إيران في انتظار شرارة
من المؤكد بأن المشهد الايراني منذ أواخر العام السابق وبدايات هذا العام، صار مختلفا عن المشهد الايراني الذي ألفناه منذ بدايات تأسيس نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية وحتى تحجيم حزب الله وسقوط بشار الاسد، هذا الاختلاف ليس مجرد حالة طارئة أو ما شابه، بل إنه تطور سلبي تعلم القيادة الايرانية قبل غيرها بأنه أصاب النظام في الصميم.
لكن، قد يتساءل البعض، ما هي وجه العلاقة بين أحداث إقليمية وبين وضع النظام السياسي القائم في إيران؟ من الواضح جدا يجب التأني في الإجابة على السؤال الملفت للنظر، والسعي من أجل تقديم توضيح شاف وواف له.
بداية تغلغل إيران السياسي ـ الفكري في المنطقة، بدأ من لبنان عام 1982، مستغلا الاوضاع الحرجة والقلقة المتزامنة مع عدم وجود موقف عربي ـ إسلامي فعلي مما يجري في لبنان، ولأسباب مختلفة ولأن التجربة الايرانية كانت في بداياتها، فإنها حظيت بنوع من التفهم والتعاطف من جانب الشارعين العربي والإسلامي. لكن ومع مرور الاعوام وصحوة الشعب الايراني من الاوضاع التي آل إليها ومن إن كل تلك الوعود المعسولة التي قدمت له والتي كان أشهرها وعد مؤسس النظام بتوزيع عوائد البترول الايراني على الشعب وبناء دور سكنية لهم، فإن العلاقة السائدة بين الشعب وبين النظام، لم تعد كالسابق وهو الامر الذي إنتبه إليه النظام وأخذه بعين الاهمية والاعتبار.
وكرد فعل على سوء العلاقة والاصطدام بين الشعب وبين النظام، فإنه تم تسويق مزاعم الاصلاح والاعتدال التي ومع تجربة 4 ولايات رئاسية لها، فإنها لم تغير من الواقع شيئا ولذلك فإنه ومن أجل إمتصاص الغضب والرفض الداخلي ركز النظام على تصدير الازمات الى المنطقة وحتى الى إثارة الحروب فيها في سبيل خلق وإيجاد واقع يجعل الشعب مقتنعا بالنظام كأمر واقع ومن إنه يريد خدمة الدين والمذهب. لكن إندلاع إحتجاجات شعبية غاضبة وترديد شعار "لا غزة ولا لبنان روحي فداء لإيران"، كانت بمثابة رفض شعبي حاسم للمشروع العقائدي للنظام بإتجاه المنطقة. ومن دون شك فإن ما جرى لحركة حماس المقربة من طهران وحزب الله المرتبط بالحرس الثوري ونظام بشار الأسد (الذي كان بمثابة العمق الاستراتيجي للنظام الايراني)، الى جانب ما حدث في اليمن ضد الحوثيين قبل أيام، قد كان بمثابة تطابق في الرأي والموقف بين الشارع الايراني والشارع العربي ـ الاسلامي، والملفت للنظر هنا، إن هذه الاحداث قد جاءت بعد أن فجع النظام بواحد من حرسه القديم ممن كان يعول عليه كثيرا ونقصد به إبراهيم رئيسي، والذي أشيع بأنه يتم الاعداد لكي يصبح خليفة لخامنئي، وهو ما يعظم من فقدانه بالنسبة للنظام الى جانب إن مسعود بزشكيان الذي خلفه لم يقم لحد الان بأي شيء يخدم النظام. والمثير للسخرية إنه وفي وقت يعلن بزشكيان عن ولائه الكامل لخامنئي فإنه يسعى أيضا لإظهار نفسه لإصلاح معتدل. والحقيقة إنه فشل في الحالتين.
لكن الملاحظة المهمة بالنسبة لفترة حكم بزشكيان إنها شهدت أكبر الهزائم والانتكاسات الاقليمية للنظام. والاهم من ذلك إن بزشكيان لم يتحرك بإتجاه مضاد لذلك ويقوم بمبادرة تغير المعادلة لصالح طهران، بل إنه إنجرف وجرف النظام معها، وقد بدأت مظاهر القلق من الاوضاع التي إنتهى النظام إليها تتجسد بصورة وأخرى في قانون الحجاب والعفة الذي شغل البرلمان الايراني لفترة طويلة وبعد إصداره تم الاعلان عن إلغاء ما يسمى بدوريات الارشاد (التي تسببت بمقتل مهسا أميني)، وهو نوع من الغزل مع الشارع الايراني الذي لم يعد بوسع النظام إغرائه أو التمويه عليه.
الاوضاع اليوم في إيران، حيث شعب ساخط الى أبعد حد ووجود معارضة منظمة، حيث الاحتجاجات الشعبية ونشاطات وحدات الانتفاضة في مختلف مدن إيران، مع ذلك الضغط الاقصى لترامب، فإن إيران تبدو وكأنها بإنتظار مجرد شرارة لا أكثر!