إيران.. ظريف ما بعد العقوبات

في ظل الضغوط الراهنة يجد ظريف نفسه في وضع لا يتناسب مع شخصيته ويدرك أن الضغوط عليه شخصيًّا ستزداد حتى وإن وجد تعاطفًا من الحرس الثوري ولذا قد يُقدم استقالته بمبرر أن إيران لا ينبغي أن تغيب عن المناسبات الدولية في الأمم المتحدة.

بقلم: محمد بن صقر السلمي

قبل أسابيع، أعلنت الإدارة الأمريكية أنها تدرس وضع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على قائمة العقوبات، وتجميد الأموال التي يمتلكها في الولايات المتحدة الأمريكية. حينها، كان هناك جدل كبير بين المؤيِّد والمُعارِض لإمكانية صدور مثل هذا القرار، والبعض اعتقد أنه مجرد تصريحات إعلامية تأتي في سياق الحرب النفسية الأمريكية ضد إيران.

الأربعاء الماضي، أعلنت الإدارة الأمريكية بالفعل وضع ظريف على قائمة العقوبات، بحسب ما أعلنه مسؤول رفيع بالبيت الأبيض، وقال مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية على موقعه الإلكتروني إنّ العقوبات تشمل تجميد أيّ أصول لظريف بالولايات المتحدة، أو التي تسيطر عليها كيانات أمريكية، كما تتضمن العقوبات سعي واشنطن للحدّ من الرحلات الدولية لظريف. وقال مسؤول أمريكي كبير إنّ واشنطن فرضت عقوبات على ظريف بموجب الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب بفرض عقوبات على المرشد الإيراني علي خامنئي. وأضاف المسؤول أن ظريف ساعد في تنفيذ «جدول أعمال متهور» لخامنئي. وأشار المسؤول إلى أن أمريكا لا تعتبر ظريف نقطة الاتصال الرئيسية في محادثات نووية محتملة، وسترغب في التواصل مع شخص له دور كبير في صنع القرار.

من جانب آخر، أطلق حساب الحكومة الأمريكية بنسخته الفارسية تغريدة حول الموضوع تقول: «قام الرئيس ترامب مؤخرًا بحظر المرشد الإيراني الذي عظّم ثروته من أموال الشعب الإيراني. واليوم، قامت أمريكا بحظر جواد ظريف الذي يمثل كبير المدافعين عنه، فهو متواطئ في أسلوب النهب بالنظام مثل كل أعضاء مافيا خامنئي».

وفور إعلان العقوبات، ردّ وزير الخارجية الإيراني ظريف قائلًا إنّ «العقوبات الأمريكية ليس لها تأثير عليّ أو على أسرتي لأنني ليست لي ممتلكات أو مصالح خارج إيران». وأضاف ظريف أن «أمريكا فرضت عليه عقوبات لأنه يمثل «تهديدًا» لجدول أعمالها».

ومؤخرًا، حصل محمد جواد ظريف والوفد المرافق له، في اللحظات الأخيرة، على تأشيرة الولايات المتحدة لحضور اجتماعات في الأمم المتحدة، لكن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، فرض قيودًا على تنقُّل ظريف في نيويورك، وقال أيضًا إنه عندما لا يستطيع الدبلوماسيون الأمريكيون التنقُّل في طهران فلن يستطيع ظريف التجوُّل في نيويورك. وقد تحدثت بعض وسائل الإعلام عن لقاءات بين ظريف وبعض المسؤولين الأمريكيين المقربين من ترامب، إلا أن الخارجية الإيرانية نفت ذلك.

