هل لي ان اتساءل: لماذا هذه الضجة بسبب مادة الاسلامية؟

بلغ الانحطاط مبلغا في العراق لدرجة تهريب مادة امتحان التربية الاسلامية.

من يتابع وسائل الأعلام ومواقع التواصل الأجتماعي «السوشيال ميديا» ومجالس المقاهي، ومجالس الاهل والاصدقاء، وحتى مجالس السمر في ليل العراق الملتهب سخونةً، يتخيل ان حرباً ضروساً ستقع عما قريب وتكتسح العراق من على خارطة جغرافية الأرض، او ربما سيحدث زلزال لم يشهد العالم مثيله، وسيكون العراق اول اهدافه الطبيعية.

هل لي ان اتساءل: منذ متى كان العراق طيلة هذه الـ 15 عاماً المنصرمة، يسود فيه قانون الإنسان، وتسود فيه العدالة الإنسانية والأجتماعية، ويخاف فيه من تسول له نفسه بإرتكاب المخالفات؟

لو تصفحنا قليلاً من صفحات هذه الـ 15 عاماً المنصرمة بعناوينها المختلفة، ألا يمثل بيع وشراء الوظائف والمناصب من قبل الوزراء، والمدراء العامين، والمسؤولين، والأحزاب السياسية بمبالغ باهضة الثمن جريمة وخيانة في آن واحد؟ ألا يعد خرقاً للوطن ولسمعة الوطن ولسمعة المتصدين لملف السياسة العراقية، وخيانة للضمير الإنساني؟

ألم تُرتكب اكبر خديعة في تاريخ العراق بما يسمى بالفضائيين، حيث يتقاضى المسؤولون على هذا الملف المدمر للبلد اموالاً طائلة تصل الى ملايين الدولارات سنوياً لتسجيلهم اسماء موظفين وهميين في السلك المدني والعسكري، والذي كانت احدى ثماره القاتلة انتكاسة مدمرة للوطن تمثلت في اقتحام دواعش الإرهاب الوطن واحتلالهم ثلثي مساحة الوطن، وتدميرهم وقتلهم لآلاف العراقين الأبرياء العزل، وارتكابهم اكبر مجزرة بشرية لأبرياء عراقيين مغدورين في سبايكر، واغتصابهم لنساء عراقيات وبيعهن في سوق النخاسة، وتدميرهم وتخريبهم وحرقهم لنفائس وآثار العرق، التي تحمل اسم العراق القديم؟ إلا تعد هذه القضية (قضية الفضائيين) خرقاً لقوانين الوطن؟

توزيع كعكة المناصب بين افراد عوائل الاحزاب المتسيدة للمشهد السياسي العراقي، ألا يعد خرقاً لقوانين الوطن؟  

ألم يشهد شاهدٌ من أهلها من على منصة مسرح الحدث ليروي تفاصيل الخيانة الكبرى بلسانه وصوته وصورته، النائب مشعان الجبوري وهو يعترف بتقاسم البرلمانيين كعكة العمولة والخيانة مقابل توقيع وامضاء سيادة البرلمانيين لبعض العقود الوهمية المصطنعة. ألا يعد هذا الأعتراف المنافي لأخلاق ولوطنية ومبادئ المكلفين بتشريع القوانين والقرارات الوطنية خيانة كبرى للوطن وللشعب، ويعتبر خرقاً لقوانين الوطن وخيانةً للشعب الذي انتخبهم وأئتمنهم، وخيانةً لنظامه الديموقراطي السياسي الجديد؟ والأعتراف سيد الأدلة كما يصفه الخبراء القانونيون، فما بالكم اذا كان هذا الشخص المتحدث علناً وصراحةً، هو نائباً برلمانياً، اقَّر بالجرم واعترفَ به.

تزوير الإنتخابات وهي تمثل اهم منجز وطني وسياسي واخلاقي وديموقراطي، والتي باتت حكايتها كحكاية الف ليلة وليلة، يتداولها القاصي والداني بين شعوب المعمورة. ألا تعد خرقاً لقوانين الوطن؟

صفقات الأسلحة واجهزة كاشف المتفجرات والعمولات والمتاجرة بأرواح الشعب، وسرقة خزينة الوطن الذي بات يئن ويبكي فقراً وعوزاً. ألا تعد خرقا لقوانين الوطن؟

تهريب النفط من منافذ حدودية وهو ملك عام للشعب، وليس ملكاً خاص لفئة معينة، ألا يعد خرقا لقوانين الوطن؟

اجبار بعض الفتيات المؤدبات اللاتي ينتمين الى عوائل محافظة من قبل بعض المسؤولين المتنفذين (الطيبين) في الكثير من مؤسسات ودوائر الدولة للأستجابة لرغباتهم الحيوانية مقابل وعود بالتعيينات الوهمية، او مساومةً لأنهاء عقودهن في العمل، ألا يعد خرقا لقوانين الوطن؟

