اتركوا لنا بعض الحدائق آمنة

ها هم الإرهابيون، بعد أن امعنوا قتلا في العراق واليمن وسوريا، يريدون اليوم أن يستهدفوا الأردن.

تمزقت سوريا، وتمزق اليمن، واحترق العراق بنيران الأعداء والأصدقاء، وحلقت عواصف الألم والموت فوق سماء مصر، وتونس، وليبيا حينما عجت مدنهم بثورات معبئة بالقهر والإستياء.

بغداد التي كانت بالأمس القريب حاضنة الدنيا، وكعبة الشعراء، وعاصمة العشاق، بات الآن الليل يسبح في دموع حدائقها، ويتسلل القهر إلى حناء ظفائرها، فها هو الإرهاب يذكرها من حين لحين ليضاجع انوثتها، ويحيلها الى امرأةٍ مكفهرةٍ حزينة، كلما غمضت اهداب عينيها لترسم للفرح لوحةً وأمسيات، وكلما غنى أهلها مواويل الحب.

ومثلها اليمن، البلاد التي كان القمر يرقص في ليلها الضاحك مرحاً وفرحاً، وتعج في لياليها ونهاراتها اغاني المزارعين والعاشقين والمسافرين، وتتراقص فراشات الفرح على اغصانها الدافئة بالحب والأمان.

اليمن، البلاد السعيدة، البلاد التي كان يقصدها الشرق والغرب ليحجوا إليها، ويتمتعوا بمناظرها الزاهية، ويفترشون ارضها السخية الخصبة، ويتعطرون بروائحها ونسيمها العليل.

اليمن البلاد التي كان العراقيون يحلقون في سماءها، ويعملون في مدنها، ويتعطرون بعطر شوارعها، وحدائقها أيام الحصار الجائر الذي فرضته "السماء علينا"، باتت الآن محاصرة بالعويل والموت والاقتتال، والطائرات تزأر وتعربد في اجواءها كأنها ظبيةً هاربةً والكل يطارها ويحاول الإمساك بها ليفترسها.

أتريدون أن تدمروا أوطاننا أيها الإرهابيون الأوغاد؟

الأردن، تلك البلاد المهوسة بالحب ورائحة القهوة والجمال، المهوسة بالأمن والسلام، الطيبة بأهلها وتأريخها وحضارتها، الجميلة بمدنها وشوارعها وأزقاتها، السعيدة بحياتها وهدوءها وراحة بال أهلها الطيبين، الأصيلة بسخائها وكرمها، الحاضنة لأهلها الأشقاء في كل الاوقات رغم صغر حجمها الجغرافي مقارنة ببعض البلدان العربية.

لماذا حملات الإرهاب تطال شوارع الأردن؟

ألأنها بلادٌ مسالمةٌ تغني مواويل الحب في ليالي الشتاء البارد؟

ألأنها بلادٌ جميلةٌ ترتدي عباءة الحب وتحتضن الجمال؟

ألأنها بلادٌ لا يعرف شعبها إلا لغة الحب والسلام والمحبة؟

اتركوا لنا بعض الحدائق آمنة لتقصدها القلوب المتعطشة للحب والسلام والأمان.

ارتكوا لنا بعض الحدائق تسبح في سماءها طيور الله، وتغني في أجواءها عصافير الحب.

اتركوا لنا الأردن آمنة كي يبقى الحب يمارس طقوسه، وتبقى فراشات السلام تحلق في أجواء الحدائق عالياً، فوالله سيموت الحب، وستموت فراشات السلام إن ذبلت أزهار الأردن ومات عشاقها.

اتركوا لنا مساجد الأردن وكنائسها وساحاتها وباحاتها ومرافئها تُسّبح لله، لخالق الجمال، للحب، للمحبة، للسلام.

اتركوا لنا الأزهار تستنشق ضوء الشمس بهدوء وأمان، وتتعطر كما المرايا في عيون النساء.

اتركوا لنا الأردن وطناً تحج إليه كل شعوب الدنيا، وكل سواح العالم، وكل فراشات الحب، وتسافر إليه القلوب المتعطشة للسلام والأمان والمحبة.

اتركوه لنا وطناً معافى بشعبه ومدنه، بأزهاره وحدائقه، بماضيه وحاضره، بتاريخه وحضارته، وابعدوا عنه اشباح موتكم وقذارتكم ووحشيتكم ايها الأوغاد.

إلا يكفي إرهابكم وأنتم تذبحون الأطفال، وتغتالون النساء، وتصطادون المدن تلو المدن بصنارة جرائمكم أيها المجرمون المتعطشون للدم والجريمة ولإبادة الإنسان.

ذبحتم بإرهابكم بغداد واليمن وتونس ومصر وليبيا وسوريا، ومارستم مراسيم احتفاليات تفجيراتكم في عواصم العالم، كل العالم، في الشرق والغرب، حتى لم تسلم مدينة وقرية وشارع وزقاق من عهركم وجبنكم وأنتم تتلذذون بمنظر الدماء التي تستهوي ضمائركم البشعة، وقلوبكم المتشبعة حقداً على بني الإنسانية.