إمام أوغلو سيظل كابوس أردوغان في إسطنبول أو في رئاسيات 2023

سكان إسطنبول ينتخبون مجددا الأحد رئيسا لبلديتهم وأردوغان يواجه استحقاقا صعبا أمام مرشح هادئ يستخدم أسلوبا مغايرا لأسلوبه الشعبوي للاستقطاب.
إمام أوغلو لم يستخدم الخطابات الإيديولوجية للإستقطاب كما يفعل أردوغان
مرشح المعارضة راهن على مواقع التواصل لمخاطبة سكان إسطنبول ونجح
إخضاع إردوغان وسائل الإعلام انقلب ضد مرشح حزبه
لعاصمة تركيا الاقتصادية أهمية كبرى في هذه الانتخابات
أردوغان عدل تكتيكه الانتخابي في انتخابات إسطنبول الثانية

إسطنبول - مع أنه كان شبه مجهول على الساحة السياسية التركية قبل أشهر قليلة، أصبح أكرم إمام أوغلو اليوم حصان المعارضة الرئيسي في وجه الرئيس رجب طيب أردوغان، ويسعى الأحد لاستعادة رئاسة بلدية إسطنبول التي استمات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تقديم الطعون لإلغاء نتائج انتخاباتها.

قد لا يبدو إمام أوغلو للوهلة الأولى ذلك المرشح الذي يخيف المنافسين بشكل استثنائي، لكن فوزه في الانتخابات البلدية في إسطنبول في الحادي والثلاثين من مارس/آذار، أنهى أسطورة حزب العدالة والتنمية الذي لا يقهر في الانتخابات.

ويتوجه سكان إسطنبول مجددا الأحد، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس لبلديتهم بعد إلغاء نتائج الانتخابات السابقة التي فاز بها إمام أوغلو أمام أردوغان الذي يضع كل ثقله في هذه المعركة لضمان فوز مرشحه رئيس الحكومة السابق بن علي يلديريم أقرب المقربين منه.

ورغم صدمة المعارضة وتنديدها بما اعتبرته تدخلا سافرا من السلطات التركية في هذه النتيجة فقد قبلت على مضض بالقرار واستعدت لخوض غمار الانتخابات البلدية في إسطنبول مرة ثانية.

وفي حال فوزه بانتخابات الأحد في العاصمة الاقتصادية لتركيا، التي يعيش فيها 16 مليون نسمة، فيكون إمام أوغلو قد فرض نفسه بالفعل على الساحة السياسية التركية.

ويصف إمام أوغلو نفسه بـ"رئيس بلدية إسطنبول المعزول"، ويسعى اليوم لاستعادة المنصب الذي تسلمه نظريا لمدة 18 يوما قبل إلغاء نتائج الانتخابات الأولى.

والشهر الماضي وعد إمام أوغلو البالغ من العمر 49 عاما، بـ"ثورة" ديمقراطية، ووصف معركة رئاسة بلدية اسطنبول بـ"معركة الدفاع عن الديمقراطية" في تركيا.

وفي بلد اعتاد على الاستقطاب الشديد والهجمات المتبادلة بين السياسيين، يفاجىء إمام أوغلو بخطابه الجامع والهادئ.

يقول بيرق إسين الأستاذ المساعد في جامعة بيلكنت في أنقرة إن إمام أوغلو "لم يستخدم الخطابات الإيديولوجية لتسهيل إسماع صوته لدى كل الناخبين، متجنبا إشاعة أجواء استقطاب".

ومع أن أنصاره أعربوا عن الغضب والسخط على قرار إلغاء انتخابه، سعى هو إلى التهدئة والطمأنة رافعا شعار "كل شيء سيجري على ما يرام".

وفوجئ المراقبون خلال الانتخابات الأولى بتقدم إمام أوغلو على منافسه ين علي يلديريم في إسطنبول، لأن الظروف التي رافقت الحملة الانتخابية كانت مؤاتية جدا لمنافسه.

فقد استفاد مرشح أردوغان من تغطية إعلامية ضخمة من وسائل إعلام بات القسم الأكبر منها يخضع لنفوذ الرئيس. بالمقابل راهن إمام أوغلو على وسائل التواصل الاجتماعي للتخاطب مع سكان إسطنبول ونجح في ذلك.

ومع أن المراقبين كانوا يتوقعون له الفشل الأكيد خلال الانتخابات الأولى، كان يبدي طمأنينة كبيرة، ويؤكد أن ترشحه من خارج الطبقة السياسية التقليدية لا بد أن يكون لصالحه.

ولد إمام أوغلو في طرابزون (شمال شرق تركيا) على شواطىء البحر الأسود عام 1970، ودرس إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول وحصل على ماجستير في الإدارة، حسب النبذة الشخصية التي وزعها مكتبه.

عمل في شركة بناء لعائلته قبل أن يدخل السياسة قبل نحو عشر سنوات في صفوف حزب الشعب الجمهوري. وفي عام 2014 انتخب رئيسا لبلدية بيليك دوزو التابعة لإسطنبول.