قضية آخرى، انا لم اسمع يوما ان رئيس مجلس الوزراء اتخذ قراراً شجاعاً واقصى وزيراً او مسؤولاً حكومياً فاسداً حامت حوله الشكوك او وقع في شباك الحقيقة متلبساً بالجرم المشهود، ليكون بدوره عبرة للآخرين ولمن تسول له نفسه بالأساءة للمجتمع ولقوانين الدولة. اذن ما هو دور رئيس مجلس الوزراء، هل دوره بروتوكولي تشريفي فقط للمصادقة على القرارات والاتفاقيات الدولية، واطلاق الخطب الرنانة ومحاربة الفاسدين بسلاح الكلمات التي يبتدئها عادة بكلمة محلاة بمادة سكر السين «سوف»، التي يتحدث بها ليل نهار طوال فترة الأربع سنوات من عمر الحكومة الحالية «المنتهية مدتها الدستورية» والتي ضاقت به ضجراً تلك التي اسمها «سوف» وقدمت شكوى الى مجلس أمناء اللغة العربية بتحريم استعمالها من قبل السياسيين العراقيين لعدم مصداقيتهم معها.

اذا كان رئيس مجلس الوزراء مغيباً عما يحدث، ليس له اية علاقة بعملية الإنتخابات وما شابها من تزوير، وليس له اية علاقة بملف الكهرباء التي اصبحت نسياً منسيا، بل اصبحت مجرد وعود في وعود، وايام وسنوات تجر ايام وسنوات من عمر المواطن، وليس له علاقة بملف الفقراء والمحتاجين والعاطلين والمفترشين ارصفة الطرقات وهم ينتمون جغرافيا الى بلدٍ من اغنى بلدان العالم في تصديره لمادة البترول، البترول المتسرب في جيوب المسؤولين والمهربين وسماسرة المال المنهوب، وليس له علاقة بلعبة المحاصصة التي ابتلعت فقراء الوطن. المحاصصة، تلك اللعبة الغريبة التي استقدمت الى العراق في عهد الديموقراطية لتذبح الوطن، فصار مفقسا للمحاصصة المستهجنة، محاصصة التعليم، محاصصة الوظائف، محاصصة الكهرباء، محاصصة الشوارع، محاصصة المدن، محاصصة الأحزاب، وليس له علاقة بملف العشائر وهم يتقاتلون فيما بينهم بين الفينة والأخرى، وليس له علاقة بملف وزارة الصحة ليرى فساد الفاسدين وتلاعبهم بأرواح الناس الأبرياء، وليس له علاقة بالتفجيرات وعمليات الخطف وانتشار الأسلحة الغير مرخصة رسميا في الطرقات.

اذن ما هو دوره الحقيقي والفعلي في الساحة العراقية؟ هل دوره بروتوكولي مثل رئيس الجمهورية الذي لا نرى له صورة ولا نسمع له صوتاً؟

انا اعرف وكل المتابعين للسياسة الدولية يعرفون ان مهمة رئيس مجلس الوزراء تكون مهمة شاملة لكل تفاصيل ومفاصل سياسية البلد، اقتصاديا، امنيا، سياسيا، اجتماعيا، تربويا، تعليميا، واي فشل او اخفاق في واحدٍ من تلك المفاصل يعد فشلاً وانهياراً للمفصل الآخر.

تهريب مادة الأسلامية يعد انتهاكا صارخا ليس فقط لوزارة التربية التي لم تتعامل مع اخلاقية المواد الامتحانية بنبل ومهنية، بل هو انتهاكاً للمجتمع بإعتباره مجتمعاً مسلماً. فأذا كانت مادة الاسلامية اول الغيث في الامتحانات الوزارية، وهي مادة سهله وبسيطة قياساً بالمواد الامتحانية الآخرى، فما بالكم ببقية المواد الامتحانية التي يرغب بها المتاجرون وهي اكثر صعوبةً وثقلا للطلبة؟

وربما التساؤل الأخير، ما هي الخطوات التي أتخذها مجلس الوزراء في حكومتنا الحالية – المنتهية مدتها الدستورية؟ هل اصدر قرارات بإعفاء المدراء العامين المسؤولين عن هذه الخيانة الكبرى؟ ما هو موقف وزير التربية الصيدلاني؟ إلا يفترض ان يقدم استقالته امتعاضاً واحتجاجاً لما جرى في اروقة وزارة التربية من اساءة بالغة للوطن والمواطن وهو المسؤول الأول عنها، حتى لو فقط من باب ذر الرماد في العيون؟