اجتماع كوالالمبور.. ونظرية أم القرى الإيرانية

خيط رابط بين المؤتمرين في قمة مهاتير إنه الإسلام السياسي الشيعي ممثلًا في ولاية الفقيه والسني في الإخوان المسلمين.

بقلم: محمد بن صقر السلمي

في قمةٍ بدأت الدعوة لها بوصفها قمةً مصغرةً إسلامية مكونةً مِن خمس دول، انسحبت سريعًا دولتان هما إندونيسيا وباكستان، وانضمت إيران في اللحظات الأخيرة، لتكون القائمة النهائية للحاضرين هي ماليزيا الدولة المستضيفة وتركيا وقطر وإيران، أثارت الكثير من الشكوك حول الأهداف الخفية التي دعت لانعقاد هذا الاجتماع.

إذا ما دققنا في هذه القائمة نجد أنَّ هناك خيطًا رابطًا بينها وهو الإسلام السياسي بشقيه الشيعي ممثلًا في ولاية الفقيه والسني ممثلًا في تنظيم الإخوان المسلمين. وكما هو معلوم تركز هذه التنظيمات على الشعارات الشعبوية التي تستغل العاطفة الدينية لخدمة أجنداتٍ سياسية محدودة؛ لحشد الجماهير واللعب على عواطف العامة المتعطشة للانتصارات الوهمية؛ ولذا نجد أنَّ القضية الفلسطينية هي أولى القضايا التي تم استغلالها كما جرى لعقودٍ مِن المتاجرة بها بينما هناك دولٌ مشاركة في هذه القمة المزعومة تربطها بإسرائيل علاقاتٌ اقتصادية وسياسية وتجارية وهناك رحلاتٌ جوية منتظمة ومكاتبَ تجارية ونحو ذلك.

الجانب الشعبوي الآخر الذي تم العزف عليه هو الدين الإسلامي الحنيف فزعموا أنهم سيقومون بتأسيس قناةٍ تليفزيونية ناطقة بالإنجليزية لمواجهة ما يسمى بالإسلام فوبيا في الغرب. والواقع أنَّ ممارسات هذه الدول بدعمها للتنظيمات الإرهابية وتأسيس الميليشيات الطائفية أكثر ما يسيء للإسلام وأهله. هذا الغطاء الديني العاطفي جاء ليخفيَ حقيقة تحدَّثنا عنها منذ فترة وهي أنَّ مهاتير محمد المتقدم جدا في السن يرغب في تحقيق إنجازٍ شخصي خارج حدود ماليزيا يُبقي اسمه حاضرًا بعد وفاته وقد قدم مستشاروه مقترحًا يتمثل في تأسيس قناة تليفزيونية، وَمِن هنا يمكن فهم أهمية حضور قطر في هذه القمة حيث ستتولى بشكلٍ مباشر أو غير مباشر الحصة الأكبر من الدعم المالي المخصص لهذه القناة التليفزيونية.

ولأنّ معظم هذه الدول يجمعها موقفٌ سلبيٌّ من المملكة العربية السعودية لأسباب أيديولوجية بحتة، فإنَّ الهدف من وراء هذا الاجتماع والاجتماعات المماثلة تهميش المنظمات والهيئات الإسلامية القائمة مثل منظمة التعاون الإسلامي والبنك الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي وغيرها، التي تتخذ جميعها من السعودية مقرًا دائمًا لها.

إنَّ الدخول الإيراني المفاجئ على الخط وحضور القمة هو في نظري محاولةٌ مِن هذه الدول لإيجاد وسيلةٍ لمساعدة إيران لتجاوز العقوبات الدولية المفروضة عليها وَمِن ثَمَّ من غير المستبعد أن يتم إرسال الأموال إلى إيران تحت مسمياتٍ دينية وأيديولوجية مختلفة وبخاصة عبر تركيا وقطر.

الأهم في نظري هو ما كتبته صحيفة (فری مالیجیا تودای Free Malaysia Today) في عددها الصادر بتاريخ 23 ديسمبر 2019 (http://bit.ly/2tWiBpg) نقلا عن ديبلوماسيٍّ ماليزيٍّ لم تُفصح عن اسمه، وهو يكشف بجلاء الهدف غير المعلن لهذا الاجتماع، إذ نقلت الصحيفة «إنَّ هذه القمة (اجتماع كوالالمبور) قد أنهت الأسطورة القائمة على زعامة السعودية للعالم الإسلامي بسبب كونها خادمة الحرمين الشريفين».

يبدو أنَّ مهاتير محمد الذي أجرى اتصالًا هاتفيًا بالعاهل السعودي عشية انعقاد القمة ووصف ماليزيا بأنها «دولةٌ صغيرةٌ للغاية» ولا يمكن أنْ تأخذ دور المملكة الريادي في العالم الإسلامي لم يتعلم كثيرًا من التجربة الإيرانية. فبعد فشل مشروع تصدير الثورة الإيرانية بالقوة العسكرية ومع نهاية الحرب العراقية-الإيرانية التي استمرت لمدة ثماني سنوات (1980-1988)، فكرت إيران الخمينية في البدائل لإنجاح مشروع الثورة، فجاء مقترحًا يبدو جذابًا مِن محمد جواد لاريجاني (أحد أربعة أشقاء مِن أسرة لاريجاني متنفِّذين جدًا في دوائر صنع القرار الإيراني) تحت مسمى «نظرية أم القرى» التي اعتبرت قٌم هي العاصمة الدينية لدار الإسلام، وطهران عاصمتها السياسية، وبالتالي تكون إيران وَفقًا لوجهة نظر لاريجاني بمثابة القائد للعالم الإسلامي وضرب المستكبرين على حد زعمه.

هذه الفكرة التي احتفلت إيران بها واعتقدت أنها العمود الفقري لمشروع تصدير الثورة قد وُلِدت ميتة في أعين مليار ونصف مسلم حول العالم، فلا يمكن استبدال مكة بمدينة مغمورة تاريخيًا مثل قُم كما لا يمكن إقناع المسلم الذي يصلي خمس مرات في اليوم باتجاه مكة وإليها يحج ويعتمر بالاتجاه إلى إيران وقم تحديدًا!

وكما تم توضحيه أعلاه، فلقد اجتمعت هذه الدول الأربع وفي ذهن كل طرفٍ منها هدفا ذاتيًا يسعى إلى تحقيقه عبر استغلال المظلة الإسلامية وهدفًا آخرَ ربما يجمعهم وهو محاولة النيل من مكانة السعودية في العالم الإسلامي. وبناءً على ذلك، فكما فشلت نظرية «أم القرى» الإيرانية اتضح أيضًا فشل نظرية كوالالمبور الماليزية، فالريادة الإسلامية ليست شعارات ولعب على العواطف والاختفاء خلف المتاجرة بالقضايا الإسلامية بل بالعمل والممارسة، والضلوع بالمسؤوليات الملقاة على عاتق كل دولة، وإذا كان بالفعل هناك نية لمساعدة المسلمين فعلى تركيا وإيران وقطر التوقف عن دعم الميليشيات والتنظيمات الإرهابية التي تقتل المسلمين في سوريا والعراق واليمن لبنان وليبيا وغيرها، وتدفع حصتها المالية في المنظمات الإسلامية، فهذا أكبر إنجاز يمكن انتظاره من تلك الدول.

نُشر في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية