على يقين من أن الولايات المتحدة تخطط لعصر سلام مختلف، لن تكون فيه إيران سوى واحدة من دول المنطقة التي يمكن التعامل معها بيسر.

السعودية لا تطرح سلامها من خلال لقائها بالكاظمي بل هي تفكر في أن تحل الطبيعة كل المشكلات. فالعراق يعود إلى محيطه العربي. تلك حتمية تاريخية.  

تمشي السعودية بثقة في طريق تراه معبدا.