ويتقاسم إمام أوغلو مع أردوغان حب كرة القدم التي مارسها كهاو قبل أن يدخل في مجلس إدارة نادي طرابزون سبور في المدينة التي ولد فيها.

وكونه مسلما يمارس واجباته الدينية وعضوا في الوقت نفسه في حزب الشعب الجمهوري العلماني، أتاحا له توسيع قاعدة شعبيته، وحصل بالفعل على دعم حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد وعلى دعم حزب قومي ليبرالي.

مرشح المعارضة الواثق حاول تهدئة مناصريه تحت شعار "كل شيء سيجري على ما يرام"
مرشح المعارضة الواثق حاول تهدئة مناصريه تحت شعار "كل شيء سيجري على ما يرام"

وكشفت نتائج الانتخابات الأولى في إسطنبول تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به تركيا، خصوصا مع انهيار قيمة الليرة التركية وارتفاع نسبة البطالة بشكل كبير.

ومع أن حزب الرئيس المتحالف مع حليفه القومي نال أكبر نسبة من الأصوات على مستوى البلاد بكاملها، فهو تراجع في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة، حيث فقد الإسلاميون المحافظون بلدية العاصمة أنقرة بعد سيطرتهم عليها طيلة ربع قرن.

وقال الخميس في لقاء نادر مع الصحافيين في إسطنبول "النتيجة ستعلن بوضوح الأحد وسنقبل بنتيجة" هذه الانتخابات "الرمزية".

وبما أن الفارق بين المرشحين كان في انتخابات آذار/مارس نحو 13 ألف صوت فقط، يسعى حزب العدالة والتنمية بقوة لحشد أنصاره الذين امتنعوا عن التصويت خلال الانتخابات الأولى.

ويعلق الطرفان أهمية كبيرة على هذه الانتخابات في عاصمة تركيا الاقتصادية التي يعيش فيها 16 مليون شخص. ولم يتردد أردوغان سابقا بالقول "من يفوز في إسطنبول يفوز بتركيا".

لكن مع تزايد حظوظ إمام أوغلو أمام يلديريم، أجرى أردوغان تعديلا على تكتيكه الانتخابي استعدادا لانتخابات إسطنبول الثانية: ففي حين كان حاضرا بقوة خلال الكثير من التجمعات الانتخابية الداعمة لمرشحه خلال الانتخابات الأولى، حاول التخفيف من ظهوره قليلا خلال حملة الانتخابات الحالية من دون أن يعني ذلك تراجعا في دعمه لمرشحه.

وتنبه أردوغان إلى خطورة تحويل انتخابات إسطنبول البلدية إلى استفتاء حول شخصه، فدفع المعارضة لحشد قواها لتوجيه ضربة له، في حال هزيمة مرشحه.

ويقول المحلل سونر تشابتاي من مؤسسة واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن الناخبين المترددين "سيقررون الفائز في الانتخابات (...) ونزول أردوغان إلى المعركة مباشرة قد يبعدهم" عن مرشحه.

وبعد أن كان أردوغان اعتبر أن "بقاء الأمة" مرتبط بانتخابات إسطنبول الأحد، عاد وحاول التقليل من شأنها.

ويقول جان ماركو الباحث في المؤسسة الفرنسية للدراسات الأناضولية، إن تكبد أردوغان هزيمة ثانية في إسطنبول "سيشكل صفعة مذلة له أكثر من صفعة انتخابات الحادي والثلاثين من مارس/آذار".

ذلك أن أردوغان يريد احتفاظ حزبه بهذه المدينة التي سبق أن تولى شخصيا رئاسة بلديتها لسنوات، وكانت المعبر له نحو تسلم السلطة السياسية في البلاد. كما أن موازنة بلدية إسطنبول ضخمة وتتيح لحزب أردوغان الكثير من النفوذ فيها في حال فاز مرشحه برئاستها.

أما في حال فوز يلديريم فلن يكون هذا الفوز مشرفا "لأن الذرائع التي قدمت لإلغاء النتائج الأولى لم تكن مقنعة، وظهر فيها حزب العدالة والتنمية في موقع من لا يستطيع تحمل هزيمة".

وحاول يلديريم (63 عاما) استمالة الشبان، خاصة عبر الكلام عن خدمة انترنت مجانية، ومساعدة المتزوجين الجدد، كما أرسل بعض الإشارات باتجاه الأكراد المحافظين.

أما إمام أوغلو فقد حافظ كما فعل خلال الانتخابات الأولى على خطاب جامع يتعارض جدا مع الخطابات الشعبوية لحزب العدالة والتنمية.

ومهما كانت نتائج انتخابات الأحد، فإن إمام أوغلو بات بالنسبة إلى المراقبين النجم الصاعد على المسرح السياسي التركي، والقادر على منافسة أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2023.