'إعلام المقابر' شريان حياة لأرذل ما في الصحافة الفنية بالمغرب

انتشار ممثلي المنابر الإعلامية في الأماكن الحساسة مثل المستشفيات والمقابر يتخطى مبادئ الإنسانية ليغرق في الانتهازية وانهاك حرمات الأموات او المصابين وعائلاتهم بحثا عن اثارة رخيصة.

الرباط - تثير ظاهرة "إعلام المقابر" في المغرب جدلا واسعا لما تحمله من ممارسات تتنافى مع أخلاقيات الصحافة وقيمها النبيلة، عندما يندفع بعض الأشخاص المحسوبين على المهنة نحو المقابر فور وفاة شخصية فنية أو سينمائية، مستغلين الموقف لنقل صور وتصريحات تفتقر إلى الاحترام الواجب للموتى وذويهم، وتكشف هذه الظاهرة ضعف الالتزام بالقيم المهنية، وانتهاك واضح لحرمة الأموات وحقوق عائلاتهم في لحظات الحزن والألم.

ويشهد المغرب في كل مرة  يداهم فيها الموت شخصية فنية أو سينمائية اندفاعا غير مبرر لبعض الصحافيين أو منتحلي الصفة نحو المقابر، إذ يركز هؤلاء على توثيق اللحظات الحزينة ونقل الصور ومقاطع الفيديو، متجاهلين بذلك حقوق العائلة المكلومة، بينما تفتقر هذه الممارسات إلى أدنى مستويات الحس الإنساني، وتعبر عن رغبة واضحة في جذب الانتباه وزيادة التفاعل، وغياب احترام حرمة الفقيد وعائلته، ويتجاهل هؤلاء الشرذمة المحسوبين على الصحافة القيم الأخلاقية التي تفرض احترام الميت، مقدمين تصريحات أو كلمات تبدو في ظاهرها إشادة بالفقيد، لكنها في حقيقتها وسيلة لتشهير لا أقل ولا أكثر، وتؤدي هذه السلوكيات إلى تشويه صورة الصحافة وإثارة استياء واسع بين الجمهور الذي يتطلع إلى إعلام يحترم قيم المجتمع ويحافظ على كرامة الأحياء والأموات. 

تشهد هذه الممارسات المرتبطة بإعلام المقابر فقرا في الالتزام بالمسؤوليات المهنية حتى من الفنانين مع بعضهم البعض، لأن البعض يتعمد تجاهل ظروف المرض التي مر بها الفنان قبل وفاته، فلا يكون هناك أي اهتمام به أو بدعمه في حياته، لكن عند وفاته يتحول هؤلاء إلى مصدر صخب إعلامي، متحدثين عنه وكأنهم كانوا الأقرب إليه، ويبرز هذا التناقض عدم مصداقية أشباه الفنانين والإعلاميين ويعمق الفجوة بينهم وبين الجمهور الذي يدرك حقيقة ممارساتهم، بينما يساهم هذا السلوك الغير المسؤول من بعض مدّعي الصحافة في تحويل الجنازات إلى مساحات فوضوية، لأن الوجود الإعلامي المكثف في المقابر يخلق أجواء لا تليق بمقام الموتى، إذ يتجمع الصحافيون حول العائلة والأصدقاء في لحظة ضعفهم، ويحول الجنازة من مناسبة خاصة لتوديع الفقيد إلى ساحة للاستعراض الإعلامي، ويعد هذا السلوك إهانة مزدوجة، إذ ينتهك حق الفقيد في الرحيل بكرامة وحق العائلة في الحداد بخصوصية.

ويدعو الوضع الحالي إلى تدخل المؤسسات المسؤولة عن تنظيم المجال الصحفي ووضع حد لهذه التجاوزات، ويتحتم على النقابات المهنية والمجلس الوطني للصحافة، تحمل مسؤولياتها في تنظيم المهنة وفرض القواعد الأخلاقية التي تمنع استغلال الجنازات لأغراض شخصية أو تجارية، ويمكن لهذه الهيئات وضع لوائح صارمة تلزم الصحافيين باحترام خصوصية الموتى وذويهم، ويحتاج المجتمع إلى تعزيز الوعي حول احترام قدسية الموت، ويمكن للصحافيين المهنيين المساهمة في بناء صورة إيجابية للمهنة عبر التركيز على نقل الأخبار بطريقة تحترم كرامة الإنسان وحقوقه.

وضع يدعو للاشمئزاز

ويشعر الكثيرون بالاشمئزاز من طريقة التعامل الصحافة مع الجنائز، ويدفعهم إلى التشكيك في نزاهة الصحافة عامة، ويعد هذا الأمر تهديدا لاستمرارية المهنة وتأثيرها الإيجابي في المجتمع، ويحتاج الصحافيون إلى استعادة ثقة الجمهور عبر الالتزام بقيم الصدق والأمانة واحترام الكرامة الإنسانية، فاحترام حرمة الموتى ضرورة ملحة لا يمكن التهاون فيها، لأن هذا السلوك وسيلة للتطفل على خصوصيات الآخرين في أكثر اللحظات حساسية، ويجب أن يدرك العاملون في المجال الإعلامي أن احترام القيم الأخلاقية هو جزء لا يتجزأ من الممارسة المهنية.

ويمكن للمجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية أن تعمل على مراقبة هذه الممارسات والتصدي له، وإطلاق حملات توعوية حول أهمية احترام الموتى وحقوق عائلاتهم، مع إبراز دور الصحافة في تقديم صورة مشرفة للمجتمع ، خاصة وأن المؤسسات الإعلامية تحتاج إلى إعادة النظر في سياساتها، لأن ظاهرة إعلام المقابر أزمة أخلاقية عميقة في مجال الصحافة، ومن الواجي تفعيل آليات الرقابة على العمل الصحفي في الاماكن المقدسة أو التي تبرز الانسان في حالة حرجة وضعيفة.

والمشكلة تتجاوز هذا النوع من صحافة الأزقة والشوارع التي تلهث خلف الإثارة إلى سلوكيات بعض أشباه الفنانين الذين يحولون لحظات الوداع الأخيرة إلى استعراض مكشوف، بينما يظهر هؤلاء في المقابر دون أدنى احترام لحرمتها، يلتقطون الصور الشخصية ويضحكون وكأنهم في مناسبة اجتماعية، ويقدمون تصريحات عن الفقيد الذي تجاهلوه في حياته، و الحقيقة يمثل هذا السلوك انحدارا أخلاقيا وغيابا للوعي بقيمة الموت كموقف يجسد قدسية الحياة ونهايتها، إذ تشكل المقابر مكانا للخضوع والتأمل والاحترام، وتذكر الجميع بأن هذا هو مصير كل إنسان، ويجدر بكل شخص أن يتحلى بالوقار ويبتعد عن السلوكيات التي تنزع عن هذه اللحظات رمزيتها وقدسيتها.