من وجهة نظري، فإنّ ردة فعل ظريف السريعة هذه على القرار الأمريكي الأخير لا تعني كثيرًا، فسمات وزير الخارجية الإيراني أنه شخصية تتأثر سريعًا بالتطوّرات السياسية والدبلوماسية التي تدور في محيطه أو تلك المرتبطة بوظيفته، وقد شاهدنا ذلك جليًّا عندما قدم استقالته عبر «إنستغرام» احتجاجًا على تجاهله من قِبل النظام، وعدم إبلاغه بزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران، وعدم دعوة ظريف لحضور الاستقبال الرسمي بصفته وزيرًا للخارجية. كذلك تحدثت وسائل الإعلام الإيرانية مؤخرًا عن قيام ظريف ببعث رسالة إلى خامنئي بشأن مسلسل تلفزيونيّ إيرانيّ اسمه «غاندو» بثه التلفزيون الرسمي الإيراني المرتبط بالتيار الأصولي المقرب من خامنئي، اتهم فيه الحكومة الإيرانية بالخيانة والتخابر مع الأعداء، وكانت عدة شخصيات في المسلسل ترمز إلى وزير الخارجية ظريف ومساعده عباس عراقتشي. وقد اعترف المتحدث باسم الخارجية الإيراني عباس موسوي في أحد مؤتمراته الصحفية مؤخرًا بإرسال الرسالة إلى خامنئي، إذ قال: أؤكد هذا الخبر، فقد كُتبت هذه الرسالة إلى المرشد من قِبل وزير الخارجية. وهيئة الإذاعة والتلفزيون من المؤسسات التي يشرف عليها المرشد، ولو كانت هناك شكوى فستُقال له. ما يحاول هذا المسلسل فعله هو إظهار وزير الخارجية كشخصية سلبية وغير فعالة ومستسلمة، وظريف قال إنه لم يشاهد هذا المسلسل، وإنه لا يشاهد التلفاز من الأساس، ولو تقرر بأن يكون لإيران بصفتها دولة قوية مثل هذا الوزير الذي يصوره هذا المسلسل فلا يصحّ بقاؤنا وبقاء وزير الخارجية ووزارة الخارجية. ومن الناحية الشرعية، على وزير الخارجية أن يكون شخصًا يضع الكرامة والمنفعة والحكمة نُصب عينيه، وأن يحظى بالقوة ليكون لسان هذه الأُمّة. وقد ردّ المرشد الأعلى بأنه غير راضٍ إطلاقًا أن تُوجَّه الإهانة إلى هذه الوزارة والوزير.

الإعلام الداعم للتيار الإصلاحي في إيران حاول تصوير الرسالة بأنها استفتاء دينيّ وليست شكوى، وكتبت صحيفة «افتاب يزد» المقربة من الرئيس حسن روحاني تقريرًا حول الموضوع، وقالت إنّ «ظريف شخصية متديِّنة وفي رسالته كان يستفتي المرشد حول الحكم الشرعي لبقائه في المنصب كوزير للخارجية، في حين يراه البعض شخصًا خائنًا ومستسلمًا أمام الغرب، وشخصية مخترقة».

الخلاصة، في ظل الضغوط الراهنة داخليًّا وخارجيًّا، يجد ظريف نفسه في وضع لا يتناسب مع شخصيته، ويدرك أن الضغوط عليه شخصيًّا ستزداد حتى وإن وجد تعاطفًا من الحرس الثوري بعد القرار الأخير، ولذا لا أستبعد تقديم استقالته للرئيس، وقد يقدم مبررات كثيرة، من بينها أن إيران لا ينبغي أن تغيب عن المناسبات الدولية الكبرى في الأمم المتحدة وغيرها، وينبغي اختيار شخصية تستطيع السفر والتنقل بسهولة وتقديم وجهة النظر الإيرانية للعالم.

وإذا ما حدث ذلك فإن ظريف قد يواجه صعوبات كبيرة في الداخل، وحينها قد يقرر الخروج من البلاد. لكن يبقى السؤال: مَن يسبق الآخر؟ ظريف أم التيار الأصولي الذي قد يمنعه من السفر، كما حصل للرئيس الأسبق محمد خاتمي؟

نُشر في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية