إيران وفلسطينها الإخوانية

إيران الخميني تدمر العراق وتزود حماس بالسلاح لاستئصال فتح وتهدد دول الجوار. أين الخطر المفترض على إسرائيل؟

كانت إسرائيل سعيدة بإيران الخميني التي قطعت العلاقات الدبلوماسية معها واستقبلت ياسر عرفات باعتباره رئيس دولة.

تبدو تلك الفكرة غريبة وغير واقعية.

لم يكن عرفات الذي عُرف بدهائه ومناوراته وتعدد وجوهه ذكيا في تلك الخطوة التي قادت الشعب الفلسطيني إلى جهة مجهولة جديدة.

تلك فكرة هي ليست أقل غرابة من الفكرة الأولى.

حين وقعت الحرب العراقية ـ الإيرانية عام 1980 كانت حيرة الشعب الفلسطيني في ذروة عبثيتها. كان الانقسام واضحا ما بين جزء من ذلك الشعب يرى في إيران نصيرا حقيقيا وأصيلا للثورة الفلسطينية وبين جزء آخر هو على يقين من أن العراق هو سنده الصلب الحقيقي في قضيته وهو الوسادة التي يلقي عليها رأسه مطمئنا.

وعلى العموم فإن إيران خميني أجادت صنع الشعارات المضللة في ذلك المجال، من "الموت لإسرائيل" إلى "يوم القدس" الذي كان مناسبة سنوية، يستعرض فيها الحرس الثوري الإيراني قوته من أجل ترويع معارضي النظام وبث رسائل تحد وتهديد إلى دول الجوار.

كانت إيران في صورتها الجديدة مفيدة لإسرائيل. ذلك لأنها أدخلت الفلسطينيين في جدل ممزق لن تكون طرفا فيه. وهي تدرك سلفا أنهم يضيعون وقتهم في ما لا يعنيهم ولا يخدم قضيتهم.

ما لم يكن يعرفه الفلسطينيون عن إيران الخميني كانت إسرائيل تعرفه.

لقد جهزتها سلطات المخابرات الفرنسية بكل المعلومات عن الرجل الذي سيحكم إيران، وهو آية الله الخميني. لم تكن فرنسا مجرد فندق مؤقت.

كانت إسرائيل على معرفة بكل النتائج التي انتهى إليها المختبر الفرنسي.

ما الذي يفكر فيه ذلك الرجل؟ ما الذي ينتظر إيران في ظل حكمه الاستبدادي؟ ما هي نسبة الشر في كريات دمه وفي أي اتجاه ستذهب رغبته في الانتقام؟

ما يعنيه قيامه بتأسيس دولة دينية طائفية في المنطقة؟

كل تلك المعلومات يمكن أن تؤدي إلى خلاصة واحدة. لن تشكل إيران في ظل نظام يؤسسه ذلك الرجل الذي يكره العرب، خطرا على إسرائيل على المدى المنظور.

في المقابل فإن نصير الفلسطينيين المزعوم بدأ مشروعه الثوري بإطلاق التصريحات المعادية للعراق والمطالبة بإسقاط النظام الحاكم فيه. وهو نظام يناصب إسرائيل العداء بشكل مطلق لا يقبل التسويات.

كانت عقدة صدام حسين قد تمكنت من الخميني ولم ينس له أنه طرده من العراق في أوج نزاعه مع الشاه.

بطبيعة الحال كانت خطوة صدام حسين قد انطوت على خطأ قاتل. فلو أنه أبقى على الخميني سجين صومعته في النجف لربما تغير تاريخ المنطقة.

لم يكن ذلك الخطأ إلا جزءا من سلسلة من الأخطاء المميتة التي ارتكبها الرئيس العراقي الراحل والتي أدت في ما بعد إلى سقوط العراق تحت الاحتلال وتحطيم دولته الحديثة التي بدأ العراقيون بإنشائها منذ عشرينات القرن الماضي.

لم يكن الوجه الفلسطيني لخميني ومن بعده نظامه إلا ستارا لحجب المشروع التوسعي الشرير الذي هو جوهر التحول الذي سعى الخميني إلى احداثه من خلال ثورته في إيران. فتلك الثورة من وجهة نظره لا معنى لها من غير أن تكون نواة لذلك التحول الذي يُراد من خلاله ابتلاع المنطقة وتأسيس دولة دينية ـ شيعية تقابل الدولة الدينية ـ اليهودية المقامة على أرض فلسطين.   

اما مصير الفلسطينيين فإنه أمر يقع خارج تلك المعادلة.

هذا ما فهمته إسرائيل ولم يفهمه الفلسطينيون في مقدمتهم قائدهم التاريخي ياسر عرفات الذي وقع كما بعض الكتاب والشعراء العرب في غرام سفاح سيغرق المنطقة بطوفان من الدماء.

ما يؤكد ذلك الاستنتاج أن إسرائيل كلما ضربت موقعا عسكريا إيرانيا في سوريا كان تعليقها ينصب على فكرة أنها لا تريد إيران إلى جوارها، وهي الفكرة التي لو أن الرئيس السوري بشار الأسد استوعبها لجنب بلاده ونظامه وشعبه الكثير من الشعور بالذل.

لنضع أمر إسرائيل وعلاقتها الشائكة بإيران جانبا ونتساءل "ما الذي قدمته إيران لإسرائيل عبر أربعين سنة هي عمر النظام الجديد الذي أسسه صديقهم الملهم آية الله الخميني؟"

لا شيء، سوى أنه أمد حركة حماس بالسلاح. ما يعرفه الفلسطينيون أكثر من غيرهم أن تلك الحركة ليست جزءا من البنية الأساسية النضال الوطني الفلسطيني. حماس ليست سوى فرع من فروع جماعة الإخوان المسلمين التي لا تفكر في فلسطين إلا باعتبارها واحدة من المنصات التي يمكن أن تنطلق منها في اتجاه مشروعها العالمي.

كان النظام الإيراني يقدم عن طريق حماس الدعم لجماعة الإخوان المسلمين التي تقاسمه فكرة تدمير النظام السياسي العربي القائم من أجل قيام الدولة العالمية التي حلم بها الاثنان.

أخيرا يمكنني القول إن الخميني في صورته الفلسطينية لم يكن سوى راع لجماعة إرهابية انصبت مهمتها على شق وحدة الصف الفلسطيني واقتطاع غزة باعتبارها امارة إخوانية.